للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ حَالَةَ الْجِمَاعِ.

(وَيَجِبُ مَعَهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ (قَضَاءُ يَوْمِ) أَوْ أَيَّامِ (الْإِفْسَادِ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَ الْمَعْذُورَ فَغَيْرُهُ أَوْلَى وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهَا الْمُجَامِعَ» .

(وَهِيَ) أَيْ: الْكَفَّارَةُ (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) كَمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَشُرُوطُهَا وَصِفَاتُهَا فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ (فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْجَمِيعِ اسْتَقَرَّتْ) مُرَتَّبَةً (فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ أَنْ يُكَفِّرَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ» مَعَ إخْبَارِهِ لَهُ بِعَجْزِهِ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ حِينَئِذٍ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ لَهُ إمَّا لِفَهْمِهِ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا تَقَرَّرَ أَوْ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ (فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا) فَوْرًا وُجُوبًا؛ لِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ تَعَدَّى بِسَبَبِهَا يَجِبُ الْفَوْرُ فِيهَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْعُدُولَ عَنْ الصَّوْمِ) إلَى الْإِطْعَامِ (لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ) أَيْ: الْحَاجَةِ إلَى الْوَطْءِ لِئَلَّا يَقَعَ فِيهِ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ فَيَحْتَاجَ لِاسْتِئْنَافِهِ وَهُوَ حَرَجٌ شَدِيدٌ وَوَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَرَ الْمُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ أُتِيتُ إلَّا مِنْ الصَّوْمِ فَأَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ» .

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ) الْمُكَفِّرِ (صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ) كَالزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُجَامِعِ: بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِعَجْزِهِ فَجَازَ لَهُ قَدْرُ الْكَفَّارَةِ فَأَعْطَاهُ لَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا «أَطْعِمْهُ أَهْلَك» يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَلَّكَهُ إيَّاهُ

ــ

[حاشية الشرواني]

أَنَّهُ يُجَنِّنُهُ فِي النَّهَارِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ حَصَلَ الْجُنُونُ مِنْ ذَلِكَ الدَّوَاءِ فَهَلْ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحِ م ر أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ حِينَ التَّعَاطِي وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَدَّى بِالْجُنُونِ نَهَارًا بَعْدَ الْجِمَاعِ كَأَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ شَاهِقٍ فَجُنَّ بِسَبَبِهِ هَلْ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ فِيهِ أَيْضًا سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَدَّى بِهِ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ بِجُنُونِهِ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ أَثِمَ بِالسَّبَبِ الَّذِي صَارَ بِهِ مَجْنُونًا ع ش وَقَوْلُهُ وَالْأَقْرَبُ فِيهِ إلَخْ تَقَدَّمَ عَنْ سم آنِفًا فِي حُدُوثِ الْمَوْتِ بِفِعْلِهِ مَا يُوَافِقُهُ.

(قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ لَخَّ) وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا فَطَرَأَ عَلَيْهَا حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَسْقَطَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي صِحَّةَ الصَّوْمِ فَهُوَ كَالْجُنُونِ مُغْنِي وَقَوْلُهُ وَإِذَا قُلْنَا إلَخْ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ الْمَارِّ.

قَوْلُ الْمَتْنِ (وَيَجِبُ مَعَهَا إلَخْ) وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُفْسِدِ الْمَذْكُورِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ وَاحِدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ الْمُعَاقَبَةُ إنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَأَرْبَعَةٌ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ الْقَضَاءُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَالتَّعْزِيرُ وَالْإِمْسَاكُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ كُرْدِيٌّ عَلَى بَافَضْلٍ.

قَوْلُ الْمَتْنِ (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَةِ أَنَّ الرَّقِيقَ إنَّمَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَيْ أَوْ فَقِيرًا ولَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ نُدِبَ لَهُ عِتْقُهَا وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِطْعَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ نُدِبَ لَهُ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي أَيْ: وَيَتْرُكُ فِي الْأَوَّلِ صَوْمَ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ وَفِي الثَّانِي مَا بَقِيَ مِنْ الْإِطْعَامِ وَيَقَعُ لَهُ مَا فَعَلَهُ مِنْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ نَفْلًا مُطْلَقًا ع ش.

(قَوْلُهُ السَّابِقِ) أَيْ: فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ.

(قَوْلُهُ مُرَتَّبَةً) أَيْ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَمِّ ر اهـ سم.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) أَيْ: وَلِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا الْعَبْدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَوْ لَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ وَرَدِّ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَسْنَى وَمُغْنِي (قَوْلُهُ فَدَلَّ) أَيْ: ذَلِكَ الْأَمْرُ (قَوْلُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ: حِينَ الْعَجْزِ.

(قَوْلُهُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ) أَيْ: الِاسْتِقْرَارِ.

(قَوْلُهُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ) وَهُوَ وَقْتُ الْقُدْرَةِ أَسْنَى وَمُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ إلَخْ) وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ هُوَ الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إحْدَى الْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهَا الْكَفَّارَةُ وَأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ إنْ قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا أَوْ أَكْثَرَ رَتَّبَ أَسْنَى وَنِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَلَامٍ سَاكِنَةٍ شِدَّةُ الْحَاجَةِ لِلنِّكَاحِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.

(قَوْلُهُ لِئَلَّا يَقَعَ فِيهِ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ حَرَارَةَ الصَّوْمِ وَشِدَّةَ الْغُلْمَةِ قَدْ يُفْضِيَانِ بِهِ إلَى الْوِقَاعِ وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ مُقْتَضٍ لِاسْتِئْنَافِهِمَا لِبُطْلَانِ التَّتَابُعِ وَهُوَ حَرَجٌ شَدِيدٌ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ.

. (قَوْلُهُ كَالزَّكَاةِ) إلَى الْبَابِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي.

(قَوْلُهُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) وَهُمَا الْحَرَّتَانِ أَيْ: الْجَبَلَانِ الْمُحِيطَانِ بِالْمَدِينَةِ وَ.

(قَوْلُهُ أَهْلُ بَيْتٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَحْوَجُ وَبَيْنَ لَابَتَيْهَا حَالٌ وَيَجُوزُ كَوْنُ مَا حِجَازِيَّةً أَوْ تَمِيمِيَّةً فَعَلَى الْأَوَّلِ أَحْوَجُ مَنْصُوبٌ وَعَلَى الثَّانِي مَرْفُوعٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ إلَخْ خَبَرًا مُقَدَّمًا وَأَهْلُ بَيْتٍ مُبْتَدَأٌ وَأَحْوَجُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِأَهْلِ إلَخْ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ وَيَسْتَوِي عَلَى هَذَا الْحِجَازِيَّةُ وَالتَّمِيمِيَّةُ ع ش.

(قَوْلُهُ أَطْعِمْهُ أَهْلَك) مَقُولٌ وَقَوْلٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَ (قَوْلُهُ يُحْتَمَلُ إلَخْ) خَبَرُهُ.

(قَوْلُهُ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ وَالْمُرَادُ أَطْعِمْهُ أَهْلَك عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ الْكَفَّارَةِ فِي ذِمَّتِهِ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

أَنَّ حُدُوثَ الْجُنُونِ حَيْثُ لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ لِتَعَدِّيهِ بِهِ أَنْ لَا يُسْقِطَ الْكَفَّارَةَ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَجِبُ مَعَهَا أَيْ: الْكَفَّارَةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيَجِبُ مَعَهَا التَّعْزِيرُ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُعَزِّرْ الْأَعْرَابِيَّ وَلَوْ عَزَّرَهُ لَنُقِلَ وَلَمْ يُنْقَلْ لَا يُقَالُ لَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ وَقَدْ قَرَّرْتُمْ دَلَالَةَ الْخَبَرِ عَلَى لُزُومِهَا لَهُ مَعَ فَقْدِهِ مَعَ قَوْلِكُمْ إنَّهَا لَا تَلْزَمُ الْجَاهِلَ فَلْيُتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِلْإِمَامِ تَرْكُ التَّعْزِيرِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا رَأَى ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى ذَلِكَ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَةِ أَنَّ الرَّقِيقَ إنَّمَا يَكْفُرُ بِالصَّوْمِ.

(قَوْلُهُ مُرَتَّبَةً) أَيْ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَمَرَّ.

(قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>