الْمُقْطِعُ فَإِنْ أَقْطَعَ رَقَبَتَهَا صَحَّتْ إجَارَتُهُ اتِّفَاقًا أَوْ مَنْفَعَتُهَا فَكَذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْمَنْفَعَةِ وَإِنْ جَازَ لِلسُّلْطَانِ الِاسْتِرْدَادُ كَمَا أَنَّ لِلزَّوْجَةِ إيجَارُ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَرِّضًا لِزَوَالِهِ عَنْهَا إلَى الزَّوْجِ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ، لَكِنْ خَالَفَهُ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ بَلْ أَنْ يَنْتَفِعَ فَهُوَ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالزَّوْجَةُ مُلِكَتْ مِلْكًا تَامًّا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الْإِيجَارِ أَوْ جَرَى بِهِ عُرْفٌ عَامٌّ كَدِيَارِ مِصْرَ صَحَّ وَإِلَّا امْتَنَعَ اهـ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُعْتَمَدٌ لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ وَتَوَجَّهَ صِحَّةُ إيجَارِهِ مَعَ ذَلِكَ فِي الْأَخِيرَةِ بِأَنَّ اطِّرَادَ الْعُرْفِ بِذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ مِنْ الْإِمَامِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُجْمَعُ بِمَا قَالَهُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ.
(فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ) أَبْنِيَةِ مِنًى لِعَجْزِ مَالِكِهَا عَنْ تَسْلِيمِهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةُ الْإِزَالَةِ فَوْرًا وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ بِنَاءٍ كَذَلِكَ كَالْأَبْنِيَةِ الَّتِي فِي حَرِيمِ النِّيلِ مَثَلًا وَلَا مَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ
ــ
[حاشية الشرواني]
إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى ذَلِكَ تَشْمَلُ مِلْكَ الْأَصْلِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَيَدْخُلُ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَهُ إيجَارُ مَا اسْتَأْجَرَهُ وَكَذَا لِلْمُقْطِعِ أَيْضًا إجَارَةُ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ اهـ.
(قَوْلُهُ الْمُقْطِعُ) وَهُوَ مَا أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ اهـ كُرْدِيٌّ أَقُولُ هَذَا التَّفْسِيرُ وَإِنْ نَاسَبَ مَا بَعْدَهُ لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ مَنْ أَقْطَعَ لَهُ الْإِمَامُ قِطْعَةً مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَقْطَعَ) بِبِنَاءِ الْفَاعِلِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْإِمَامِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ أَوْ بِبِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَنَائِبُ فَاعِلِهِ قَوْلُهُ رَقَبَتُهَا (قَوْلُهُ أَوْ مَنْفَعَتُهَا) عَطْفٌ عَلَى رَقَبَتِهَا وَضَمِيرِهِمَا لِلْمُقْطِعِ الْمُرَادُ بِهِ الْأَرْضُ الَّتِي أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْكُرْدِيِّ أَوْ لِتِلْكَ الْأَرْضِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْمَقَامِ كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ وَمِنْ الْقَادِرِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَازَ لِلسُّلْطَانِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ أَقْطَعَ إرْفَاقًا فَأَمَّا إقْطَاعُ التَّمْلِيكِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْإِمَامِ الرُّجُوعُ فِيهِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ خَالَفَهُ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَذِنَ إلَخْ) أَيْ مُدْخِلٌ لِلْإِذْنِ أَوْ اطِّرَادِ الْعَادَةِ مَعَ عَدَمِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ اهـ سم وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْإِذْنَ الْمَذْكُورَ مُتَضَمِّنٌ لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الزَّرْكَشِيّ (يُعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ لِلْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ كُرْدِيٌّ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ مُعْتَمَدٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلَامِ الْجَرِّ لِلتَّعْلِيلِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ بِكَسْرِهَا وَاللَّامُ لِمُجَرَّدِ التَّعْدِيَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّرْكَشِيَّ مُعْتَمِدٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَنَّ الْمُقْطِعَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ صِحَّةُ إيجَارِهِ) (فَرْعٌ)
فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا إقْطَاعِيَّةً لِيَزْرَعَهَا مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَمَاتَ الْمُؤَجِّرُ بَعْدَ سَنَتَيْنِ وَخَلَّفَ وَلَدًا فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ أَوْ تَبْقَى لِوَلَدِ الْمُؤَجِّرِ؟ الْجَوَابُ الْأَرْضُ الْإِقْطَاعِيَّةُ فِي إجَارَتِهَا كَلَامٌ لِلْعُلَمَاءِ لَكِنْ الَّذِي نَخْتَارُهُ صِحَّةُ إجَارَتِهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَقُولُ إنَّهَا كَالْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ تَبْقَى الْإِجَارَةُ بَلْ نَقُولُ بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِمَوْتٍ كَمَا إذَا مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَقَدْ أَجَّرَ الْوَقْفَ انْتَهَى اهـ سم وَالْكَلَامُ كَمَا مَرَّ عَنْ ع ش وَيَأْتِي عَنْ الرَّشِيدِيِّ وَيَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ فِي إقْطَاعِ الْإِرْفَاقِ (قَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمِ مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ (قَوْلُهُ فِي الْأَخِيرَةِ) أَيْ فِي صُورَةِ جَرَيَانِ الْعُرْفِ الْعَامِّ بِالْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُجْمَعُ) الْأَوْلَى وَقَدْ يُجْمَعُ (قَوْلُهُ فَقَدْ يُجْمَعُ بِمَا قَالَهُ إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ صِحَّةُ إيجَارِهِ مُطْلَقًا وَالْكَلَامُ فِي إقْطَاعِ الْإِرْفَاقِ إمَّا إقْطَاعُ التَّمْلِيكِ فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ) أَيْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالصِّحَّةِ وَكَلَامِ مُعَاصِرِيهِ بِالْبُطْلَانِ.
