للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كِتَابُ الْوَقْفِ) هُوَ لُغَةً الْحَبْسُ وَيُرَادِفُهُ التَّسْبِيلُ وَالتَّحْبِيسُ وَأَوْقَفَ لُغَةً رَدِيئَةً وَأَحْبَسَ أَفْصَحُ مِنْ حَبَسَ عَلَى مَا نُقِلَ لَكِنْ حَبَسَ هِيَ الْوَارِدَةُ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَشَرْعًا حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ

وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] وَلَمَّا سَمِعَهَا أَبُو طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَادَرَ إلَى وَقْفِ أَحَبِّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ حَدِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ كَذَا قَالُوهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ وَأَنَّهَا صَدَقَةٌ لَهُ تَعَالَى وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُفِيدُ الْوَقْفَ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كِنَايَةٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ نَوَى الْوَقْفَ بِهَا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ سِيَاقُ الْحَدِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ نَوَاهُ بِهَا ثَانِيهِمَا وَهُوَ الْعُمْدَةُ أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الْوَقْفِ بَيَانَ الْمَصْرِفِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ لِلَّهِ عَنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا يَأْتِي مَعَ الْفَرْقِ فَقَوْلُهُ وَأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصْلُحُ لِلْوَقْفِ عِنْدَنَا وَإِنْ نَوَاهُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَقُولُونَ أَنَّهُ وَقَفَهَا فَهُوَ: إمَّا غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْحَدِيثِ أَوْ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ كَالْوَصِيَّةِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ أَيْ مُسْلِمٌ يَدْعُو لَهُ» وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ

ــ

[حاشية الشرواني]

مِنْهَا فَإِنْ كَانَ الْحَطَبُ لَهُ فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهَا لَا الِاصْطِلَاءَ بِهَا وَلَا الِاسْتِصْبَاحَ مِنْهَا. اهـ. قَالَ ع ش قَوْله م ر صَحَّ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَكِنْ إذَا تَأَخَّرَ مُدَّةً وَاخْتَلَطَ فِيهَا الْحَادِثُ بِالْمَوْجُودِ وَتَنَازَعَا جَاءَ فِيهِ مَا قِيلَ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ إذَا اخْتَلَطَ حَادِثُهَا بِمَوْجُودِهَا وَهُوَ تَصْدِيقُ ذِي الْيَدِ. اهـ.

[كِتَابُ الْوَقْفِ]

[أَرْكَانُ الْوَقْف]

(كِتَابُ الْوَقْفِ)

(قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً) إلَى قَوْلِهِ كَذَا قَالُوا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ عَلَى مَا نُقِلَ إلَى وَشَرْعًا (قَوْلُهُ: وَالتَّحْبِيسُ) أَيْ وَالِاحْتِبَاسُ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: لُغَةٌ رَدِيئَةٌ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَلَا يُقَالُ أَوْقَفْته إلَّا فِي لُغَةٍ تَمِيمِيَّةٍ وَهِيَ رَدِيئَةٌ وَعَلَيْهَا الْعَامَّةُ وَهُوَ عَكْسُ حَبَسَ فَإِنَّ الْفَصِيحَ أَحْبِسُ، وَأَمَّا حَبَسَ فَلُغَةٌ رَدِيئَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَبَّسَ) أَيْ بِالتَّشْدِيدِ. اهـ. ع ش وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْمُغْنِي أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ (قَوْلُهُ: بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ تَصْوِيرِيَّةٌ وَمُتَعَلِّقَةٌ بِحَبْسِ مَالٍ إلَخْ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَى مَصْرِفٍ مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: مُبَاحٍ) زَادَ النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي مَوْجُودٍ. اهـ. قَالَ ع ش قَوْلُهُ: م ر مَوْجُودٍ أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ، أَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ أَسْقَطَهُ لِيَتَأَتَّى عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فَعَلَ حَجّ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَيْرُحَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ كَثِيرًا مَا تَخْتَلِفُ أَلْفَاظُ الْمُحَدِّثِينَ فِيهَا فَيَقُولُونَ بَيْرُحَاءُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَالْمَدِّ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرِ وَهِيَ اسْمُ مَاءٍ وَمَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْفَائِقِ إنَّهَا فَيَعْلَى مِنْ الْبَرَاحِ وَهِيَ الْأَرْضُ الظَّاهِرَةُ. انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُمْ هَذَا (قَوْلُهُ: فِي حَدِيثِهِ) أَيْ أَبِي طَلْحَةَ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهَا إلَخْ) أَيْ بَيْرُحَا (قَوْلُهُ: هَذِهِ الصِّيغَةُ) أَيْ وَأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: فَيَتَوَقَّفُ) أَيْ الْوَقْفُ أَيْ الْحُكْمُ بِخُصُوصِ الْوَقْفِ بِهَا (قَوْلُهُ ثَانِيهِمَا) قَدْ يُقَالُ يَكْفِي فِي الِاحْتِيَاجِ بِمَا ذُكِرَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ تَصْلُحُ لِلْوَقْفِ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ صِيغَةٍ عِنْدَنَا. اهـ. سَيِّدُ عُمَرُ.

عِبَارَةُ سم يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ يُغْنِي عَنْ بَيَانِ الْمَصْرِفِ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ إذَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ هِيَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ انْتَهَى وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ لَوْ قَالَ وَقَفْت هَذَا لِلَّهِ صَحَّ وَصُرِفَ لِلْفُقَرَاءِ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ. اهـ. لَكِنَّ قَوْلَ شَرْحِ الرَّوْضِ ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِنَفْسِ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَسَيَأْتِي فِي الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الْمَصْرِفِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْأَذْرَعِيِّ وَالْغَزِّيِّ فَلَعَلَّ أَبَا طَلْحَةَ نَوَى الْمَصْرِفَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَاهُ بِهَا) أَيْ الْوَقْفِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ (قَوْلُهُ: عَمَّا فِي الْحَدِيثِ) أَيْ عَنْ عَدَمِ بَيَانِ الْمَصْرِفِ فِيهِ قَوْلُهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ قَوْله تَعَالَى إلَخْ (قَوْلُهُ: وَخَبَرُ مُسْلِمٍ) إلَى قَوْلِهِ وَأَشَارَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَقُبِلَ إلَى وَجَاءَ وَإِلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ فَلَعَلَّهَا رِوَايَاتٌ. اهـ. ع ش

(قَوْلُهُ: انْقَطَعَ عَمَلُهُ) أَيْ ثَوَابُهُ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَقَدْ انْقَطَعَ بِفَرَاغِهِ. اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ إلَخْ) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ (قَوْلُهُ: أَيْ مُسْلِمٌ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلَعَلَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَمَالِ الْقَبُولِ، وَأَمَّا أَصْلُهُ فَيَكْفِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: يَدْعُو لَهُ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ. اهـ. ع ش وَفِي الْبُجَيْرِمِيِّ قَوْلُهُ: يَدْعُو لَهُ أَيْ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَيَشْمَلُ الدُّعَاءَ بِسَبَبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ الصَّدَقَةَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَجِّ فِي التَّيَمُّمِ بَعْدَ كَلَامٍ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ نَازَعَ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي تَفْضِيلِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَقْفِ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ فَسَرُّوا الصَّدَقَةَ بِهِ وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَعَنْهُ عَنْ الْمُحِبِّ السَّنْكَلُونِيِّ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّعْلِيمِ النَّاجِزِ أَوْلَى مِنْهُ بِالتَّصْنِيفِ لِمَا

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

كِتَابُ الْوَقْفِ)

(قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُفِيدُ الْوَقْفَ لِشَيْئَيْنِ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا قَالَهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ يُغْنِي عَنْ بَيَانِ الْمَصْرِفِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ فَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ بَيَانُ الْمَصْرِفِ مَا نَصُّهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ أَيْ بُطْلَانِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ إذَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ. لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ هِيَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا لِلَّهِ فَهَلْ يَصِحُّ وَمَا مَصْرِفُهُ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِلَّهِ تَعَالَى صَحَّ وَصُرِفَ لِلْفُقَرَاءِ أَنَّهُ يُصْرَفُ هُنَا لِلْفُقَرَاءِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>