مَعَ عَدَمِ تَمَكُّنِ الْوُصُولِ لَهُمَا (فَالْقَاضِي) يَرُدُّهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِ وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ كَمَا مَرَّ وَالْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا، وَلَوْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِهَا لِأَمِينٍ كَفَى إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُهَا بِنَفْسِهِ (فَإِنْ فَقَدَهُ فَأَمِينٌ) بِالْبَلَدِ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَأْخِيرِ السَّفَرِ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْأَمِينِ بِقَبْضِهَا عَلَى الْأَوْجَهِ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ أُبَّهَةَ الْقَاضِي تَأْبَى الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَمِينِ.
وَتَكْفِي فِيهِ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ مَا لَمْ يَتَيَسَّرْ عَدْلٌ بَاطِنًا فِيمَا يَظْهَرُ وَمَتَى تَرَكَ هَذَا التَّرْتِيبِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ضَمِنَ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِوُجُودِ الْقَاضِي الْجَائِزِ وَمِنْ ثَمَّ حَمَلَ الْفَارِقِيُّ إطْلَاقَهُمْ لَهُ عَلَى زَمَنِهِمْ قَالَ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَضْمَنُ بِالْإِيدَاعِ لِثِقَةٍ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي قَطْعًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ الْحُكَّامِ وَذُكِرَ أَنَّ شَيْخَهُ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ أَمَرَهُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِالدَّفْعِ لِلْحَاكِمِ فَتَوَقَّفَ فَقَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ التَّحْقِيقُ الْيَوْمَ تَخْرِيقٌ، أَوْ تَمْزِيقٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ الْعُدُولِ بِهَا عَنْ الْحَاكِمِ الْجَائِرِ مَا لَمْ يَخْشَ مِنْهُ عَلَى نَحْوِ نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ سَفَرَهُ بِهَا مَعَ الْأَمْنِ خَيْرٌ مِنْ دَفْعِهَا لِلْجَائِرِ، وَلَوْ عَادَ الْوَدِيعُ مِنْ السَّفَرِ جَازَ لَهُ اسْتِرْدَادُهَا وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْإِمَامُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي السَّفَرِ بِهَا إلَى بَلَدِ كَذَا فِي طَرِيقِ كَذَا فَسَافَرَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الطَّرِيقِ أَيْ مَعَ إمْكَانِ السَّفَرِ فِيمَا نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَوَصَلَ لِتِلْكَ الْبَلَدِ فَنُهِبَتْ مِنْهَا ضَمِنَهَا لِدُخُولِهَا فِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ عُدُولِهِ عَنْ الطَّرِيقِ الْمَأْذُونِ فِيهَا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ طَرِيقَانِ تَعَيَّنَ سُلُوكُ آمَنِهِمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي الْأَطْوَلِ فَأَقْصَرُهُمَا (فَإِنْ دَفَنَهَا) ، وَلَوْ فِي حِرْزٍ (وَسَافَرَ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ (فَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا) وَإِنْ لَمْ يُرِهِ إيَّاهَا (يَسْكُنُ الْمَوْضِعَ) .
ــ
[حاشية الشرواني]
مُغْنِي (قَوْلُهُ مَعَ عَدَمِ تَمَكُّنِ الْوُصُولِ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَشَقَّةُ الْقَوِيَّةُ الَّتِي لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً فِي مِثْلِ ذَلِكَ اهـ ع ش (قَوْلُ الْمَتْنِ فَالْقَاضِي) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَإِنَّمَا يَحْمِلُهَا إلَى الْحَاكِمِ بَعْدَ أَنْ يُعَرِّفَهُ الْحَالَ وَيَأْذَنَ لَهُ فَلَوْ حَمَلَهَا ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يُعَرِّفَهُ ضَمِنَ اهـ مُغْنِي.