(قَوْلُهُ وَلَا مَنْ نُذِرَ) إلَى قَوْلِهِ أَخْذًا فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِهِ وَكَذَا لَهَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ أَوْ مُطْلَقًا إلَى الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ نُذِرَ عِتْقُهُ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ أَوْ الْمَشْرُوطِ عِتْقُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي اهـ مُغْنِي قَالَ الرَّشِيدِيُّ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ تَنْقَضِي قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِتْقِ بِأَنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَيْءٍ كَقُدُومِ غَائِبٍ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَذِنَ إلَخْ) أَيْ مُدْخِلٌ لِلْإِذْنِ أَوْ اطِّرَادِ الْعَادَةِ مَعَ عَدَمِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ صِحَّةُ إيجَارِهِ إلَخْ) كَذَا شَرْحُ م ر (فَرْعٌ)
فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا إقْطَاعِيَّةً لِيَزْرَعَهَا مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَمَاتَ الْمُؤَجِّرُ بَعْدَ سَنَتَيْنِ وَخَلَّفَ وَلَدًا فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ أَوْ تَبْقَى لِوَلَدِ الْمُؤَجِّرِ؟ الْجَوَابُ: الْأَرْضُ الْإِقْطَاعِيَّةُ فِي إجَارَتِهَا كَلَامٌ لِلْعُلَمَاءِ حَتَّى قَالَ الْمُحَقِّقُونَ إنَّهَا لَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّهَا بِصَدَدِ أَنْ يَنْزِعَهَا الْإِمَامُ مِنْ الْمُقْطَعِ وَيَقْطَعَهَا غَيْرَهُ، لَكِنْ الَّذِي نَخْتَارُهُ صِحَّةُ إجَارَتِهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَقُولُ إنَّهَا كَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ حَتَّى إنَّهُ إذَا مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَقَدْ أَجَرَ الْوَقْفَ بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْبَطْنَ الثَّانِيَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ الْوَقْفُ قَطْعًا وَالْإِقْطَاعُ لَا يَتَحَقَّقُ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَلَدِ فَقَدْ يَقْطَعُهُ السُّلْطَانُ إيَّاهُ وَقَدْ لَا يَقْطَعُهُ اهـ.
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ سَافَرَ لِبِلَادِ السُّلْطَانِ فِي طَلَبِ مَالِ الذَّخِيرَةِ فَأَعْطَوْهُ حَقَّ طَرِيقِهِ فَأَخَذَ صُحْبَتَهُ ثَلَاثَ مَمَالِيكَ فِي خِدْمَتِهِ فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ عَشَرَةً أَشَرَفِيَّةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى أَحَدِهِمْ بِالْمَبْلَغِ الَّذِي أَعْطَاهُ فِي نَظِيرِ سَفَرِهِ مَعَهُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ أَخَذَ مَعَهُ تَسْفِيرَهُ، الْجَوَابُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ الَّذِي أَخَذَ مَعَهُ تَسْفِيرَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوَّلًا فَإِنْ سَافَرَ مَعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمَتَى أَعْطَاهُ شَيْئًا وَقَدْ شَرَطَهُ لَهُ أَوَّلًا أَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ وَلَكِنْ تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ اهـ
وَأَقُولُ يَنْبَغِي التَّأَمُّلُ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَتَحْرِيرُهُ فَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَ الْمَمَالِيكَ لِخِدْمَتِهِ اُحْتِيجَ إلَى عَقْدِ الْمَالِكِينَ أَوْ إذْنِهِمْ لَهُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْخِدْمَةُ مَعْلُومَةً وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّسْفِيرَ أَمْرٌ مَجْهُولٌ فَإِذَا شَرَطَهُ يَنْبَغِي الرُّجُوعُ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