(بَابُ دُخُولِهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ وَخُصَّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ يُخَاطَبُ بِهَا الْحَلَالُ أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّ حُذِفَ الضَّمِيرُ فِي نُسَخِ (مَكَّةَ) قِيلَ الْأَنْسَبُ تَبْوِيبُ التَّنْبِيهِ بِبَابِ صِفَةِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ كَثِيرًا مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِدُخُولِهَا بَلْ الْحَجُّ عَرَفَةَ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهَا وَيُرَدُّ بِأَنَّ دُخُولَهَا يَسْتَدْعِي كُلَّ ذَلِكَ فَاكْتُفِيَ بِهِ عَنْهُ، وَهُوَ بِالْمِيمِ وَالْبَاءِ لِلْبَلَدِ وَقِيلَ بِالْمِيمِ لِلْحَرَمِ وَبِالْبَاءِ لِلْمَسْجِدِ وَقِيلَ بِالْمِيمِ لِلْبَلَدِ وَبِالْبَاءِ لِلْبَيْتِ أَوْ وَالْمَطَافِ وَهِيَ كَبَقِيَّةِ الْحَرَمِ أَفْضَلُ الْأَرْضِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ وَمَا عَارَضَهَا بَعْضُهُ ضَعِيفٌ وَبَعْضُهُ مَوْضُوعٌ كَمَا بَيَّنْته فِي الْحَاشِيَةِ وَمِنْهُ خَبَرُ «إنَّهَا أَيْ الْمَدِينَةَ أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» فَهُوَ مَوْضُوعٌ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ فِيهِ فِي مَكَّةَ إلَّا التُّرْبَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ الْكَرِيمَةَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ أَفْضَلُ إجْمَاعًا حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ وَالتَّفْضِيلُ قَدْ يَقَعُ بَيْنَ الذَّوَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ ارْتِبَاطُ عَمَلٍ بِهَا كَالْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ فَانْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا وَيُسَنُّ الْمُجَاوَرَةُ بِهَا إلَّا لِمَنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقِيَامِ بِتَعْظِيمِهَا وَحُرْمَتِهَا وَاجْتِنَابِ مَا يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ وَلِيَسْتَشْعِرَ الْمُقِيمُ بِهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [الحج: ٢٥] أَيْ مَيْلٍ {بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥] فَرَتَّبَ إذَاقَةَ الْعَذَابِ الْمَوْصُوفِ بِالْأَلِيمِ الْمُرَتَّبِ مِثْلُهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي آيَاتٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَلَمُ مَقُولًا بِالتَّشْكِيكِ عَلَى مُجَرَّدِ إرَادَةِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ وَلَوْ صَغِيرَةً وَلَا نَظَرَ لِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِلْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْحَرَمِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَتَدَبَّرْهُ مَعَ قَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ إنَّ هَذَا بِعُمُومِهِ مُرَتَّبٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ بِغَيْرِ الْحَرَمِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ أَيْ وَفِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِإِلْحَادٍ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ أَخَذُوا مِنْهُ قَوْلَهُمْ إنَّ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ بِهَا كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ أَيْ تَعْظُمُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا لَا أَنَّهَا تَتَعَدَّدُ لِئَلَّا يُنَافِيَ الْآيَةَ وَالْأَحَادِيثَ الْمُصَرِّحَةَ
ــ
[حاشية الشرواني]
[بَابُ دُخُولِ الْمُحْرِمِ مَكَّة]
(بَابُ دُخُولِهِ مَكَّةَ) (قَوْلُهُ: وَخُصَّ) أَيْ الْمُحْرِمُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَكَثِيرٌ إلَخْ) بَلْ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ حُذِفَ الضَّمِيرُ إلَخْ) وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا يُوَافِقُ الْحَذْفَ بِأَنْ يُجْعَلَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الدَّاخِلِ الْمَفْهُومِ مِنْ دُخُولِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ حَيْثُ لَا يُنَاسِبُ إلَّا الْمُحْرِمَ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ كَانَ مُحْرِمًا سم (قَوْلُهُ: تَبْوِيبُ التَّنْبِيهِ) أَيْ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ (قَوْلُهُ: لَهَا بِهَا) يَعْنِي لِوُقُوفِ عَرَفَةَ بِدُخُولِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ إلَخْ) هَذَا لَا يَرُدُّ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ إلَّا نِسْبِيَّةً، وَإِنَّمَا يَكُونُ رَدًّا لَهُ لَوْ ادَّعَى عَدَمَ الصِّحَّةِ فَتَأَمَّلْهُ سم (قَوْلُهُ: يَسْتَدْعِي كُلَّ ذَلِكَ) فِيهِ تَأَمُّلُ سم (قَوْلُهُ: لِلْبَلَدِ) وَلَهَا نَحْوُ ثَلَاثِينَ اسْمًا وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا نَعْلَمُ بَلَدًا أَكْثَرَ اسْمًا مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِكَوْنِهِمَا أَفْضَلَ الْأَرْضِ وَكَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى نِهَايَةٌ زَادَ الْمُغْنِي وَلِهَذَا كَثُرَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قِيلَ إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفَ اسْمٍ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ) إلَى قَوْلِهِ وَلِيُسْتَشْعَرَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَمَا عَارَضَهُ إلَى إلَّا التُّرْبَةَ وَقَوْلَهُ وَالتَّفْضِيلُ إلَى وَتُسَنُّ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ (قَوْلُهُ: عِنْدَنَا إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ مُغْنِي (قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَوْضُوعِ أَوْ مِمَّا عَارَضَهَا (قَوْلُهُ: إلَّا التُّرْبَةَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَفْضَلُ الْأَرْضِ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَالْمُصْحَفِ إلَخْ) مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى فِي كَوْنِ الْمُصْحَفِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ أَنَّ الثَّوَابَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى تِلَاوَتِهِ مَثَلًا أَكْثَرُ مِنْ الثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا لِمَنْ لَمْ يَثِقْ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ مَحْذُورٍ مِنْهُ بِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَّا لِمَنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقِيَامِ بِتَعْظِيمِهَا وَحُرْمَتِهَا وَاجْتِنَابِ مَا يَنْبَغِي إلَخْ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ فَارَقَهَا وَقَعَ مِنْهُ الْمَحْذُورُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا بَلْ وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْذُورُ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قِيلَ بِتَضَاعُفِ السَّيِّئَةِ فِيهَا، وَهُوَ مَرْجُوحٌ لَكِنَّا، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِالْمُضَاعَفَةِ فَمُفَارَقَتُهَا فِيهِ صَوْنٌ لَهَا عَنْ انْتِهَاكِهَا بِالْمَعَاصِي مَعَ شَرَفِهَا ع ش.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَلَمُ مَقُولًا بِالتَّشْكِيكِ) يَعْنِي أَنَّ الْأَلَمَ يُوجَدُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَأَفْرَادِهِ لَكِنَّ حُصُولَ مَعْنَاهُ فِي بَعْضِهَا أَشَدُّ مِنْهُ فِي بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْأَلَمَ عَلَى قَدْرِ الْمَعْصِيَةِ شِدَّةً وَضَعْفًا وَالْكُفْرُ أَشَدُّ الْمَعَاصِي وَ (قَوْلُهُ: عَلَى مُجَرَّدِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِفَرَتَّبَ الْكُرْدِيُّ (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِلْقَوَاعِدِ) أَيْ؛ لِأَنَّ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ لَيْسَتْ بِمَعْصِيَةٍ إلَّا إنْ صَمَّمَ عَلَيْهَا كُرْدِيٌّ عِبَارَةُ الْبَصْرِيِّ لَعَلَّ وَجْهَ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُقَابَلُ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ أَوْ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ تَرْتِيبُ الْوَعِيدِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْخُطُورِ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ وَتَصْمِيمٍ مَعَ أَنَّ الْمُقَرَّرَ إنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى الْهَمِّ بِالْمَعْصِيَةِ إلَّا إذَا صَمَّمَ عَلَى خِلَافٍ فِي التَّصْمِيمِ أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ: فَتَدَبَّرْهُ) أَيْ قَوْله تَعَالَى الْمَذْكُورَ أَوْ قَوْلَ الشَّارِحِ فَرَتَّبَ إلَخْ و (قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا) أَيْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُرِدْ} [الحج: ٢٥] إلَخْ و (قَوْلُهُ: مُرَتِّبٌ إلَخْ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَجَاز فِي الْإِسْنَادِ وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ.
(قَوْلُهُ: أَخَذُوا مِنْهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُرِدْ} [الحج: ٢٥] إلَخْ (قَوْلُهُ: أَيْ تَعْظُمُ فِيهَا إلَخْ) هَذَا التَّفْسِيرُ خِلَافُ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
(بَابُ دُخُولِهِ مَكَّةَ) (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ حَذَفَ الضَّمِيرَ) يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا يُوَافِقُ الْحَذْفَ بِأَنْ يُجْعَلَ مَرْجِعُهُ الدَّاخِلَ أَيْ دَاخِلَ الْمَفْهُومِ مِنْ دُخُولِهِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ حَيْثُ لَا يُنَاسِبُ إلَّا الْمُحْرِمَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَلَوْ كَانَ يُنَافِيهِ بَطَلَ فَائِدَةُ قَوْلِهِ وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ إلَخْ) هَذَا لَا يَرُدُّ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ إلَّا نِسْبِيَّةً فَلَيْسَ رَدًّا لِاعْتِرَاضِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ رَدًّا لَهُ لَوْ ادَّعَى عَدَمَ الصِّحَّةِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: يَسْتَدْعِي كُلَّ ذَلِكَ) قَدْ يُقَالُ بَعْدَ تَمَامِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَدْعِي الدُّخُولَ فَهُوَ أَعَمُّ وَالْمَطْلُوبُ بَيَانُهُ بِالْوَجْهِ الْأَعَمِّ لَا بِوَجْهِ أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدُّخُولِ فَدَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ فِي مَحَلِّهَا وَمَا ذُكِرَ فِي رَدِّهَا لَا يَصْلُحُ لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُنَافِيَ الْآيَةَ إلَخْ) أَقُولُ لُزُومُ الْمُنَافَاةِ مَمْنُوعَةٌ مَنْعًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ عُمُومٌ وَالْخُصُوصُ لَا يُنَافِيهِ بَلْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ: وَالْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