وَبِهِ فَارَقْت مَا مَرَّ فِيمَنْ خَرَجَ بِلَا وَدَاعٍ وَأَلْحَقَ بِهَا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ مَنْ خَافَ نَحْوَ ظَالِمٍ، أَوْ غَرِيمٍ، وَهُوَ مُعْسِرٌ وَفَوَّتَ رُفْقَةً، وَنَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ بَحَثَ وُجُوبَ الدَّمِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ مَنْعَهَا عَزِيمَةٌ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ
(وَيُسَنُّ) لِكُلِّ أَحَدٍ (شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ) لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهَا مُبَارَكَةٌ وَأَنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» أَيْ: فِيهَا قُوَّةُ الِاغْتِذَاءِ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ لَكِنْ مَعَ الصِّدْقِ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلْ نَمَا لَحْمُهُ وَزَادَ سِمَنُهُ زَادَ أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِيُّ «وَشِفَاءُ سَقَمٍ» أَيْ: حِسِّيٍّ، أَوْ مَعْنَوِيٍّ وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ شُرْبُهُ وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ نَيْلَ مَطْلُوبَاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ لِخَبَرِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» سَنَدُهُ حَسَنٌ بَلْ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ أَئِمَّةٌ وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ طَعَنَ فِيهِ بِمَا لَا يُجْدِي
ــ
[حاشية الشرواني]
عَنْ امْرَأَةٍ شَافِعِيَّةِ الْمَذْهَبِ طَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ بِغَيْرِ سُتْرَةٍ مُعْتَبَرَةٍ جَاهِلَةً بِذَلِكَ أَوْ نَاسِيَةً ثُمَّ تَوَجَّهَتْ إلَى بِلَادِ الْيَمَنِ فَنَكَحَتْ شَخْصًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا فَسَادُ طَوَافِهَا فَأَرَادَتْ أَنْ تُقَلِّدَ أَبَا حَنِيفَةَ لِتَصِيرَ بِهِ حَلَالًا وَتَتَبَيَّنَ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيَتَضَمَّنُ صِحَّةَ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَأَفْتَى بِالصِّحَّةِ وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَلَمَّا سَمِعْت عَنْهُ ذَلِكَ اجْتَمَعْت بِهِ، فَإِنِّي كُنْت أَحْفَظُ عَنْهُ خِلَافَهُ فِي الْعَامِ الَّذِي قَبْلَهُ فَقَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَقَدَهُ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَأَشْبَاهُهَا وَمُرَادُهُ بِأَشْبَاهِهَا كُلُّ مَا كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِذَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَصَحِيحٌ عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْحَالِ جَازَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا يَأْتِي فَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ جِدًّا وَيَنْبَغِي أَنَّ إثْمَ الْإِقْدَامِ بَاقٍ حَيْثُ فَعَلَهُ عَالِمًا ع ش.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ إلَخْ) أَيْ بِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ بِهَا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إلَخْ) وَالْأَظْهَرُ الْإِلْحَاقُ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَبَحَثَ لُزُومَ الْفِدْيَةِ شَرْحُ م ر اهـ سم وَبَصْرِيٌّ عِبَارَةُ الْوَنَائِيِّ وَلَا يَسْقُطُ أَيْ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِالْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ وَالْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ أَهْلٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مُحْتَرَمٍ وَالْخَوْفُ مِنْ غَرِيمٍ، وَهُوَ مُعْسِرٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ بَحَثَ وُجُوبَ الدَّمِ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ النَّفْرِ تَرْكُ الدَّمِ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ مَنْعَهَا) أَيْ مِنْ الْمَسْجِدِ سم
قَوْلُ الْمَتْنِ (وَيُسَنُّ إلَخْ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُسَنُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيُلْصِقُ بَطْنَهُ وَصَدْرَهُ بِحَائِطِ الْبَيْتِ وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ فَيَجْعَلُ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَالْيُسْرَى مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ أَيْ بِالْمَأْثُورِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الْمَأْثُورَ أَفْضَلُ وَمِنْهُ اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْعَبْدُ عَبْدُك وَابْنُ أَمَتِك حَمَلْتنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك حَتَّى صَيَّرْتنِي فِي بَلَدِك وَبَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك حَتَّى أَعَنْتنِي عَلَى قَضَاءِ مَنَاسِكِك، فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي وَيَبْعُدَ عَنْهُ مَزَارِي وَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْتَ لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بِبَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي وَارْزُقْنِي الْعَمَلَ بِطَاعَتِك مَا أَبْقَيْتنِي وَمَا زَادَ فَحَسَنٌ وَقَدْ زِيدَ فِيهِ وَاجْمَعْ لِي خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّكَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَمْضِي وَيُسَنُّ أَنْ يَزُورَ الْأَمَاكِنَ الْمَشْهُورَةَ بِالْفَضْلِ بِمَكَّةَ، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَأَنْ يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى الْبَيْتِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ «إنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ تَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ» .
وَحِكْمَةُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهَا السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ ظَاهِرَةٌ إذْ الطَّائِفُونَ جَمَعُوا بَيْنَ ثَلَاثٍ طَوَافٍ وَصَلَاةٍ وَنَظَرٍ فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ سِتُّونَ وَالْمُصَلُّونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ أَرْبَعُونَ وَالنَّاظِرُونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ فَصَارَ لَهُمْ عِشْرُونَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ هُنَاكَ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَنُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا بِمَكَّةَ فِي الطَّوَافِ وَالْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي فِي نُسُكٍ أَوْ لَا نِهَايَةٌ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ م ر وَحِكْمَةُ ذَلِكَ إلَى وَيُسْتَحَبُّ وَقَوْلَهُ م ر وَظَاهِرُهُ إلَخْ قَالَ الْمُغْنِي وَلَفْظُ فَمُنَّ الْآنَ يَجُوزُ فِيهِ ضَمُّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدُ النُّونِ، وَهُوَ الْأَجْوَدُ وَكَسْرُ الْمِيمِ وَتَخْفِيفُ النُّونِ مَعَ فَتْحِهَا وَكَسْرِهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ قَالَ مِنْهَا أَيْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بَيْتُ الْمَوْلِدِ وَبَيْتُ خَدِيجَةَ وَمَسْجِدُ دَارِ الْأَرْقَمِ وَالْغَارُ الَّذِي فِي ثَوْرٍ وَاَلَّذِي فِي حِرَاءٍ وَقَدْ أَوْضَحَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَعْنَوِيٍّ) أَيْ كَالذُّنُوبِ وَنَّائِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ نَيْلَ مَطْلُوبَاتِهِ إلَخْ) فَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَنَالُوا مَطْلُوبَهُمْ وَيُسَنُّ الدُّخُولُ إلَى الْبِئْرِ وَالنَّظَرُ فِيهِ وَأَنْ يَنْزِعَ مِنْهَا بِالدَّلْوِ الَّذِي
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
فِي طُهْرِهَا فَالدَّمُ أَوْ فِي حَيْضِهَا فَلَا دَمَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ بِهَا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إلَخْ) وَالْأَظْهَرُ الْإِلْحَاقُ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَبَحَثَ لُزُومَ الْفِدْيَةِ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ مَنْعَهَا) أَيْ مِنْ الْمَسْجِدِ