وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ لَهُنَّ فِيهِ بِعِوَضٍ وَإِلَّا كَانَ تَبَرُّعًا، وَهَذَا الْإِذْنُ بِالْعِوَضِ هُوَ الِاسْتِئْجَارُ الَّذِي هُوَ تَمَلُّكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ إلَخْ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى الطَّلَاقُ إلَى آخَرِ الْآيَةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنْ أَرَادَ الْمُنَازَعَةَ عَلَى أَصْلِ الْإِيجَارِ فَرَدُّهُ بِمَا ذَكَرُوا وَاضِحٌ أَوْ مَعَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ لِرَدِّهِ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى الْقَبُولِ لَفْظًا بِوَجْهٍ وَكَوْنُ مَا مَرَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى الصِّيغَةِ فِي الْبَيْعِ يَأْتِي هُنَا؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ النِّزَاعَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا وَحْدَهَا عَلَى ذَلِكَ وَأَحَادِيثُ مِنْهَا «اسْتِئْجَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَالصِّدِّيقَ دَلِيلًا فِي الْهِجْرَةِ وَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤَاجَرَةِ» وَالْحَاجَةُ بَلْ الضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا وَأَرْكَانُهَا صِيغَةٌ وَأُجْرَةٌ وَمَنْفَعَةٌ وَعَاقِدٌ وَلِكَوْنِهِ الْأَصْلَ بَدَأَ بِهِ فَقَالَ (شَرْطُهُمَا) أَيْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الدَّالِّ عَلَيْهِمَا لَفْظُ الْإِجَارَةِ
(كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) لِأَنَّهَا صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ فَاشْتُرِطَ فِي عَاقِدِهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي عَاقِدِهِ مِمَّا مَرَّ كَالرُّشْدِ وَعَدَمِ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ نَعَمْ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ وَلَوْ إجَارَةَ عَيْنٍ لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَمِنْ ثَمَّ أُجْبِرَ فِيهَا
ــ
[حاشية الشرواني]
لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ وُقُوعَ الْإِرْضَاعِ لِلْآبَاءِ مُطْلَقًا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ الْمَذْكُورَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِإِمْكَانِ وُقُوعِهِ لَهُمْ بِالْإِذْنِ بِلَا عِوَضٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ وُقُوعَهُ لَهُمْ يُفِيدُ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَهَذَا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا كَانَ تَبَرُّعًا أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا اهـ سم
(قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ يُوجَدَ الْإِذْنُ بِعِوَضٍ (كَانَ تَبَرُّعًا) أَيْ الْإِرْضَاعُ (قَوْلُهُ هُوَ الِاسْتِئْجَارُ إلَخْ) فِي هَذَا الْحَصْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ إلَى آخِرِهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ (قَوْلُهُ مَعَ الْإِيجَابِ إلَخْ) أَيْ وَالشُّرُوطِ وَ (قَوْلُهُ عَلَى الْقَبُولِ إلَخْ) أَيْ وَالشُّرُوطِ (قَوْلُهُ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى الْقَبُولِ إلَخْ) وَأَيْضًا فَقَدْ عَلَّقَ فِي الْآيَةِ إيتَاءَ الْأَجْرِ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا عَقْدَ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِيتَاءُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تُمْلَكُ وَتُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ اهـ سم (قَوْلُهُ عَلَى الصِّيغَةِ فِي الْبَيْعِ) أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ الصِّيغَةِ وَرُكْنِيَّتِهِ فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ يَأْتِي هُنَا) خَبَرٌ لِلْكَوْنِ مِنْ حَيْثُ مَصْدَرِيَّتُهُ وَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِيَأْتِي وَ (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ إلَخْ) خَبَرٌ لِلْكَوْنِ مِنْ حَيْثُ ابْتِدَاؤُهُ (قَوْلُهُ وَالصِّدِّيقَ) مَفْعُولٌ مَعَهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ فَهُوَ بِالْجَرِّ اهـ ع ش أَيْ بِلَا إعَادَةِ الْخَافِضِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَابْنِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ دَلِيلًا فِي الْهِجْرَةِ) أَيْ لِيَدُلَّهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأُرَيْقِطِ اهـ قَالَ ع ش الدِّيلُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، وَقِيلَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مَهْمُوزًا اهـ
(قَوْلُهُ وَأَمْرُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْأَسْنَى وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ» اهـ.