(قَوْلُهُ يَرُدُّهَا إلَيْهِ) إلَى قَوْلِهِ وَكَانَ الْفَرْقُ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ آنِفًا (قَوْلُهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ) قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ اهـ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ إلَخْ) وِفَاقًا لِلْمُغْنِي وَخِلَافًا لِلنِّهَايَةِ (قَوْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا) فَلَوْ كَانَ قَاضِي الْبَلَدِ لَا يَرَى وُجُوبَ الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ فَهَلْ يَعْدِلُ إلَى الْأَمِينِ أَوْ لَا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ وَالْقَلْبُ إلَى الْأَوَّلِ أَمْيَلُ اهـ سَيِّدُ عُمَرَ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِهَا لِأَمِينٍ إلَخْ) وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْأَمِينِ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِنَابَةِ الْقَاضِي لَهُ صَارَ أَمِينَ الشَّرْعِ اهـ ع ش وَقَوْلُهُ مَا تَقَدَّمَ أَيْ فِي النِّهَايَةِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَالْمُغْنِي كَمَا مَرَّ آنِفًا (قَوْلُهُ كَفَى) أَيْ كَفَى الْحَاكِمُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْإِثْمِ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُ الْمَتْنِ فَإِنْ فَقَدَهُ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ (تَنْبِيهٌ) قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا رُتْبَةَ فِي الْأَشْخَاصِ بَعْدَ الْأَمِينِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَغْرَبَ فِي الْكَافِي فَقَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ، وَسَلَّمَهَا إلَى فَاسِقٍ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا فِي الْأَصَحِّ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْوَدِيعَ الْإِشْهَادُ عَلَى الْأَمِينِ وِفَاقًا لِلْمُغْنِي وَخِلَافًا لِلنِّهَايَةِ عِبَارَتُهُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُهُ كَمَا فِي الْحَاكِمِ اهـ قَالَ ع ش أَيْ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ حَيْثُ اعْتَرَفَ الْأَمِينُ بِأَخْذِهَا أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْأَمِينُ أَخْذَهَا مِنْهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْوَدِيعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَانَ الْفَرْقُ إلَخْ) هَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُجْدٍ اهـ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ أَنَّ أُبَّهَةَ الْقَاضِي إلَخْ) وَالْأُبَّهَةُ كَسُكَّرَةٍ الْعَظَمَةُ وَالْبَهْجَةُ وَالْكِبْرُ اهـ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْقَاضِيَ (قَوْلُهُ وَمَتَى تَرَكَ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ سَافَرَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ عَلَا أَيْ مَعَ إمْكَانِ إلَى وَوَصَلَ وَقَوْلَهُ وَبِهِ يُعْلَمُ إلَى قَالَ وَقَوْلَهُ وَكَانَ الْفَرْقُ إلَى الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ) أَيْ بِقَوْلِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ السَّابِقِ إنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا لَكَانَ أَنْسَبَ (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ إطْلَاقَهُمْ لَهُ) أَيْ لِلتَّرْتِيبِ أَوْ الْقَاضِي وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ صَنِيعُ النِّهَايَةِ عِبَارَتُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ضَمِنَ قَالَ الْفَارِقِيُّ إلَّا فِي زَمَنِنَا فَلَا يَضْمَنُ بِالْإِيدَاعِ لِثِقَةٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الْفَارِقِيُّ وَكَذَا ضَمِيرُ قَوْلِهِ وَذُكِرَ وَقَوْلِهِ فَتَوَقَّفَ (قَوْلُهُ فَقَالَ) أَيْ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَهُ أَيْ الْفَارِقِيِّ (قَوْلُهُ التَّحْقِيقُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ تَخْرِيقٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ الْيَوْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ تَخْرِيقٌ) أَيْ لِعِرْضِ مَنْ طَلَبَ التَّحْقِيقَ وَإِجْرَاءَ الْأُمُورِ عَلَى وَجْهِهَا بَاطِنًا فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي أَمْرٍ مَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِ الشَّرْعِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا جَرَى بَيْنَ الْفَارِقِيِّ وَشَيْخِهِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْخَشْيَةِ مِنْ الْحَاكِمِ الْجَائِرِ (قَوْلُهُ أَنَّ سَفَرَهُ بِهَا مَعَ الْأَمْنِ إلَخْ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعَ عَدَمِهِ يَدْفَعُ إلَى الْجَائِرِ وَلَوْ قِيلَ بِالتَّرْجِيحِ عِنْدَ وُجُودِ مُرَجِّحٍ كَأَنْ يَكُونَ خَطَرُ الطَّرِيقِ دُونَ خَطَرِ الدَّفْعِ لَهُ أَوْ عَكْسَهُ وَبِالتَّخْيِيرِ عِنْدَ عَدَمِهِ لَمْ يَبْعُدْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي الطَّرِيقَيْنِ اهـ سَيِّدُ عُمَرَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الشَّارِحَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَعَ الْأَمْنِ الْأَمْنَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّفْعِ إلَى الْجَائِرِ (قَوْلُهُ خَيْرٌ مِنْ دَفْعِهَا إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ فِي سَفَرِهِ بِهَا إلَى مُؤْنَةٍ لِحَمْلِهَا مَثَلًا صَرَفَهَا وَرَجَعَ بِهَا إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَصْرِفُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ جَازَ لَهُ اسْتِرْدَادُهَا) أَيْ مِنْ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِينِ أَيْ وَلَهُ تَرْكُهَا عِنْدَهُمَا، وَلَا يُقَالُ إنَّمَا جَازَ دَفْعُهَا لَهُمَا لِضَرُورَةِ السَّفَرِ، وَقَدْ زَالَتْ فَيَجِبُ الِاسْتِرْدَادُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ أَيْ مَعَ إمْكَانِ السَّفَرِ إلَخْ) يُنَافِيهِ التَّعْلِيلُ الْآتِي بِقَوْلِهِ لِوُصُولِهَا فِي ضَمَانِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَنُهِبَتْ مِنْهَا) الْأَوْلَى فِيهَا (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ عُدُولِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَسْهَلَ مِنْ الْأُولَى أَوْ أَكْثَرَ أَمْنًا مِنْهَا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي السَّفَرِ بِهَا مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ بَلْ نُهِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِسُلُوكِ الْأُولَى نَهْيٌ عَنْ سُلُوكِ غَيْرِهَا اهـ ع ش (قَوْلُهُ تَعَيَّنَ سُلُوكُ آمَنِهِمَا) وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي الْإِذْنِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ طَرِيقًا أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ اهـ ع ش (قَوْلُ الْمَتْنِ يَسْكُنُ الْمَوْضِعَ) أَيْ الَّذِي دُفِنَتْ فِيهِ اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي حِرْزٍ)
[حاشية ابن قاسم العبادي]
قَوْلُهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا) قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ فِي الْأَمِينِ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute