بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ طَوْعًا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ إطْلَاقِ السُّقُوطِ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَعَدَمِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قِيدَ مِنْهُ وَلَمْ يَتُبْ عُوقِبَ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ، وَتَصِحُّ تَوْبَتُهُ مِنْ ذَنْبٍ وَإِنْ كَانَ مُرْتَكِبًا لِذُنُوبٍ أُخْرَى وَمِمَّا تَابَ مِنْهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَرَثَتُهُ يَكُونُ هُوَ الْمُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ (فَائِدَةٌ) .
قِيلَ يُسْتَثْنَى أَرْبَعَةُ كُفَّارٍ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ إبْلِيسُ، وَهَارُوتُ، وَمَارُوتُ، وَعَاقِرُ نَاقَةِ صَالِحٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ لَا يَتُوبُونَ. اهـ.
وَأَقُولُ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي إبْلِيسَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي هَارُوتَ وَمَارُوتَ بَلْ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ قِصَّتُهُمْ الْمُسْنَدَةُ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُعَذَّبُونَ فِي الدُّنْيَا فَقَطْ، وَأَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ يَكُونُونَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَ رَدِّهِمْ إلَى صِفَاتِهِمْ.
(فَصْلٌ)
فِي بَيَانِ قَدْرِ النِّصَابِ فِي الشُّهُودِ الْمُخْتَلِفِ بِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَمُسْتَنَدِ الشَّهَادَةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ (لَا يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ) وَاحِدٍ (إلَّا) مُنْقَطِعٌ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الصَّوْمِ (فِي هِلَالِ رَمَضَانَ) وَتَوَابِعِهِ دُونَ شَهْرٍ نَذَرَ صَوْمَهُ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا قَدَّمَهُ وَأَعَادَهُ هُنَا لِلْحَصْرِ
ــ
[حاشية الشرواني]
وَوَافَقَهُمْ ابْنُ حَزْمٍ وَمِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْبَغَوِيّ وَطَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ انْتَهَى وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا حَتَّى يَحْتَاجَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ إلَى التَّوْبَةِ كَمَا فِيمَنْ حَجَّ مَثَلًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كُفِّرَتْ ذُنُوبُهُ بِالْحَجِّ إلَّا بِالتَّوْبَةِ سم. (قَوْلُهُ: بِحَمْلِ الثَّانِي) أَيْ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ الْمَحْدُودُ وَقَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَدِّ مِنْ التَّوْبَةِ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْجَمْعُ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَأْتِي هَذَا الْجَمْعُ فِي نَحْوِ الزِّنَا؟ سم أَقُولُ مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ صَرِيحٌ فِي الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا قَيَّدَ مِنْهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِأَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ طَوْعًا لِلَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: عُوقِبَ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ) يَنْبَغِي وَعَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ سَيِّدُ عُمَرَ وَفِيهِ تَوَقُّفٌ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ) إلَى الْفَائِدَةِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ تَوْبَتُهُ مِنْ ذَنْبٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ صَغِيرَةً عَلَى الْفَوْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَتَصِحُّ مِنْ ذَنْبٍ دُونَ ذَنْبٍ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْعَوْدُ إلَى الذَّنْبِ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ بَلْ هُوَ مُطَالَبٌ بِالذَّنْبِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ التَّوْبَةِ كُلَّمَا ذَكَرَ الذَّنْبَ، وَسُقُوطُ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ وَسُقُوطُهُ بِالْإِسْلَامِ مَعَ النَّدَمِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَتَائِبٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ إسْلَامُ الْكَافِرِ تَوْبَةً مِنْ كُفْرِهِ وَإِنَّمَا تَوْبَتُهُ نَدَمُهُ عَلَى كُفْرِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إيمَانُهُ بِلَا نَدَمٍ فَيَجِبُ مُقَارَنَةُ الْإِيمَانِ لِلنَّدَمِ عَلَى الْكُفْرِ. اهـ.
