للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] أَيْ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا وَرَهْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ وَآثَرَهُ لِيَسْلَمَ مِنْ نَوْعِ مِنَّةٍ أَوْ تَكَلُّفِ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِهِ بِإِبْرَائِهِ أَوْ عَدَمِ أَخْذِ الرَّهْنِ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يَفُكَّهُ وَأَرْكَانُهُ عَاقِدٌ وَمَرْهُونٌ وَمَرْهُونٌ بِهِ وَصِيغَةٌ وَبَدَأَ بِهَا لِأَهَمِّيَّتِهَا فَقَالَ (لَا يَصِحُّ) الرَّهْنُ (إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) أَوْ اسْتِيجَابٍ وَإِيجَابٍ بِشُرُوطِهِمَا السَّابِقَةِ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَالِيٌّ مِثْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ جَرَى هُنَا خِلَافَ الْمُعَاطَاةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خِطَابِ الْوَكِيلِ هُنَا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَبَحْثُ صِحَّةِ رَهَنْت مُوَكِّلَك، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ أَحْكَامَ الْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ أَحْكَامِ الرَّهْنِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ تَحَكُّمٌ وَلَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيْك هَذَا وَثِيقَةً بِحَقِّك عَلَيَّ فَقَالَ قَبِلْت أَوْ بِعْتُك هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي دَارَك بِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْت وَرَهَنْت كَانَ رَهْنًا.

(فَإِنْ شَرَطَ

ــ

[حاشية الشرواني]

عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لُغَةً (قَوْلُهُ أَيْ فَارْهَنُوا إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: ٤] انْتَهَى اهـ سم. وَقَوْلُهُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] أَيْ فَ وَقَوْلُهُ {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: ٤] أَيْ فَاضْرِبُوا ضَرْبَ الرِّقَابِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ أَبِي الشَّحْمِ) سُمِّيَ بِهِ لِكَوْنِهِ سَمِينًا اهـ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ وَآثَرَهُ لِيَسْلَمَ إلَخْ) التَّوْجِيهُ بِالْمِنَّةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّةٍ وَبِالتَّكَلُّفِ لَا يَخْلُو عَنْ تَعَسُّفٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْمِنَّةَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَأْهِيلِهِمْ لِذَلِكَ وَأَنَّهُمْ بَرِيئُونَ مِنْ التَّكَلُّفِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَعْمَلُونَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مُطْلَقًا سِيَّمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَوْلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْعَارِفِينَ مِنْ أَنَّ إيثَارَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَزِيدِ التَّوَاضُعِ اهـ سَيِّدُ عُمَرَ عِبَارَةُ الْمُغْنِي فَإِنْ قِيلَ هَلَّا اقْتَرَضَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ بَيَانًا لِجَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ مَيَاسِيرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ تَكَلُّفٍ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مِنَّةٍ (وَقَوْلُهُ أَوْ عَدَمِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى إبْرَائِهِ (قَوْلُهُ عَلَى ثَلَاثِينَ إلَخْ) أَيْ ثَمَنِ ثَلَاثِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهَا أَنْفُسِهَا لِاقْتِرَاضِهَا مِنْهُ وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتْحِ الْبَارِي الْجَزْمُ بِالْأَوَّلِ فَرَاجِعْهُ اهـ ع ش.

(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يَفُكَّهُ) كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَقَالَ الْبُجَيْرِمِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَلْيُوبِيُّ وَالْبِرْمَاوِيُّ وَخَالَفَ ع ش فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَفْتَكَّهُ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الْقَلْيُوبِيُّ عِبَارَتُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَكَوْنُ الدِّرْعِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْيَهُودِيِّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ عَلَى الرَّهْنِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْمُبَادَرَةِ لِأَخْذِهِ بَعْدَ فَكِّهِ وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا م ر غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَأَرْكَانُهُ إلَخْ) وَالْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ شَهَادَةٌ وَرَهْنٌ وَضَمَانٌ فَالْأَوَّلُ لِخَوْفِ الْجَحْدِ وَالْآخَرَانِ لِخَوْفِ الْإِفْلَاسِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ وَمَرْهُونٌ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بَدَلَ مَرْهُونٍ وَمَرْهُونٌ بِهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرُ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْآخَرِ فَكَانَ التَّفْصِيلُ أَوْلَى لِمُطَابَقَتِهِ لِمَا بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُ الرَّهْنِ كَوْنُهُ عَيْنًا اهـ ع ش.

