للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أَيْ: حَقِيقَةً إنَّمَا ذَكَرَ هَذَيْنِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ غُرُوبَهَا عَنْ الْعُيُونِ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَغِيبُ وَلَا تَكُونُ غَرَبَتْ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ إقْبَالِ اللَّيْلِ أَيْ: دُخُولِهِ.

(وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ) ؛ لِأَنَّ «الْأُمَّةَ لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا أَخَّرُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَيُسَنُّ كَوْنُهُ بِتَمْرٍ لِخَبَرٍ فِيهِ وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ الْأَكْلُ فِي السَّحَرِ وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ حِينَئِذٍ وَيَحْصُلُ أَصْلُ سُنَّتِهِ وَلَوْ بِجُرْعَةِ مَاءٍ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ وَحِكْمَتُهُ التَّقْوَى أَوْ مُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَجْهَانِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهَا فِي حَقِّ مَنْ يَتَقَوَّى بِهِ التَّقْوَى وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مُخَالَفَتُهُمْ وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ إنَّمَا يُسَنُّ لِمَنْ يَرْجُو نَفْعَهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَرَوْا حَدِيثَ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجُرْعَةِ مَاءٍ» فَإِنَّ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْغَايَةَ لِلنَّفْعِ بَلْ لِبَيَانِ أَقَلِّ مُجْزِئِ نَفْعٍ أَوَّلًا (مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ) وَإِلَّا كَأَنْ تَرَدَّدَ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِخَبَرِ «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» .

(فَرْعٌ) يَحْرُمُ عَلَيْنَا لَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوِصَالُ بَيْنَ صَوْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ عَمْدًا مَعَ عِلْمِ النَّهْيِ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ التَّقَرُّبَ قَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَهُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ وَعَلَيْهِ فَيَزُولُ بِجِمَاعٍ أَوْ نَحْوِهِ لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ وَاسْتَظْهَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَدْ يُقَالُ إنْ عَلَّلْنَا بِالضَّعْفِ وَهُوَ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ اُتُّجِهَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِتَعَاطِي مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقَوِّيَ كَسِمْسِمَةٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الْجِمَاعِ أَوْ بِأَنَّ فِيهِ صُورَةَ إيقَاعِ عِبَادَةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا أَثَرٌ أَيْ: مُفْطِرٌ لَكِنْ كَلَامُ الْأَصْحَابِ كَالصَّرِيحِ فِي الْأَوَّلِ (وَلْيَصُنْ) نَدْبًا مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى (لِسَانَهُ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغَيْبَةِ) حَتَّى الْمُبَاحَيْنِ بِخِلَافِ الْوَاجِبَيْنِ كَكَذِبٍ لِإِنْقَاذِ مَظْلُومٍ وَذِكْرِ عَيْبِ نَحْوِ خَاطِبٍ

ــ

[حاشية الشرواني]

أَفْطَرَ الصَّائِمُ) مَعْنَاهُ انْقَضَى صَوْمُهُ وَتَمَّ وَلَا يُوصَفُ الْآنَ بِأَنَّهُ صَائِمٌ؛ لِأَنَّهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ خَرَجَ النَّهَارُ وَدَخَلَ اللَّيْلُ وَاللَّيْلُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ شَرْحُ مُسْلِمٍ.

(قَوْلُهُ إنَّمَا ذَكَرَ إلَخْ) مَقُولُ قَالَ (قَوْلُهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَيْنِ إلَخْ) أَيْ: مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ (قَوْلُهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّ غُرُوبَهَا عَنْ الْعُيُونِ لَا يَكْفِي إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي وَادٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يُشَاهِدُ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَيَعْتَمِدُ إقْبَالَ الظَّلَامِ وَإِدْبَارَ الضِّيَاءِ اهـ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ إلَخْ) أَيْ: وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقْوَى عَلَى الْعِبَادَةِ وَصَحَّ «تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ وَكَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسِينَ آيَةً» وَفِيهِ ضَبْطٌ لِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ سُنَّةُ التَّأْخِيرِ نِهَايَةٌ.

(قَوْلُهُ بِتَمْرٍ) عِبَارَةُ شَيْخِنَا مِمَّا يُنْدَبُ الْفِطْرُ عَلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ) إلَى قَوْلِهِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَبِهِ يُرَدُّ إلَى الْمَتْنِ وَإِلَى قَوْلِهِ وَقَدْ يُقَالُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَجْهَانِ إلَى إنَّمَا يُسَنُّ وَقَوْلُهُ وَلَعَلَّهُمْ إلَى الْمَتْنِ.

(قَوْلُهُ بِضَمِّ السِّينِ الْأَكْلُ إلَخْ) وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَإِنْ قِيلَ أَكْثَرُ الرِّوَايَةِ الْفَتْحُ فَقَدْ قِيلَ الصَّوَابُ الضَّمُّ؛ إذْ الْأَجْرُ وَالْبَرَكَةُ فِي الْفِعْلِ حَقِيقَةً وَالْمَأْكُولِ مَجَازًا إيعَابٌ (قَوْلُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ: فِي وَقْتِ السَّحَرِ (قَوْلُهُ أَصْلُ سُنَّتِهِ) أَيْ: السُّحُورِ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَلَوْ بِجُرْعَةِ مَاءٍ) رَبْطُهُ بِمَا قَبْلَهُ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَيَحْصُلُ بِقَلِيلِ الْمَطْعُومِ وَكَثِيرِهِ لِخَبَرِ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجُرْعَةِ مَاءٍ» اهـ.