(قَوْلُهُ بِالْمُؤَاجَرَةِ) بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْهَمْزِ وَاوًا لِكَوْنِهِ مَفْتُوحًا بَعْدَ ضَمَّةٍ اهـ ع ش (قَوْلُهُ إلَيْهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُؤَجِّرُ) إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ بَيْعَهُ فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِهِ وَفَرَّقَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُ الْمَتْنِ (كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) أَيْ كَشَرْطِهِمَا وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَبَائِعٍ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَكُونُ مُؤَجِّرًا وَإِنْ جَازَ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ اهـ مُغْنِي زَادَ سم عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَكَذَا لِلْغَيْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ذِمَّةَ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ اهـ زَادَ ع ش وَقِيَاسُ مَا فِي السَّلَمِ مِنْ جَوَازِ كَوْنِهِ مُسْلَمًا وَمُسْلَمًا إلَيْهِ جَوَازُ أَنْ يَلْزَمَ ذِمَّةَ الْغَيْرِ هُنَا أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ نَعَمْ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ طَرْدِ الْمَتْنِ وَ (قَوْلُهُ الْآتِي وَيَصِحُّ بَيْعُ السَّيِّدِ إلَخْ) مِنْ عَكْسِهِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ إلَخْ) أَيْ إجَارَةُ الْعَيْنِ سم وَع ش
(قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ أُجْبِرَ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ عِلْمُ عِوَضِهَا وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا اشْتِرَاطُ عِلْمِ عِوَضِهَا فَجَعَلَ الشَّرْطَ الْعِلْمَ لَا اشْتِرَاطَهُ فَقَوْلُهُ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ مَعْنَاهُ مَعَ الْمُشْتَرَطَاتِ الْآتِيَةِ وَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَاصِلَ التَّعْرِيفِ هُوَ صَرِيحُ تَعْبِيرِهِمْ فِي التَّعْرِيفِ بِقَوْلِهِ وَاللَّفْظُ لِشَرْحِ الرَّوْضِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ اهـ، وَحِينَئِذٍ فَشُمُولُ التَّعْرِيفِ لِلْمُسَاقَاةِ وَالْجَعَالَةِ إذَا كَانَ الْعِوَضُ فِيهِمَا مَعْلُومًا مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَلَمْ يَنْدَفِعْ مَا لِلشَّارِحِ الْمُشَارُ إلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ مِنْهَا عِلْمُ عِوَضِهَا مِنْهَا شَرْطُ عِلْمِ عِوَضِهَا حَتَّى يَكُونَ الْقَيْدُ شَرْطَ عِلْمِ الْعِوَضِ لَا عِلْمِ الْعِوَضِ فَيَتِمُّ مَا قَالَهُ إنْ كَانَ التَّعْرِيفُ الَّذِي أَوْرَدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّارِحُ جَعَلَ الْقَيْدَ فِيهِ شَرْطَ الْعِلْمِ لَا نَفْسَهُ فَلْيُرَاجَعْ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِرَادَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عِلْمُ الْعِوَضِ لَا اشْتِرَاطُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ذُكِرَ عِوَضٌ مَعْلُومٌ كَفَى، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَإِنْ قِيلَ ذِكْرُهُ اشْتِرَاطٌ لَهُ قُلْنَا هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْجَعَالَةِ قَطْعًا فَلَا يُفِيدُ إرَادَةُ ذَلِكَ شَيْئًا فَظَهَرَ عَدَمُ الِانْدِفَاعِ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْهُ
نَعَمْ إنْ أُرِيدَ بِعِلْمِ الْعِوَضِ كَوْنُهُ عِلْمَهُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ ثَمَّ الِانْدِفَاعُ، إلَّا أَنَّ حَمْلَ الْعِبَارَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَايَةِ التَّعَسُّفِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ التَّعْرِيفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ وَلَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ لَهُنَّ فِيهِ بِعِوَضٍ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ وُقُوعَ الْإِرْضَاعِ لِلْآبَاءِ مُطْلَقًا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ الْمَذْكُورَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِإِمْكَانِ وُقُوعِهِ لَهُمْ بِالْإِذْنِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ وُقُوعَهُ لَهُمْ يُفِيدُ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَهَذَا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا كَانَ تَبَرُّعًا أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ لِيَظْهَرَ لَك مِنْ هَذَا وَأَمْثَالِهِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ بِمَا لَا يَصِحُّ بِهِ الْمُبَالَغَةُ أَوْ بِمَا هُوَ أَوْهَنُ مِنْ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ اهـ.
(قَوْلُهُ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى الْقَبُولِ لَفْظًا إلَخْ) وَأَيْضًا فَقَدْ عَلَّقَ فِي الْآيَةِ إيتَاءَ الْأَجْرِ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا عَقْدَ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِيتَاءُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَمَلُّكٌ وَتُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ شَرْطُهُمَا كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ نَعَمْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ كَمَا لِلْعَبْدِ الْأَعْمَى أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَكَذَا لِلْغَيْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ذِمَّتَهُ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ) أَيْ إجَارَةُ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ أُجْبِرَ