الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ الْقَصْرُ وَهُمْ الْآنَ قَلِيلُونَ جِدًّا إذْ أَكْثَرُ الْحَجِيجِ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِدُونِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَوَامِلَ بِنِيَّةِ إقَامَةِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِهَا بَعْدَهُ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ بَيَانُ أَنَّ سَفَرَهُمْ هَلْ يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ، أَوْ لَا (الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ) قَصْرًا وَ (جَمْعًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ وَهَذَا الْجَمْعُ بِسَبَبِ السَّفَرِ لَا النُّسُكِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ إعْلَامُهُمْ بِقَوْلِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ أَتِمُّوا وَلَا تَجْمَعُوا، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَبَقِيَ خُطْبَتَانِ مَشْرُوعَتَانِ إحْدَاهُمَا يَوْمَ النَّحْرِ وَالْأُخْرَى ثَالِثَهُ بِمِنًى وَالْأَرْبَعَةُ فُرَادَى وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا الَّتِي بِنَمِرَةَ وَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ سُنَّ لَهُمْ أَنْ يُبَادِرُوا إلَى عَرَفَةَ (وَ) أَنْ (يَقِفُوا) بِهَا (إلَى) تَكَامُلِ (الْغُرُوبِ) لِلِاتِّبَاعِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَسَيَأْتِي أَنَّ أَصْلَ الْوُقُوفِ رُكْنٌ قِيلَ فِي تَرْكِيبِهِ نَظَرٌ إذْ تَقْدِيرُهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَنْ يَقِفُوا فَلَوْ أَفْرَدَهُ فَقَالَ وَيَقِفُ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ لَكَانَ أَوْلَى اهـ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ خَصَّ الْإِمَامَ، أَوْ نَائِبَهُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ بِنَحْوِ يَخْطُبُ وَيَخْرُجُ بِهِمْ وَعَمَّهُ وَغَيْرَهُ بِمَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ بِنَحْوِ يَبِيتُوا وَقَصَدُوا وَذَلِكَ التَّقْدِيرُ يَدْفَعُهُ مَا تَقَرَّرَ الْمَعْلُومُ مِنْ صَنِيعِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ (وَيَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ) وَالْوَارِدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى وَمِنْ ثَمَّ اخْتَصَّ الْإِكْثَارُ بِالتَّهْلِيلِ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ
ــ
[حاشية الشرواني]
الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ الْقَصْرُ) وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْحُجَّاجَ إذَا دَخَلُوا مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَرْبَعًا لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ فَإِذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ خَرَجُوا؛ لِأَنَّهُمْ أَنْشَئُوا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ انْتَهَى اهـ. مُغْنِي زَادَ النِّهَايَةُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مَعْهُودًا فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ مِنْ سَفَرِهِمْ بَعْدَ نَفْرِهِمْ مِنْ مِنًى بِيَوْمٍ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْآنَ فَاطَّرَدَتْ عَادَةُ أَكْثَرِهِمْ بِإِقَامَةِ أَمِيرِهِمْ بَعْدَ النَّفْرِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَوَامِلَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ مَعَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْشِئُوا حِينَئِذٍ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَالنَّفْرِ وَنَّائِيٌّ (قَوْلُهُ هَلْ يَنْقَطِعُ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ وَحِينَئِذٍ فَفِي تَعْلِيلِ مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ الْآنَ قَلِيلُونَ جِدًّا بِقَوْلِهِ إذْ أَكْثَرُ الْحَجِيجِ إلَخْ مَا لَا يَخْفَى إذْ كَيْفَ يَجْزِمُ بِالْقِلَّةِ الَّتِي لَا تَنْبَنِي إلَّا عَلَى الِانْقِطَاعِ ثُمَّ يُعَلِّلُهَا بِمَا فِيهِ تَرَدُّدٌ رَجَّحَ مِنْهُ فِيمَا سَبَقَ عَدَمَ الِانْقِطَاعِ فَتَأَمَّلْهُ سم عِبَارَةُ الْبَصْرِيِّ وَاَلَّذِي اسْتَوْجَهَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَنَّ سَفَرَهُمْ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالْعَوْدِ إلَى مَكَّةَ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحِلَّ لِقَوْلِهِ وَهُمْ الْآنَ إلَخْ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَشِّي نَبَّهَ عَلَيْهِ اهـ. وَعِبَارَةُ الْوَنَائِيِّ ثُمَّ يُقِيمُ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَجْمَعُ الْعَصْرَيْنِ تَقْدِيمًا وَيُقْصِرُهُمَا بِالْمُسَافِرِينَ الَّذِينَ لَهُمْ الْقَصْرُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَوَامِلَ، وَهُوَ مَاكِثٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ الْحُجَّاجُ مَكَّةَ قُبَيْلَ الْوُقُوفِ وَنَوَوْا إقَامَةَ مَا ذُكِرَ بَعْدُ فَيُقِيمُوا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ وَالْفَتْحِ خِلَافًا لِلتُّحْفَةِ وَالنِّهَايَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فِيمَا لَوْ نَوَى الْحُجَّاجُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ قُبَيْلَ الْوُقُوفِ بِنَحْوِ يَوْمٍ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا بَعْدَ النَّفْرِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ كَوَامِلَ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ سَفَرُهُمْ بِوُصُولِهِمْ لِمَكَّةَ نَاوِينَ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا أَنَابَ مُسَافِرًا وَيَأْمُرُ بِالْإِتْمَامِ وَعَدَمِ الْجَمْعِ غَيْرَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَصْرًا) إلَى قَوْلِهِ قِيلَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ قَوْلُ الْمَتْنِ (جَمْعًا) أَيْ تَقْدِيمًا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ) أَيْ فِيهِمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ عَمِيرَةَ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْجَمْعُ) أَيْ وَالْقَصْرُ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِلنُّسُكِ اهـ مُغْنِي وَعَلَيْهِ فَيَجْمَعُ الْمَكِّيُّ أَيْضًا وَنَّائِيٌّ (قَوْلُهُ: ثَالِثَهُ بِمِنًى) أَيْ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: إلَّا الَّتِي بِنَمِرَةَ) أَيْ، فَإِنَّهَا ثِنْتَانِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ سم (قَوْلُهُ: وَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ مِنْ الْعَصْرَيْنِ ثُمَّ الرَّاتِبَةِ وَنَّائِيٌّ قَوْلُ الْمَتْنِ (وَيَقِفُوا) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ مَنْصُوبُهُ وَالنَّاسُ (إلَى الْغُرُوبِ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ حَتَّى تَزُولَ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَقِفُوا مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى يَخْطُبَ فَيَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْوُقُوفِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَيَّدَ الْوُقُوفَ بِالِاسْتِمْرَارِ إلَى الْغُرُوبِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ فِي تَرْكِيبِهِ نَظَرٌ إلَخْ) هَذَا الِاعْتِرَاضُ يَجْرِي أَيْضًا فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَيَبِيتُوا بِهَا فَتَأَمَّلْهُ سم (قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُ بِهِمْ) فِي كَوْنِ الْخُرُوجِ بِهِمْ مُخْتَصًّا بِهِ تَأَمُّلٌ لَا يُقَالُ الْخُرُوجُ بِهِمْ الْخَاصُّ بِهِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْخُرُوجِ الشَّامِلِ لَهُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ نَحْوِ ذَلِكَ فِي الْمَبِيتِ وَنَحْوِهِ فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ وَالْحَقُّ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ قُدِّسَ سِرُّهُ لَا تَخْلُو عَنْ شَيْءٍ لِمَا فِيهَا مِنْ تَشْتِيتِ الضَّمَائِرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهَا وَاضِحًا فَرَدُّ الْأَوْلَوِيَّةِ لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَمَّهُ وَغَيْرَهُ) الضَّمِيرَانِ لِلْإِمَامِ وَ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ التَّقْدِيرُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ إذْ تَقْدِيرُهُ إلَخْ وَ (قَوْلُهُ: مَا تَقَرَّرَ) هُوَ قَوْلُهُ بِأَنَّهُ خَصَّ الْإِمَامَ إلَخْ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ التَّقْدِيرُ يَدْفَعُهُ إلَخْ) كَيْفَ يَدْفَعُهُ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى يَخْطُبُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (وَيَذْكُرُوا اللَّهَ وَيَدْعُوهُ) أَيْ بِإِكْثَارٍ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَالْوَارِدُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ) وَمِنْ أَدْعِيَتِهِ الْمُخْتَارَةِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] الْآيَةَ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اللَّهُمَّ اُنْقُلْنِي مِنْ ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ وَاكْفِنِي
[حاشية ابن قاسم العبادي]
يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ
(قَوْلُهُ: هَلْ يَنْقَطِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ وَحِينَئِذٍ فَفِي تَعْلِيلِ مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ الْآنَ قَلِيلُونَ جِدًّا بِقَوْلِهِ إذَا كَثُرَ الْحَجِيجُ إلَخْ مَا لَا يَخْفَى إذْ كَيْفَ يَجْزِمُ بِالْقِلَّةِ الَّتِي لَا تَنْبَنِي إلَّا عَلَى الِانْقِطَاعِ ثُمَّ يُعَلِّلُهَا بِمَا فِيهِ تَرَدُّدٌ رَجَّحَ مِنْهُ فِيمَا سَبَقَ عَدَمَ الِانْقِطَاعِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: إلَّا الَّتِي بِنَمِرَةَ) أَيْ، فَإِنَّهَا ثِنْتَانِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (قَوْلُهُ: قِيلَ فِي تَرْكِيبِهِ نَظَرٌ إذْ تَقْدِيرُهُ إلَخْ) هَذَا الِاعْتِرَاضُ يَجْرِي أَيْضًا فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَيَبِيتُوا بِهَا فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ التَّقْدِيرُ يَدْفَعُهُ) كَيْفَ يَدْفَعُهُ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى يَخْطُبُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute