وَاسْتُبْعِدَ وَيُؤَيِّدُ اسْتِبْعَادَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ السُّؤَالُ لِوَفَاءِ دَيْنِ آدَمِيٍّ عَصَى بِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ فَالْحَجُّ أَوْلَى وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَسْبِ بِأَنَّ أَكْثَرَ النُّفُوسِ تَسْمَحُ بِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ السُّؤَالِ مُطْلَقًا
. (النَّوْعُ الثَّانِي اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِهِ فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ) وَاجِبٌ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ عُمْرَةٌ وَاجِبَةٌ كَذَلِكَ (وَجَبَ) عَلَى الْوَصِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْوَارِثُ الْكَامِلُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَاكِمُ إنْ لَمْ يُرِدْ فِعْلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ (الْإِحْجَاجُ) أَوْ الِاعْتِمَارُ (عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) فَوْرًا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ اقْضُوا اللَّهَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» شَبَّهَ الْحَجَّ بِالدَّيْنِ وَأَمَرَ بِقَضَائِهِ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ وَخَرَجَ بِتَرْكِهِ مَا إذَا لَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا الْحَجُّ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُ، لَكِنَّهُ يُسَنُّ لِلْوَارِثِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَارِثُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَوَقُّفِ الصَّوْمِ عَنْهُ عَلَى إذْنِ الْقَرِيبِ بِأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالدُّيُونِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَلِكُلٍّ الْحَجُّ وَالْإِحْجَاجُ عَمَّنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فِي حَيَاتِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ نَظَرًا إلَى وُقُوعِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا يُنَافِيهِ الْمَتْنُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَفِي ذِمَّتِهِ قَيْدٌ لِلْوُجُوبِ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ وَبِقَوْلِهِ فِي ذِمَّتِهِ النَّفَلُ فَلَا يَجُوزُ حَجُّهُ عَنْهُ إلَّا إنْ أَوْصَى بِهِ.
أَمَّا لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بَعْدَ الْوُجُوبِ بِأَنْ أَخَّرَ
ــ
[حاشية الشرواني]
أَقَرَّهُ الْمُغْنِي كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتَبْعَدَ إلَخْ) وَافَقَهُ لِنِهَايَةِ عِبَارَتِهِ فَالْأَوْفَقُ لِكَلَامِهِمْ فِي الدَّيْنِ عَدَمُ وُجُوبِ سُؤَالِ الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا وَعَدَمُ وُجُوبِ الْكَسْبِ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ مَا لَمْ يَتَضَيَّقْ اهـ أَيْ: بِأَنْ خَافَ الْعَضْبَ أَوْ الْمَوْتَ ع ش
قَوْلُ الْمَتْنِ (تَحْصِيلِهِ) أَيْ الْحَجِّ (وَقَوْلُهُ فَمَنْ مَاتَ) أَيْ غَيْرَ مُرْتَدٍّ وَ (قَوْلُهُ: وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ وَاجِبٌ) أَيْ: وَلَوْ كَانَ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ وَفِي سم عَنْ الْكَنْزِ مِثْلُهُ.
(قَوْلُهُ: وَاجِبٌ) إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَعْضُوبُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَرِدْ إلَى الْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ: وَاجِبٌ بِأَنْ تَمَكَّنَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ وَاجِبٌ مُسْتَقِرٌّ بِأَنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ مِنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ الْفَجْرِ وَمَضَى إمْكَانُ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ دَخَلَ الْحَاجُّ بَعْدَ الْوُقُوفِ ثُمَّ مَاتَ أَثِمَ وَلَوْ شَابًّا، وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ الْقَافِلَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ التَّمَكُّنَ خَارِجٌ عَنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ يُقَالُ هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ سم وَقَدْ يُجَابُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا عَنْ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ هُنَا الِاسْتِطَاعَةُ فَقَطْ قَوْلُ الْمَتْنِ (وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ إلَخْ) هَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِوُجُودِ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا بِأَزْيَدَ نَظِيرُ مَا يَأْتِي فِي الْمَعْضُوبِ ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْكُرْدِيِّ مَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ الْمَذْكُورَ عِبَارَتُهُ وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ أَيْ: وُجُوبُ الِاسْتِنَابَةِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ إنْ خَلَّفَ تَرِكَةً فَاضِلَةً عَمَّا تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ وَعَنْ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ بِمَا يَرْضَى بِهِ الْأَجِيرُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَى أَحَدٍ الْحَجُّ عَنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُرِدْ إلَخْ) أَيْ: مَنْ ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لِنَحْوِ الْوَصِيِّ إقَامَةَ نَفْسِهِ فِيمَا أَوْصَى بِهِ إلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ زِيَادٍ بَاعَشَنٍ قَوْلُ الْمَتْنِ (الْإِحْجَاجُ عَنْهُ إلَخْ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ نِهَايَةٌ وَوَنَّائِيٌّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ مُسَاوَاتُهُ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَيَكْفِي حَجُّ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ كَعَكْسِهِ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ الْآتِي ع ش وَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي مَا يُفِيدُهُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا الْحَجُّ إلَخْ) لَا عَلَى الْوَارِثِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ إلَخْ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْحَجِّ وَالْإِحْجَاجِ عَمَّنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ يُسَنُّ لِلْوَارِثِ إلَخْ) أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَيَبْرَأُ بِهِ الْمَيِّتُ نِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: أَشْبَهُ بِالدُّيُونِ) لِمَا فِيهِ مِنْ شَائِبَةِ الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ احْتِيَاجِهِ غَالِبًا إلَى الْمَالِ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: عَمَّنْ إلَخْ) أَيْ: عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَسْتَطِعْ سم.
(قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِتَرِكَتِهِ سم.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ حَجُّهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي التَّطَوُّعِ إلَّا عَنْ مَيِّتٍ أَوْصَى بِهِ وَعَنْ مَعْضُوبٍ أَنَابَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ فَتَحَصَّلَ جَوَازُ إنَابَةِ الْمَعْضُوبِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ بَلْ يَجِبُ فِي الْفَرْضِ وَجَوَازُ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا وَفِي النَّفْلِ إنْ أَوْصَى بِهِ وَيَمْتَنِعُ إنَابَةُ الْقَادِرِ مُطْلَقًا سم.
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ أَوْصَى بِهِ) وَقِيلَ يَصِحُّ مِنْ الْوَارِثِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ بَاعَشَنٍ وَقَوْلُهُ مِنْ الْوَارِثِ هَلْ الْمُرَادُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ مُطْلَقُ الْقَرِيبِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الصَّوْمِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بَعْدَ الْوُجُوبِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الْوُجُوبُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
مُجْمَلَ الِافْتِقَارِ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ كَالْعَضْبِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالتَّمَكُّنِ الْآتِي
. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ) أَيْ وَلَوْ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ كَانَ اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ إجَارَةَ ذِمَّةٍ كَنْزٌ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ التَّمَكُّنَ خَارِجٌ عَنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ يُقَالُ هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: عَمَّنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَسْتَطِعْ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ فِي ذِمَّتِهِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِتَرِكَتِهِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ أَوْصَى بِهِ) قَالَ فِي التَّنْبِيهِ وَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَتَجُوزُ فِي الْآخَرِ اهـ.
وَالثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ وَقَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ أَيْ حَيْثُ تَجُوزُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ اهـ. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى امْتِنَاعِ إنَابَةِ الْقَادِرِ فِي النَّفْلِ كَالْفَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلَانِ يَجْرِيَانِ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ وَفِي حَجِّ الْوَارِثِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ عَمَّنْ مَاتَ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي الْعُبَابِ وَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ أَيْضًا عَنْ مَرْجُوِّ الْبُرْءِ، وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ أَيْ بِمَرْجُوِّ الْبُرْءِ الْيَأْسُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْبُرْءِ أَوْ الْمَوْتُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَفِي شَرْحِهِ وَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ أَيْضًا فِي التَّطَوُّعِ عَنْ حَيٍّ غَيْرِ مَعْضُوبٍ وَلَا عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يُوصِ بِهِ إلَّا عَنْ مَيِّتٍ أَوْصَى بِهِ وَإِلَّا عَنْ مَعْضُوبٍ أَنَابَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ اهـ. بِاخْتِصَارٍ فَتَحَصَّلَ جَوَازُ إنَابَةِ الْمَعْضُوبِ فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا وَفِي النَّفْلِ إنْ أَوْصَى بِهِ وَيَمْتَنِعُ إنَابَةُ الْقَادِرِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بَعْدَ الْوُجُوبِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الْوُجُوبُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ هَذَا التَّمَكُّنِ فَتَأَمَّلْهُ