زَادَ الْمُغْنِي وَإِنَّمَا كَانَ تَوْبَةُ الْكَافِرِ مَقْطُوعًا بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُجَامِعُ الْكُفْرَ، وَالْمَعْصِيَةُ قَدْ تُجَامِعُ التَّوْبَةَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ دُيُونٌ أَوْ مَظَالِمُ وَلَمْ تَصِلْ إلَى الْوَرَثَةِ طَالَبَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ لَا آخَرُ وَارِثٌ كَمَا قِيلَ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْوَارِثِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْوَارِثُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي خَرَجَ عَنْ مَظْلَمَةٌ غَيْرِ الْمَطْلِ بِخِلَافِ مَظْلِمَةِ الْمَطْلِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ إنَّمَا يُعَذَّبُونَ إلَخْ) بَلْ الَّذِي نَصُّوا عَلَيْهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ عِصْيَانِهِمَا وَتَعْذِيبِهِمَا فِي الدُّنْيَا صُورِيٌّ فَلَا مَعْصِيَةَ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا تَوْبَةَ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ قَدْرِ النِّصَابِ فِي الشُّهُودِ]
(فَصْلٌ فِي بَيَانِ قَدْرِ النِّصَابِ فِي الشُّهُودِ) (قَوْلُهُ: الْمُخْتَلِفِ إلَخْ) صِفَةُ قَدْرِ إلَخْ أَوْ النِّصَابِ. (قَوْلُهُ: وَمُسْتَنَدِ الشَّهَادَةِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَدْرِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ) أَيْ كَقَوْلِهِ وَيُذْكَرُ فِي حَلِفِهِ إلَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ وَكَقَوْلِهِ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ إلَى وَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الصَّوْمِ) كَأَنْ يُرِيدَ قَوْلَهُ ثَمَّ وَلَا بُدَّ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَوْ حَكَمْتُ بِشَهَادَتِهِ لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَقِيقَةَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مُعَيَّنٍ مَقْصُودٍ انْتَهَى. لَكِنْ نَقَلْنَا بِهَامِشِ ذَلِكَ أَنَّهُ حَرَّرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ خِلَافَ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ سم عِبَارَةُ النِّهَايَةِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الصَّوْمِ كَذَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ فِيهِ بَلْ الثُّبُوتُ فَقَطْ إذْ الْحُكْمُ يَسْتَدْعِي مَحْكُومًا عَلَيْهِ مُعَيَّنًا وَيُرَدُّ بِمَا قَدَّمْته أَوَّلَ الصَّوْمِ عَنْ الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ حَكَمَ بِعَدْلٍ وَجَبَ الصَّوْمُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إجْمَاعًا وَقَدْ أَشَارَ إلَى حَقِيقَةِ الْحُكْمِ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا بِقَوْلِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ اهـ. وَعَلَيْهَا فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا ع ش أَقُولُ وَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُغْنِي بِقَوْلِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَوَابِعِهِ) كَتَعْجِيلِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَدُخُولِ شَوَّالٍ وَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ ع ش. (قَوْلُهُ: دُونَ شَهْرٍ نَذَرَ صَوْمَهُ) وِفَاقًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَخِلَافًا لِلرَّوْضِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَلِلنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي عِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ شَهْرٌ نَذَرَ صَوْمَهُ فِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ وَمِثْلُ رَمَضَانَ الْحَجُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُقُوفِ وَشَوَّالٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالشَّهْرُ الْمَنْذُورُ صَوْمُهُ إذْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ وَاحِدٌ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
قُبَيْلَ بَابٍ مِنْ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنْ الْفِتَنِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ» مَا نَصُّهُ وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ كَفَّارَةٌ لِلذَّنْبِ وَلَوْ لَمْ يَتُبْ الْمَحْدُودُ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ حَزْمٍ وَمِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْبَغَوِيّ وَطَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ. اهـ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا حَتَّى يُحْتَاجَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ إلَى التَّوْبَةِ كَمَا فِيمَنْ حَجَّ مَثَلًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كُفِّرَتْ ذُنُوبُهُ بِالْحَجِّ إلَّا بِالتَّوْبَةِ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْجَمْعُ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَتَأَتَّى هَذَا الْجَمْعُ فِي نَحْو الزِّنَا.
(فَصْلٌ: لَا يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ إلَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ إلَخْ) .
(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الصَّوْمِ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ قَوْلَهُ ثَمَّ وَلَا بُدَّ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَوْ حَكَمْتُ بِشَهَادَتِهِ لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَقِيقَةَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مُعَيَّنٍ مَقْصُودٍ اهـ. لَكِنْ نَقَلْنَا بِهَامِشِ ذَلِكَ أَنَّهُ حَرَّرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ خِلَافَ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: دُونَ شَهْرٍ نَذَرَ صَوْمَهُ) اعْتَمَدَ