(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهَا إلَخْ) وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهُ لَهُمَا مُغْنِي (قَوْلُهُ التَّقْوَى) يَنْبَغِي وَمُخَالَفَتُهُمْ أَيْضًا سم (قَوْلُهُ وَبِهِ يُرَدُّ إلَخْ) أَيْ بِهَذَا الْجَمْعِ (قَوْلُهُ قَوْلُ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ إلَخْ) وَافَقَهُمْ النِّهَايَةُ عِبَارَتُهُ وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِهِ إذَا رُجِيَ بِهِ مَنْفَعَةٌ إلَخْ اهـ قَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ إلَخْ اُنْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ وَيَأْتِي مِنْ حُصُولِ السُّنَّةِ بِالْقَلِيلِ كَالْكَثِيرِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَرَوْا حَدِيثَ إلَخْ) هَذَا لَيْسَ نَصًّا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى سم وَقَدْ يُمْنَعُ (قَوْلُهُ تَرْكُهُ) أَيْ: السُّحُورِ.

[فَرْعٌ الْوِصَالُ بَيْنَ صَوْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ]

(قَوْلُهُ يَحْرُمُ عَلَيْنَا لَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) وَلَمْ يَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - ذَلِكَ خُصُوصِيَّةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُوَاصِلُ وَوَاصَلَ مَرَّةً تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى سَمْنٍ لِيُلَيِّنَ أَعْضَاءَهُ وَصَبْرٍ لِيُقَوِّمَهَا وَلَبَنٍ؛ لِأَنَّهُ أَلْطَفُ غِذَاءٍ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ قِيلَ يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِمَنْ يَتَضَرَّرُ بِهِ بِخِلَافِ وَلِي غِذَاؤُهُ الْمَعَارِفُ الْإِلَهِيَّةُ لَمْ يَبْعُدْ إيعَابٌ (قَوْلُهُ بَيْنَ صَوْمَيْنِ) أَيْ فَرْضَيْنِ أَوْ نَفَلَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ إيعَابٌ وَنِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ شَرْعِيَّيْنِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ أَيْ: وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا مِنْ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وِصَالًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ انْتَهَى اهـ نِهَايَةٌ زَادَ الْمُغْنِي وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَالِ لِلضَّعْفِ عَنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اهـ. قَالَ ع ش قَوْلُهُ م ر أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ أَيْ: فَلَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ الْوِصَالِ بَيْنَ كَوْنِهِ بَيْنَ صَوْمَيْنِ أَوْ لَا اهـ عِبَارَةُ الْإِيعَابِ وَعَبَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ بِالْيَوْمَيْنِ تَارَةً وَبِالصَّوْمَيْنِ أُخْرَى لِبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا وُجُودُ صُورَةِ صَوْمٍ فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَتِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إلَخْ اهـ.

(قَوْلُهُ قَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ ع ش (قَوْلُهُ فَيَزُولُ بِجِمَاعٍ إلَخْ) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مُغْنِي وَإِيعَابٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ النِّهَايَةِ اعْتِمَادُهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ: التَّعْلِيلِ بِالضَّعْفِ (قَوْلُهُ نَدْبًا) إلَى قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ حَتَّى الْمُبَاحَيْنِ إلَى وَجَمِيعَ جَوَارِحِهِ وَقَوْلُهُ كَمَا دَلَّتْ إلَى وَخَبَرِ إلَخْ (قَوْلُهُ حَتَّى الْمُبَاحَيْنِ) أَيْ: كَالْكَذِبِ لِحَاجَةٍ مِنْ إصْلَاحِ الْبَيْنِ وَغَيْرِهِ وَالْغِيبَةِ لِنَحْوِ تَظَلُّمٍ كُرْدِيٌّ عَلَى بَافَضْلٍ (قَوْلُهُ وَجَمِيعَ جَوَارِحِهِ) إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ كَمَا دَلَّتْ إلَى وَعَنْ نَحْوِ الشَّتْمِ (قَوْلُهُ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

مَوْجُودٌ فِي مَاءِ زَمْزَمَ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ الْوَارِدِ بِأَنَّهُ لِمَا شُرِبَ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَاوِيَ التَّمْرَ وَلَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَمَّا أَوَّلًا فَلَوْ سَلِمَ وُجُودُ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ بِخُصُوصِهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ لَهُ مِنْ التَّأْثِيرِ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا لَيْسَ لِمَاءِ زَمْزَمَ وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَدْ يَكُونُ وُجُودُ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ مِنْ جِهَةِ بَرَكَتِهِ وَفِي التَّمْرِ مِنْ جِهَةِ خَاصَّتِهِ وَوَضْعِهِ لِهَذَا النَّفْعِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهَا فِي حَقِّ مَنْ يَتَقَوَّى بِهِ التَّقْوَى) يَنْبَغِي مُخَالَفَتُهُمْ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَرَوْا حَدِيثَ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجُرْعَةِ مَاءٍ» ) لَيْسَ نَصَّا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>