(قَوْلُهُ أَوْ اسْتِيجَابٍ) إلَى التَّنْبِيهِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ بِالْمَرْهُونِ إلَى الْمَتْنِ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَبَحَثَ إلَى الْمَتْنِ.

(قَوْلُهُ أَوْ اسْتِيجَابٍ إلَخْ) هَلَّا زَادَ أَيْضًا وَاسْتِقْبَالٍ وَقَبُولٍ ثُمَّ يَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْمَتْنُ بِإِرَادَةِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَلَوْ حُكْمًا اهـ سم عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْقَوْلُ فِي الْمُعَاطَاةِ وَالِاسْتِيجَابِ مَعَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِقْبَالِ مَعَ الْقَبُولِ هُنَا كَالْبَيْعِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَالِيٌّ مِثْلُهُ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ رَهَنْتُك هَذَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْقَرْضِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ فَلَا يَضُرُّ فِيهِ عَدَمُ مُوَافَقَةِ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ كَالْهِبَةِ وَقَدْ يُؤَيِّدُ الْفَرْقُ مَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ م ر فِيمَا لَوْ أَقْرَضَهُ أَلْفًا فَقَبِلَ خَمْسَمِائَةٍ حَيْثُ عَلَّلَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيهِ بِمُشَابَهَتِهِ لِلْبَيْعِ بِأَخْذِ الْعِوَضِ وَمَا هُنَا لَا عِوَضَ فِيهِ فَكَانَ بِالْهِبَةِ أَشْبَهَ اهـ ع ش.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَالِيٌّ مِثْلُهُ) أَيْ فَافْتَقَرَ إلَيْهِمَا مِثْلُهُ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ خِلَافُ الْمُعَاطَاةِ) وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ هُنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَقْرِضْنِي عَشَرَةً لِأُعْطِيَك ثَوْبِي هَذَا رَهْنًا فَيُعْطَى الْعَشَرَةَ وَيُقْبِضُهُ الثَّوْبَ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ مِنْ هَذَا) أَيْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ.

(قَوْلُهُ وَبَحَثَ صِحَّةَ إلَخْ) أَفْتَى بِخِلَافِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ اهـ سم عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ صِحَّةٍ إلَخْ بَعِيدٌ يَرُدُّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَقَدْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ.

(قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ خِطَابِ الْوَكِيلِ) أَيْ وَإِسْنَادِهِ إلَى جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِ فَلَوْ قَالَ رَهَنْت رَأْسَك مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنْ كُلَّ مَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ جَازَ أَسِنَادُهُ إلَى الْجُزْءِ وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَالْبَيْعِ وَالرَّهْنِ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَى الْجُزْءِ إلَّا الْكَفَالَةَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ إذَا أُسْنِدَتْ إلَى جَزْءٍ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ كَرَأْسِهِ وَقَلْبِهِ مَثَلًا وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَالْفَرْقِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) خَبَرٌ وَبَحَثَ صِحَّةَ إلَخْ (قَوْلُهُ كَانَ رَهْنًا) أَيْ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ بَعْدَ قَوْلِهِ رَهَنْت اهـ ع ش وَرَشِيدِيٌّ قَوْلُ الْمَتْنِ

(فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ) الْمُقْتَضَى وَالْمَصْلَحَةُ مُتَبَايِنَانِ وَذَلِكَ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

قَوْلُهُ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: ٤] انْتَهَى.

(قَوْلُهُ أَوْ اسْتِيجَابٍ وَإِيجَابٍ) هَلَّا زَادَ أَيْضًا أَوْ اسْتِقْبَالٍ وَقَبُولٍ ثُمَّ يَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْمَتْنُ بِإِرَادَةِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَلَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ وَبَحَثَ صِحَّةَ رَهَنْت مُوَكِّلَك)

<<  <  ج: ص:  >  >>