لِلْمُسْلِمَاتِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْكِتَابِيَّاتِ هُنَّ الزَّوْجَاتُ (تَنْبِيهٌ)
ظَاهِرُ كَلَامِ الصَّيْمَرِيِّ تَوَقُّفُ صِحَّةِ هَذَا الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَطَرِيقُ الصُّلْحِ لِيَقَعَ عَلَى الْإِقْرَارِ أَنْ تَقُولَ كُلٌّ مِنْهُنَّ لِصَاحِبَتِهَا إنَّهَا هِيَ الزَّوْجَةُ ثُمَّ تَسْأَلَهَا تَرْكَ شَيْءٍ مِنْ حَقِّهَا وَمُقْتَضَى كَلَامِ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ هُنَا اعْتِمَادُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ فِيهِ إلْحَاقَ ضَرَرٍ عَظِيمٍ بِالْمُقِرَّةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَوَرَّطُ بِصُدُورِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ تَأْبَى الْمُقِرَّةُ لَهَا أَنْ تَتْرُكَ لَهَا شَيْئًا فَيَلْزَمُ ضَيَاعُهَا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَدْ ذَكَرُوا هُنَا صِحَّةَ صُلْحِ الْوَلِيِّ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَلِّيهِ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَالْوَجْهُ أَنَّ كَلَامَ الصَّيْمَرِيِّ مَقَالَةٌ ضَعِيفَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَطَرِيقُ الصُّلْحِ إلَى آخِرِهِ تَصْوِيرُ وُقُوعِ الصُّلْحِ هُنَا عَلَى الْإِقْرَارِ لَا أَنَّ الْإِقْرَارَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ هَذَا الصُّلْحِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَالْأَمْرُ هُنَا مُنْبَهِمٌ انْبِهَامًا لَا يُرْجَى انْكِشَافُهُ بِوَجْهٍ فَكَيْفَ نَحْمِلُ كُلًّا مِنْهُنَّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ بُطْلَانَهُ فَاتَّضَحَ أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هُنَا إقْرَارٌ وَأَنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ بِدُونِهِ لِتَعَذُّرِهِ كَمَا عَلِمْت.
ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَيْنِ صَرَّحَا بِمَا ذَكَرْته فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ مَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَوَقَفَ لَهُمَا نَصِيبَ زَوْجَةٍ فَاصْطَلَحَتَا وَكَذَا لَوْ ادَّعَيَا وَدِيعَةً فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ ثُمَّ اصْطَلَحَا فِيهَا عَلَى شَيْءٍ وَكَذَا لَوْ تَدَاعَيَا دَارًا فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً ثُمَّ اصْطَلَحَا اهـ وَلَمْ يُصَرِّحَا بِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الثَّلَاثِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِقْرَارِ لَكِنَّ كَلَامَهُمَا كَالصَّرِيحِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُهُمَا، وَنَقْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْأُولَى عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَا فِيهَا لَيْسَ صُلْحًا عَلَى إنْكَارٍ اعْتَرَضَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِتَصْرِيحِ الْقَفَّالِ فِيهَا بِجَوَازِ الصُّلْحِ وَبِكَوْنِهِ عَلَى إنْكَارٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَقُولُ: الْمَوْقُوفُ لِي وَحْدِي قَالَ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى ثَمَانٍ اهـ وَلَك أَنْ تَقُولَ: الْإِنْكَارُ هُنَا ضِمْنِيٌّ لَكِنْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ كَوْنُ الْمَوْقُوفِ تَحْتَ يَدِ كُلِّهِنَّ بِالسَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لِإِحْدَاهُنَّ فَسَاغَ لَهُنَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صَرِيحُ الْإِقْرَارِ لِتَعَذُّرِهِ كَمَا مَرَّ ثُمَّ رَأَيْتُهُمْ وَجَّهُوا الصُّلْحَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمَا يَقْرُبُ مِمَّا وَجَّهْتُهُ بِهِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَبَضَ شَيْئًا يَقُولُ هُوَ: مِلْكِي وَمُقْبِضُهُ يَقُولُ: هُوَ هِبَةٌ مِنِّي إلَيْك وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ لَا فِي أَصْلِهِ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا فِي لِي عَلَيْك أَلْفٌ ثَمَنًا فَقَالَ بَلْ قَرْضًا وَرَأَيْت الْقَاضِيَ وَجَّهَهُ بِعَيْنِ مَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْخُصُومُ: صَاحِبُكُمْ - أَيْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَوَّزَ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ فِي مَسَائِلَ وَعَدَّدُوا مَا سَبَقَ قُلْنَا لَيْسَ مَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ صُلْحًا عَلَى إنْكَارٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدَّعِي جَمِيعَ الْحَقِّ لِنَفْسِهِ وَيُنْكِرُ صَاحِبَهُ وَالْيَدُ لَهُمَا ثَابِتَةٌ فَإِذَا صَالَحَ فَفِي زَعْمِ كُلِّ وَاحِدٍ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ)
فِي مُؤْنَةِ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الْمُرْتَدَّةِ لَوْ (أَسْلَمَا مَعًا) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ (اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ) لِبَقَاءِ النِّكَاح (وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ) وَلَيْسَتْ كِتَابِيَّةً كَمَا فِي أَصْلِهِ وَحَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ كَلَامِهِ قَبْلُ (فَلَا) نَفَقَةَ لَهَا لِإِسَاءَتِهَا بِتَخَلُّفِهَا عَنْ الْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ مَنْعٌ بِوَجْهٍ (وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ) نَفَقَةً (لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ فِي الْجَدِيدِ) لِإِسَاءَتِهَا بِالتَّخَلُّفِ أَيْضًا وَإِنْ بَانَ بِإِسْلَامِهَا أَنَّهَا زَوْجَةٌ وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ تَخَلُّفَهَا لَوْ كَانَ لِصِغَرٍ أَوْ
