للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ ذَاتَ الْمَبِيتِ ثَمَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُخَوَّفُ مِنْهُ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ أَحْصَرَهُمْ عَنْ الْحَجِّ لَا غَيْرُ بِخِلَافِهِ هُنَا أَعْنِي فِي مَنْعِهِ مِنْ الْمَبِيتِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ مُتَعَرِّضٌ لِلْمَنْعِ مِنْهُ مَثَلًا إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ الْمُشَابَهَةُ لِلْإِحْصَارِ دُونَ الْأَوَّلِ إذْ لَا تَعَرُّضَ مِنْ الْمُخَوَّفِ مِنْهُ لِمَنْعٍ مِنْ نَحْوِ الْمَبِيتِ أَصْلًا فَتَأَمَّلْهُ (وَالْفَوَاتِ) أَيْ لِلْحَجِّ إذْ الْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ إلَّا تَبَعًا لِحَجِّ الْقَارِنِ (مَنْ أُحْصِرَ) أَيْ مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي نُسُكِهِ دُونَ الرُّجُوعِ أَوْ مَعَهُ وَهُمْ فِرَقٌ مُخْتَلِفَةٌ أَوْ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ كَافِرٌ وَمُسْلِمٌ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ قِتَالُهُ أَوْ بَذْلُ مَالٍ لَهُ وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ يُمْكِنُهُ سُلُوكُهُ (تَحَلَّلَ) جَوَازًا حَاجًّا كَانَ أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ قَارِنًا لِنُزُولِ قَوْله تَعَالَى «حِينَ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهُمْ حُرُمٌ فَنَحَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَلَقَ، وَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] » أَيْ، وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ إذْ الْإِحْصَارُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجِبُ هَدْيًا.

وَالْأَوْلَى لِلْمُعْتَمِرِ وَحَاجٍّ اتَّسَعَ زَمَنُ إحْرَامِهِ الصَّبْرُ إنْ رَجَا زَوَالَ الْإِحْصَارِ نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ انْكِشَافُ الْعَدُوِّ، وَإِمْكَانُ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ فِي الْعُمْرَةِ

ــ

[حاشية الشرواني]

بِبَذْلِ الْمَالِ.

(قَوْلُهُ: قُلْت الْفَرْقُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ مَقْصُودُهُ بِالْفَرْقِ مُجَرَّدُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ لَا تَوْجِيهُ لُزُومِ الدَّمِ هُنَاكَ إذْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ بَلْ قَدْ يَظْهَرُ مِنْهُ الْعَكْسُ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ أَنَّهُ لِمَ كَانَ هَذَا إحْصَارًا دُونَ ذَاكَ سم وَقَوْلُهُ: إحْصَارًا أَيْ مُشَابِهًا بِهِ (قَوْلُهُ: ثَمَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ الْمَبِيتُ لَمْ يَجُزْ إلَخْ كُرْدِيٌّ أَقُولُ بَلْ إلَى قَوْلِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْمَبِيتِ ثُمَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ أَحْصَرُهُمْ إلَخْ) مَحَلُّ تَأَمُّلٍ إذْ لَا يَظْهَرُ ارْتِبَاطُهُ بِسَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ الْمُشَابَهَةُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: دُونَ الْأَوَّلِ) أَيْ الْمَبِيتُ الَّذِي لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَاتِهِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْمُشَابَهَةُ لِلْإِحْصَارِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ وَدَاخِلٌ فِي حُكْمِهِ كُرْدِيٌّ وَالصَّوَابُ أَيْ الْمَبِيتُ الْمَتْرُوكُ لِعُذْرِ الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: أَيْ لِلْحَجِّ) إلَى قَوْلِهِ، وَأَيَّدَهُ بِقَوْلِ الْمَجْمُوعِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ إنْ رَجَا زَوَالَ الْإِحْصَارِ وَقَوْلُهُ: أَيْ مَا لَمْ يَغْلِبْ إلَى وَلَا قَضَاءَ وَقَوْلُهُ: عَلَى تَفْصِيلٍ إلَى وَاسْتَنْبَطَ، وَإِلَى قَوْلِهِ كَمَا بَسَطْت فِي الْمُغْنِي إلَّا مَا ذَكَرَ وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا يَدْخُلَ إلَى وَاسْتِعْمَالُهُ وَقَوْلُهُ: كَذَا قِيلَ إلَى وَشَمَلَ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الرُّجُوعِ وَفَائِدَةُ التَّحَلُّلِ حِينَئِذٍ دَفْعُ مَشَقَّةِ الْإِحْرَامِ كَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَنَحْوِهِمَا ع ش وَمُغْنِي.

