قَالَ ذَلِكَ (وَقَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ) فَلَا قَوَدَ فِي الْيَسَارِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاشْتِبَاهَ قَرِيبٌ وَتَجِبُ دِيَتُهَا وَيَبْقَى قَوَدُ الْيَمِينِ وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْقَاطِعِ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَوْ دُهِشْت فَلَمْ أَدْرِ مَا قَطَعْت أَوْ ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا بِالْإِخْرَاجِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الْقَوَدُ فِي الْيَسَارِ أَمَّا الْأُولَى فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ الدَّهْشَةَ لَا تَلِيقُ بِحَالِ الْقَاطِعِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَكَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَقَالَ ظَنَنْته أَذِنَ لِي فِي قَتْلِهِ
وَإِنَّمَا أَفَادَ ظَنَّ الْإِبَاحَةِ مَعَ جَعْلِهَا عِوَضًا لِتَضَمُّنِ جَعْلِهِ الْإِذْنَ فِي قَطْعِهَا كَمَا مَرَّ وَهُنَا إخْرَاجُهَا لَمَّا اقْتَرَنَ بِنَحْوِ دَهَشٍ لَمْ يَتَضَمَّنْ إذْنًا أَصْلًا فَانْدَفَعَ اسْتِشْكَالُهُ بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُطَابِقَ لِلسُّؤَالِ كَالْإِذْنِ لَفْظًا وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَسْقُطُ قَوَدُ الْيَمِينِ إلَّا إنْ ظَنَّ الْقَاطِعُ الْإِجْزَاءَ، أَوْ جَعَلَهَا عِوَضًا وَحَيْثُ سَقَطَ قَوَدُ الْيَسَارِ بِغَيْرِ الْإِبَاحَةِ، أَوْ الْقَائِمِ مَقَامَهَا وَجَبَتْ دِيَتُهَا وَهِيَ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِتَعَمُّدِهِ. وَأَخْذُ الدِّيَةِ مِمَّنْ قَالَ لَهُ خُذْهَا عَنْ الْيَمِينِ عَفْوٌ عَنْ قَوَدِهَا وَيُصَدَّقُ كُلٌّ فِي عِلْمِهِ وَظَنِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ وَفَارَقَ مَا هُنَا إجْزَاءَ قَطْعِ الْيَسَارِ عَنْ الْيَمِينِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ إذَا أَخْرَجَهَا وَقَدْ دَهِشَ، أَوْ ظَنَّ إجْزَاءَهَا عَنْ الْيَمِينِ لَا إذَا قَصَدَ إبَاحَتَهَا بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْحَدِّ التَّنْكِيلُ وَتَعْطِيلُ الْآلَةِ الْبَاطِشَةِ وَقَدْ حَصَلَ، وَالْقِصَاصُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ.
(فَصْلٌ) فِي مُوجِبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَبِغَيْرِ مَالٍ أَفْضَلُ وَذَلِكَ لِلْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ مِنْهَا خَبَرُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ «مَا رُفِعَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِصَاصٌ قَطُّ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» بَلْ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ «رُفِعَ إلَيْهِ قَاتِلٌ أَقَرَّ فَقَالَ لِأَخِي الْقَتِيلِ اُعْفُ عَنْهُ فَأَبَى فَقَالَ اذْهَبْ بِهِ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ» أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِبَاءَ فِيهِ إشْعَارٌ بِالْإِخْلَالِ بِمَزِيدِ احْتِرَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ بِنِفَاقِ ذَلِكَ الْأَخِ فَإِنْ قُلْت فَكَيْفَ أَقَرَّهُ عَلَى مُحَرَّمٍ؟ قُلْت: الْمُحَرَّمُ الْإِبَاءُ، وَلَمْ يُقِرَّهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْقَوَدُ إذَا صَمَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَالْحَيْثِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ (مُوجَبُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (الْعَمْدِ) الْمَضْمُونِ فِي نَفْسٍ، أَوْ غَيْرِهَا (الْقَوَدُ) بِعَيْنِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ الْقِصَاصُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ أَوْ نَحْوِهِ (وَالدِّيَةُ) فِي النَّفْسِ وَأَرْشُ غَيْرِهَا (بَدَلٌ) عَنْهُ عِنْدَهُمَا كَالدَّارِمِيِّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي قَوَدِ النَّفْسِ
ــ
[حاشية الشرواني]
وَقَطَعَهَا أُهْدِرَتْ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِتَسْلِيطِهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا لَهُ وَقَطَعَ يَمِينَهُ لَمْ يَصِحَّ اسْتِيفَاؤُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَوَجَبَ لِكُلٍّ دِيَةٌ وَسَقَطَتَا مُغْنِي وَرَوْضٌ مَعَ الْأَسْنَى (قَوْلُهُ قَالَ ذَلِكَ) أَيْ أَخْرِجْ يَسَارَك (قَوْلُ الْمَتْنِ وَقَالَ الْقَاطِعُ) أَيْ الْمُسْتَحِقُّ أَيْضًا مُغْنِي (قَوْلُهُ وَتَجِبُ دِيَتُهَا) إلَى قَوْلِهِ أَمَّا الْأُولَى فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ (قَوْلُهُ مَا لَوْ قَالَ) أَيْ الْقَاطِعُ الْمُسْتَحِقُّ (قَوْلُهُ أَمَّا الْأُولَى) أَيْ عَلِمَتْ أَنَّهَا الْيَسَارُ إلَخْ (قَوْلُهُ فَوَاضِحٌ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُخْرِجِ تَسْلِيطٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) أَيْ دُهِشْت إلَخْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ) أَيْ ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ فَكَمَنْ قَتَلَ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ أَيْ الْقَاطِعُ كَمَنْ قَتَلَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَفَادَ ظَنَّ الْإِبَاحَةِ) أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ، وَإِنْ قَالَ جَعَلْتهَا عَنْ الْيَمِينِ إلَخْ سم أَيْ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ أَظَنَّ أَنَّهُ أَبَاحَهَا (قَوْلُهُ مَعَ جَعْلِهَا إلَخْ) أَيْ جَعْلِ الْمُخْرِجِ الْيَسَارَ عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَيُفَارِقُ عَدَمَ لُزُومِهِ فِيمَا لَوْ ظَنَّ إبَاحَتَهَا مَعَ قَصْدِ الْمُخْرِجِ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ بِأَنْ جَعَلَهَا عَنْ الْيَمِينِ تَسْلِيطٌ بِخِلَافِ إخْرَاجِهَا دَهْشَةً، أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَخْرِجْ يَسَارَك. اهـ.