ــ
[حاشية الشرواني]
لِلْمُسْلِمَاتِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي فَلَا يُوقَفُ لِلزَّوْجَاتِ شَيْءٌ بَلْ تُقْسَمُ كُلُّ التَّرِكَةِ بَيْنَ بَاقِي الْوَرَثَةِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوْجَاتِ الْإِرْثَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُنَّ الْكِتَابِيَّاتُ وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ وَقَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْكِتَابِيَّاتِ هُنَّ الزَّوْجَاتُ) أَيْ وَشَرْطُ الْإِرْثِ تَحَقُّقُ مُوجِبِهِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: اعْتِمَادُهُ) أَيْ التَّوَقُّفِ (قَوْلُهُ: ضَيَاعُهَا) أَيْ حَقِّ الْمُقِرَّةِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرُوا هُنَا مِنْ صِحَّةِ صُلْحِ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلُهُ) أَيْ كَلَامِ الصَّيْمَرِيِّ (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُحْمَلُ كَلَامُهُنَّ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَا مِنْ نَسْخِ الْقَلَمِ وَلَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّاسِخِ وَالْأَصْلُ نَحْمِلُ كُلًّا مِنْهُنَّ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الطَّبْعِ أَوْ يُحْمَلُ كُلٌّ مِنْهُنَّ كَمَا يُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِ الْمُغْنِي فَكَيْفَ يُكَلَّفُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بُطْلَانَهُ) أَيْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْمُقَرِّ بِهِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هُنَا إلَخْ) وِفَاقًا لِلْمُغْنِي كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِمَا ذَكَرْته) أَيْ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِقْرَارِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا أَوْ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ بِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: وَنَقْلُ الرَّافِعِيِّ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: اعْتَرَضَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ التَّطْلِيقِ (قَوْلُهُ: الْمَوْقُوفُ) أَيْ النَّصِيبُ الْمَوْقُوفُ لِزَوْجَةٍ (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الزَّرْكَشِيُّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ مِنْ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ (قَوْلُهُ: وَلَك أَنْ تَقُولَ إلَخْ) أَيْ فِي تَوْجِيهِ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ إلَخْ) أَيْ مَا يَقْرَبُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا إلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ تَوْجِيهِهِمْ (قَوْلُهُ: قَالَ الْخُصُومُ) كَالْحَنَفِيِّ (قَوْلُهُ: وَيُنْكِرُ) أَيْ كُلٌّ فَقَوْلُهُ: صَاحِبَهُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا صَالَحَ) أَيْ كُلٌّ صَاحِبَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ أَيْ وَقَعَ الصُّلْحُ
[فَصْلٌ فِي مُؤْنَةِ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الْمُرْتَدَّةِ لَوْ أَسْلَمَا مَعًا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ]
(فَصْلٌ) :
فِي مُؤْنَةِ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الْمُرْتَدَّةِ (قَوْلُهُ: فِي مُؤْنَةِ الْمُسْلِمَةِ) إلَى الْبَابِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ: فِي مُؤْنَةِ الْمُسْلِمَةِ إلَخْ) أَيْ فِي حُكْمِ مُؤَنِ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ أَوْ ارْتَدَّتْ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُرْتَدَّةِ) كَذَا فِي أَصْلِهِ وَالْوَاوُ أَنْسَبُ اهـ سَيِّدْ عُمَرْ (قَوْلُ الْمَتْنِ اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ) أَيْ وَبَقِيَّةُ الْمُؤَنِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: فِي أَصْلِهِ) أَيْ فِي الْمُحَرَّرِ (قَوْلُهُ: وَحَذَفَهُ) أَيْ قَيْدَ " وَلَيْسَتْ كِتَابِيَّةً " (قَوْلُهُ: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) أَيْ وَلَا شَيْءَ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ أَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلَهَا النَّفَقَةُ قَطْعًا إذَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا وَإِلَّا فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ اهـ مُغْنِي (قَوْلُ الْمَتْنِ: فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ) هُوَ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِصِيغَةِ الْمَاضِي -
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
وَتَأْنِيثُ الْعَشْرِ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي لِأَنَّهَا غُرَرُ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَعْمِلُونَ التَّذْكِيرَ فِي مِثْلِهِ قَطُّ ذَهَابًا إلَى الْأَيَّامِ حَتَّى إنَّهُمْ يَقُولُونَ صُمْت عَشْرًا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا} [طه: ١٠٣] ثُمَّ إنْ لَبِثْتُمْ إلَّا يَوْمًا انْتَهَى وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ وَتَأْنِيثُ الْعَشْرِ وَقَوْلِ الشَّارِحِ وَذَكَرَ الْعَشْرَ.