(قَوْلُهُ: وَهُمْ) أَيْ الْمَانِعُونَ (فِرَقٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَخْ) وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْعُ بِقَطْعِ طَرِيقٍ أَمْ بِغَيْرِهِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَافِرٌ وَمُسْلِمٌ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَانِعُ كَافِرًا أَمْ مُسْلِمًا وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ الْمُضِيُّ بِقِتَالٍ أَوْ بَذْلِ مَالٍ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَالَ سم وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي وُجُوبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ الْمُتَعَرِّضِينَ بِشُرُوطٍ مَا يَتَعَيَّنُ مُرَاجَعَتُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بَذْلُ مَالٍ لَهُ) يُكْرَهْ بَذْلُهُ لِلْكَافِرِ بِخِلَافِهِ لِلْمُسْلِمِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ الثَّالِثُ أَمْنُ الطَّرِيقَ إلَخْ سم عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَيُكْرَهُ بَذْلُ مَالٍ لِلْكُفَّارِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّغَارِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا يَحْرُمُ كَمَا لَا تَحْرُمُ الْهِبَةُ لَهُمْ أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُكْرَهُ بَذْلُهُ لَهُمْ وَالْأَوْلَى قِتَالُ الْكُفَّارِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِيَجْمَعُوا بَيْنَ الْجِهَادِ وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَإِتْمَامِ النُّسُكِ فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ قِتَالِهِمْ أَوْ كَانَ الْمَانِعُونَ مُسْلِمِينَ فَالْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْقِتَالِ وَيَجُوزُ لَهُمْ إنْ أَرَادُوا الْقِتَالَ لُبْسُ الدِّرْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ كَمَا لَوْ لَبِسَ الْمُحْرِمُ الْمَخِيطَ لِدَفْعِ حَرٍّ وَبَرْدٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بَذْلُ مَالٍ) أَيْ، وَإِنْ قَلَّ ع ش وَوَنَّائِيٌّ زَادَ الْمُغْنِي أَيْ قِلَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَدَاءِ النُّسُكِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَنَحْوُ الدِّرْهَمَيْنِ وَالثَّلَاثِ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ أَجْلِهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجِدْ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مُنِعَ إلَخْ وَسَيَذْكُرُ مُحْتَرَزَهُ قَالَ سم فَلَوْ ظَنَّ أَنْ لَا طَرِيقَ آخَرَ فَتَحَلَّلَ فَبَانَ أَنَّ ثَمَّ طَرِيقًا آخَرَ يَتَأَتَّى سُلُوكُهُ فَيَنْبَغِي تَبَيُّنُ عَدَمِ صِحَّةِ التَّحَلُّلِ م ر. اهـ.

(قَوْلُهُ: تَحَلَّلَ جَوَازًا) أَيْ بِمَا سَيَأْتِي لَا وُجُوبًا مُغْنِي وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَحَلَقَ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي فَحَلَقَ بِالْفَاءِ (قَوْلُهُ: أَيْ، وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ) عَطْفٌ عَلَى أُحْصِرْتُمْ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى لِلْمُعْتَمِرِ) أَيْ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

قُلْت الْفَرْقُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ مَقْصُودُهُ بِالْفَرْقِ مُجَرَّدُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ لَا تَوْجِيهُ لُزُومِ الدَّمِ هُنَا لَا هُنَاكَ إذْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ بَلْ قَدْ يَظْهَرُ مِنْهُ الْعَكْسُ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ أَنَّهُ لِمَ كَانَ هَذَا إحْصَارًا دُونَ ذَاكَ؟ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَافِرٌ وَمُسْلِمٌ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي وُجُوبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ الْمُتَعَرِّضِينَ بِشُرُوطِ مَا يَتَعَيَّنُ مُرَاجَعَتُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ بَذْلُ مَالٍ لَهُ) يُكْرَهُ بَذْلُهُ لِلْكَافِرِ بِخِلَافِهِ لِلْمُسْلِمِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ. الثَّالِثُ أَمْنُ الطَّرِيقِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ) فَلَوْ ظَنَّ أَنْ لَا طَرِيقَ آخَرَ فَتَحَلَّلَ فَبَانَ أَنَّ ثَمَّ طَرِيقًا آخَرَ يَتَأَتَّى سُلُوكُهُ فَيَنْبَغِي تَبَيُّنُ عَدَمِ صِحَّةِ التَّحَلُّلِ م ر (قَوْلُهُ: حِينَ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ) فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ مِنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّ السَّيِّدَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَدْ مَكَّنَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ الْبَيْتِ حِينَ أَرْسَلَهُ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَامْتَنَعَ مِنْ الطَّوَافِ لِكَرَاهَتِهِ ذَلِكَ مَعَ مَنْعِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ مَبْسُوطٌ فِي السِّيَرِ فَكَيْفَ جَازَ لِسَيِّدِنَا عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّحَلُّلُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إتْيَانِهِ بِعُمْرَةٍ وَقَدْ اطَّلَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَأَقَرَّهُ قُلْت يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْإِتْيَانَ بِهَا حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ وَمَكَّنُوهُ مِنْ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَجِبُ فَوْرًا مَعَ تَجْوِيزِهِ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَزُولَ الْمَنْعُ الْعَامُّ أَوْ وَحْدَهُ بِإِذْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَقَاءِ تَمَكُّنِهِ وَحْدَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَا يُتَّفَقُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَنْعِ الْعَامِّ لِعُثْمَانَ وَغَيْرِهِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَكَ الْعَمَلَ ابْتِدَاءً لِأَدَاءِ اجْتِهَادِهِ إلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَمْنُوعًا مِنْهُ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>