(قَوْلُهُ الْإِذْنَ) مَفْعُولٌ لِتَضَمُّنٍ الْمُضَافُ إلَى فَاعِلِهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي شَرْحِ فَمُهْدَرَةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَتَضَمَّنْهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَسْمَعْ إلَّا أَخْرِجْ يَسَارَك أَوْ ظَنَنْتُهُ قَالَ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ سم وَقَوْلُهُ قَدْ يُقَالُ إلَخْ سَالِمٌ عَمَّا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ اسْتِشْكَالُهُ) أَيْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْفِعْلَ) يَعْنِي فِعْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْمُطَابِقَ لِلسُّؤَالِ يَعْنِي سُؤَالَ الْجَانِي (قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ) أَيْ صُوَرِ أَقْوَالِ الْمُخْرِجِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ (قَوْلُهُ أَوْ جَعَلَهَا) عَطْفٌ عَلَى ظَنَّ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ لِلْقَاطِعِ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ الْإِبَاحَةِ) أَيْ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا وَقَوْلُهُ أَوْ الْقَائِمِ مَقَامَهَا أَيْ السَّابِقِ هُنَاكَ بِقَوْلِ الشَّارِحِ وَكَنِيَّةِ إبَاحَتِهَا إلَخْ (قَوْلُهُ فِي مَالِهِ) أَيْ الْقَاطِعِ، وَهُوَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا ع ش (قَوْلُهُ وَأَخْذُ الدِّيَةِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ عَفْوٌ عَنْ قَوَدِهَا وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَأَخْذُ الدِّيَةِ مِمَّنْ قَالَ إلَخْ) أَيْ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْجَانِي خُذْ الدِّيَةَ عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ فَأَخَذَهَا، وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجُعِلَ الْأَخْذُ عَفْوًا عَنْهُ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ مِمَّنْ قَالَ لَهُ) أَيْ مِنْ قَاطِعِ يَمِينٍ مَثَلًا قَالَ لِمُسْتَحِقِّ قَوَدِهَا (قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ كُلٌّ فِي ظَنِّهِ وَعِلْمِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ أَيْ وَالْمُغْنِي وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُخْرِجِ فِيمَا نَوَى سم.
[فَصْلٌ مُوجِبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ]
(فَصْلٌ) فِي مُوجِبِ الْعَمْدِ (قَوْلُهُ وَفِي الْعَفْوِ) أَيْ وَفِيمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَكَوْنِ الْقَطْعِ هَدَرًا فِيمَا لَوْ قَالَ رَشِيدٌ اقْطَعْنِي ع ش (قَوْلُهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ مُطْلَقًا بِمَالٍ وَبِدُونِهِ (قَوْلُهُ أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ) أَيْ مَعَ عَدَمِ رُجُوعِهِ عَنْ الْقَتْلِ الْمُتَضَمِّنِ ذَلِكَ الرُّجُوعُ التَّوْبَةَ عَنْ الْمُخَالَفَةِ وَالنَّدَمَ عَلَيْهَا سم (قَوْلُهُ، وَلَمْ يُقِرَّهُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ أَيْ عَلَى هَذَا الْإِبَاءِ إنْكَارٌ عَلَيْهِ سم (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ) إلَى قَوْلِهِ وَيُجَابُ فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِهِ فَتَأَمَّلْهُ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ الْمَضْمُونِ) أَخْرَجَ نَحْوَ الصَّائِلِ وَالْمُرَادُ بِالْمَضْمُونِ الْمُسْتَوْفِي لِلشُّرُوطِ ع ش (قَوْلُهُ يَقُودُونَ الْجَانِي
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
وَبِمَا بَعْدَهُ بَيَانُ حَالِ الْقَاطِعِ غَالِبًا عِنْدَ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَفَادَ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ إلَخْ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَلَوْ قَالَ جَعَلْتهَا عَنْ الْيَمِينِ إلَخْ (قَوْلُهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِي لَمْ أَسْمَعْ إلَّا يَسَارَكَ أَوْ ظَنَنْته قَالَ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ جَعَلَهَا) أَيْ الْيَسَارَ (قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ كُلٌّ فِي عِلْمِهِ وَظَنِّهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُخْرِجِ فِيمَا نَوَى
(فَصْلٌ) فِي مُوجِبِ الْعَمْدِ إلَخْ (قَوْلُهُ أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ مُتَحَقِّقَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ بِهِ لِقَصْدِ قَتْلِهِ وَقَعَ فِي الْمُخَالَفَةِ فَلِمَ قَيَّدَ كَوْنَهُ فِي النَّارِ بِوُقُوعِ الْقَتْلِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا رَجَعَ عَنْ قَتْلِهِ لِتَضَمُّنِهِ التَّوْبَةَ عَنْ الْمُخَالَفَةِ وَالنَّدَمَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَلَمْ يُقِرَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ أَيْ عَلَى