وَرِوَايَةُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ إحْرَامًا مُبْهَمًا ثُمَّ انْتَظَرَ الْوَحْيَ» فِي تَعْيِينِ أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ مَرْدُودَةٌ بِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ «أَنَّهُ أَحْرَمَ مُعَيِّنًا» وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَائِشَةُ فَقَوْلُهَا «خَرَجَ لَا يُسَمَّى حَجًّا وَلَا عُمْرَةً» مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِمَا فِي تَلْبِيَتِهِ أَيْ فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ
(فَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا حَالٌ أَوْ مَصْدَرٌ (فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ) لَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ (إلَى مَا شَاءَ مِنْ النُّسُكَيْنِ) ، وَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَجِّ أَوْ فَاتَ عَلَى الْأَوْجَهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِجَمْعٍ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ بِالصَّرْفِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ كَالْمُحْرِمِ بِمَا صَرَفَهُ إلَيْهِ فَإِذَا صَرَفَهُ لِلْحَجِّ فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مِمَّا يَأْتِي وَيُسَنُّ لَهُ صَرْفُهُ لِلْعُمْرَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (أَوْ إلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْأَعْمَالِ) وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ قَبْلَ الصَّرْفِ بِالنِّيَّةِ نَعَمْ إنْ طَافَ ثُمَّ صَرَفَهُ لِلْحَجِّ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ وَلَا يُجْزِئُهُ السَّعْيُ بَعْدَهُ قَبْلَ الصَّرْفِ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلرُّكْنِ مَا لَا يُحْتَاطُ لِلسُّنَّةِ (وَإِنْ أَطْلَقَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ عَمْرَةً) ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا (فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ وَلَهُ) أَيْ مُرِيدِ النُّسُكِ (أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) ؛ لِأَنَّ «أَبَا مُوسَى أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَخْبَرَهُ قَالَ قَدْ أَحْسَنْت وَكَذَا فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا)
ــ
[حاشية الشرواني]
فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ التَّعْيِينُ، وَلَا قَصْدُ الْفِعْلِ وَلَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ نَعَمْ يَجِبُ التَّعْيِينُ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلِذَا قَالَ حَجّ فِي حَاشِيَةِ الْفَتْحِ الْوَاجِبُ عِنْدَ نِيَّةِ الْحَجِّ تَصَوُّرُ كَيْفِيَّتِهِ بِوَجْهٍ وَكَذَا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي كُلٍّ مِنْ أَرْكَانِهِ انْتَهَى وَلَوْ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِزَمَنٍ كَأَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ يَوْمَيْنِ انْعَقَدَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ فَلَوْ انْقَضَى مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ بَقِيَ مُحْرِمًا بِهَا حَتَّى يَتَحَلَّلَ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ خِلَافًا لِلْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ اهـ وَنَّائِيٌّ وَتَقَدَّمَ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي مَا يُوَافِقُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ (قَوْلُهُ: وَرِوَايَةُ إلَخْ) أَقَرَّ النِّهَايَةُ هُنَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَعَقَّبَهُ ع ش بِأَنَّهُ سَيَأْتِي لَهُ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الصَّوَابَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ» وَخُصَّ بِجَوَازِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ إلَخْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ أَحْرَمَ مُعَيِّنًا (قَوْلُهُ: فَقَوْلُهَا) أَيْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -
(قَوْلُهُ: حَالٌ أَوْ مَصْدَرٌ) نَشْرٌ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ (قَوْلُهُ: لَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ) إلَى قَوْلِهِ أَوْ فَاتَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ: لَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ) وَيُسَنُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ وَنَّائِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ) أَيْ بِأَنْ كَانُوا لَا يَصِلُونَ لَعَرَفَةُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فَيَكُونُ عِنْدَ صَرْفِهِ إلَى الْحَجِّ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي أَيْ، وَهُوَ يَنْعَقِدُ وَيَفُوتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَيَقْضِيهِ مِنْ قَابِلٍ ع ش (قَوْلُهُ: أَوْ فَاتَ إلَخْ) خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالْوَنَّائِيِّ عِبَارَتُهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الْوَقْتُ لَهُمَا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ صَرَفَهُ أَيْ بِالنِّيَّةِ لِلْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي صُورَةِ الْفَوَاتِ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ أَيْ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ صَرْفٍ سم وَتَقَدَّمَ آنِفًا عَنْ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي اعْتِمَادُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُهُ) إلَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ مِنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ قَبْلَ الصَّرْفِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ) شَامِلٌ لِلْوُقُوفِ سم (قَوْلُهُ: وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُهُ السَّعْيُ بَعْدَهُ) أَيْ خِلَافًا لَشَرْح الْعُبَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إعَادَتُهُ لِيَسْعَى بَعْدَهُ لِسُقُوطِ طَلَبِهِ بِفِعْلِهِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ تَأْخِيرُ السَّعْيِ وَنَّائِيٌّ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الصَّرْفِ) قَالَ سم فِي شَرْحِ أَبِي شُجَاعٍ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ سَعَى بَعْدَ الصَّرْفِ اعْتَدَّ بِهِ وَتَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةُ الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ أَيْ فَلَا يُجْزِئُ وَعَلَيْهِ جَرَى الشَّارِحُ حَجّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ كُرْدِيٌّ عَلَى بَافَضْلٍ أَقُولُ ظَاهِرُ صَنِيعِ الشَّارِحِ هُنَا أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ الصَّرْفِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّعْيِ فَيُفِيدُ الْإِجْزَاءَ وَأَمَّا جَعْلُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ فَخِلَافُ الظَّاهِرِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوْجَهِ) أَيْ مِنْ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِسْنَوِيِّ سم (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلرُّكْنِ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ بَعْدَ طَوَافٍ عُلِمَ أَيْ حِينَ الشُّرُوعِ أَنَّهُ مِنْ أَعْمَال الْحَجِّ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً ع ش (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُ إلَخْ) ، فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ كَانَ كَإِحْرَامِهِ قَبْلَهَا فَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ، وَإِنْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو صَارَ مِثْلَهُمَا إنْ اتَّفَقَا وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا قَالَ فِي شَرْحِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ إحْرَامُهُمَا فَاسِدًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوْ إحْرَامُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَالْقِيَاسُ أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي الصَّحِيحِ وَمُطْلَقًا فِي الْفَاسِدِ. انْتَهَى.
وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَمُطْلَقًا فِي الْفَاسِدِ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَى مَا شَاءَ، فَإِنْ صَرَفَهُ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَكَانَ إحْرَامُ الْآخَرِ الصَّحِيحُ بِالْآخَرِ صَارَ قَارِنًا وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُ الْآخَرِ الصَّحِيحُ بِحَجٍّ فَيُصْرَفُ هَذَا الْمُطْلَقُ لِعُمْرَةٍ سم بِحَذْفٍ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي مِثْلُهُ قَوْلُ الْمَتْنِ (كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ أَحْرَمْت بِمَا أَحْرَمَ بِهِ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَدَّمَ الْحَجَّ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي صُورَةِ الْفَوَاتِ صَرْفُهُ إلَى الْعُمْرَةِ أَيْ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ صَرْفٍ وَلَا يَبْقَى مُبْهَمًا، فَإِنْ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ فَذَاكَ أَوْ لِلْحَجِّ فَكَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَا هُمَا احْتِمَالَانِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ) شَامِلٌ لِلْوُقُوفِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوْجَهِ) أَيْ مِنْ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِسْنَوِيِّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ، وَإِنْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو صَارَ مِثْلَهُمَا إنْ اتَّفَقَا وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا قَالَ فِي شَرْحِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ إحْرَامُهُمَا فَاسِدًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوْ إحْرَامُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَالْقِيَاسُ أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي الصَّحِيحِ وَمُطْلَقًا فِي الْفَاسِدِ اهـ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَمُطْلَقًا فِي الْفَاسِدِ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَى مَا شَاءَ، فَإِنْ صَرَفَهُ لِحَجٍّ وَكَانَ إحْرَامُ الْآخَرِ الصَّحِيحُ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ وَكَانَ إحْرَامُ الْآخَرِ الصَّحِيحُ بِعُمْرَةٍ صَارَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ ابْتِدَاءً بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ فَعَلَيْهِ