وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَيَاسِيرَ عَلَى الْكِفَايَةِ نَحْوُ إطْعَامِ الْمُحْتَاجِينَ (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ بِهِ وَيُكْرَهُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ مَالُهُ، أَوْ كَسْبُهُ إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَيَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَسْبٍ حَرَامٍ، أَوْ غَيْرِ لَائِقٍ بِهِ أَخْذُهَا، وَالتَّعَرُّض لَهُ إنْ لَمْ يُظْهِرْ الْفَاقَةَ، أَوْ يَسْأَلْ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، وَاسْتَثْنَى فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ تَحْرِيمِ سُؤَالِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ مَا إذَا كَانَ مُسْتَغْرِقَ الْوَقْتِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَفِيهِ أَيْضًا سُؤَالُ الْغَنِيِّ حَرَامٌ بِأَنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَمُمَوِّنُهُ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ وَسُتْرَتَهُمْ وَآنِيَةً يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا، وَهَلْ لَهُ سُؤَالُ مَا يَحْتَاج إلَيْهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ . يُنْظَرُ إنْ كَانَ السُّؤَالُ مُتَيَسِّرًا عِنْدَ نَفَادِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ أَنْ يَطْلُبَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِسَنَةٍ. اهـ.
وَنَازَعَ الْأَذْرَعِيُّ فِي التَّحْدِيدِ بِالسَّنَةِ وَبَحَثَ جَوَازَ طَلَبِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى وَقْتٍ يَعْلَمُ عَادَةً تَيَسُّرَ السُّؤَالِ وَالْإِعْطَاءِ فِيهِ لَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ عَلِمَ غِنَى سَائِلٍ، أَوْ مُظْهِرٍ لِلْفَاقَةِ الدَّفْعُ إلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا هِيَ لِتَغْرِيرِهِ بِإِظْهَارِ الْفَاقَةِ مَنْ لَا يُعْطِيهِ لَوْ عَلِمَ غِنَاهُ فَمَنْ عَلِمَهُ، وَأَعْطَاهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ تَغْرِيرٌ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ
ــ
[حاشية الشرواني]
يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا نَوَاهُ لَهُ وَعَلَيْهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْبَدَلِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الْإِشْهَادُ إنْ أَمْكَنَ وَحِينَئِذٍ لَا يُقَالُ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فَقَوْلُهُ: يُمْكِنُ إلَخْ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْفَاضِلُ الْمُحَشِّي بِقَوْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ دَقِيقٌ. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ مِنْ قِبَلِ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ، أَوْ مَجَّانًا وَأَحَدُ فَرْدَيْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ يُوصَفُ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَعَلَّ هَذَا مَلْحَظُ مَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ قَدْ يُقَالُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي الْمُضْطَرِّ، وَإِنْ تَأَهَّلَ لِلِالْتِزَامِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِالْعِوَضِ فِيمَا يَظْهَرُ سَيِّدُ عُمَرَ وَرَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ إلَخْ) رَاجِعْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُضْطَرِّ، وَقَدْ يُصَوَّرُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُضْطَرِّ الْمُحْتَاجِ بِمَا إذَا كَانَ الْبَاذِلُ مِنْ غَيْرِ الْمَيَاسِيرِ أَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ غَنِيًّا فَقَدَ مَا يَتَنَاوَلُهُ وَوَجَدَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ لَهُ مَجَّانًا فَلَا إشْكَالَ سم عَلَى حَجّ. اهـ. ع ش (قَوْلُ الْمَتْنِ لِغَنِيٍّ) أَيْ: بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ وَلَوْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى. اهـ. مَنْهَجٌ زَادَ الْمُغْنِي، وَالْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْبُجَيْرِمِيِّ قَوْلُهُ: بِمَالٍ أَيْ يَكْفِيهِ الْعُمْرَ الْغَالِبَ م ر، وَالْمُرَادُ بِحِلِّهَا لَهُ سَنُّهَا أَوْ الْمُرَادُ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا. اهـ. وَسَيَأْتِي عَنْ ع ش الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ) إلَى قَوْلِهِ وَاسْتَثْنَى فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ، وَيَظْهَرُ إلَى أَخْذُهَا وَقَوْلُهُ، أَوْ يَسْأَلُ (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلْغَنِيِّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّنَزُّهُ عَنْهَا
مُحَلَّى وَمُغْنِي وَشَرْحُ مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: مِمَّا مَرَّ آنِفًا) أَيْ: فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ (قَوْلُهُ: أَخْذُهَا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: أَخْذُهَا) نَائِبُ فَاعِلِ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَظْهَرْ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَقَطْ فَكَانَ الْأَوْلَى قَلْبَ الْعَطْفِ كَمَا فَعَلَ النِّهَايَةُ، وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَرُمَ إلَخْ) وَمَعَ حُرْمَةِ الْقَبُولِ حِينَئِذٍ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ سم عَلَى حَجّ وَقَوْلُهُ: يَمْلِكُ إلَخْ أَيْ: فِيمَا لَوْ سَأَلَ أَمَّا لَوْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ وَظَنَّهُ الدَّافِعُ مُتَّصِفًا بِهَا فَلَمْ يَمْلِكْ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ رِضًا مِنْ صَاحِبِهِ إذْ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ إلَّا عَلَى ظَنِّ الْفَاقَةِ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى إلَخْ) أَيْ: الْغَزَالِيُّ وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَفِيهِ أَيْضًا إلَخْ إذْ هُوَ إنَّمَا اسْتَثْنَاهُ مِنْهُ. اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مَا إذَا كَانَ مُسْتَغْرِقَ الْوَقْتِ) أَيْ: بِحَيْثُ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِالْعِلْمِ يَمْنَعُهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ وَمِنْهُ مَا لَوْ كَانَ الزَّمَنُ الَّذِي يَزِيدُ عَلَى أَوْقَاتِ الِاشْتِغَالِ لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِيهِ الِاكْتِسَابُ عَادَةً فَهُوَ كَالْعَدَمِ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: سُؤَالُ الْغَنِيِّ حَرَامٌ) أَيْ: وَمَعَ ذَلِكَ يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ. اهـ. ع ش أَيْ: إنْ عَلِمَ الْمُعْطِي غِنَاهُ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَمَا يَكْفِيهِ هُوَ إلَخْ) يَظْهَرُ أَنَّ الْمَسْكَنَ كَذَلِكَ هُنَا وَفِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَتَقَيَّدُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَسَائِرِ الْمُؤَنِ الظَّاهِرُ نَعَمْ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ أَقُولُ: بَلْ الظَّاهِرُ اعْتِبَارُ عَادَةِ الْبَلَدِ فِي مُدَّةِ إجَارَةِ الْبُيُوتِ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّهُ مَالَ إلَيْهِ فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَآنِيَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْقُوتِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَيَكْفِي كَوْنُهَا خَزَفِيَّةً. اهـ. سم وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ تَلِقْ بِهِمْ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: وَنَازَعَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ لِتَغْرِيرِهِ إلَخْ) قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
فِيهِ نَظَرٌ دَقِيقٌ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ إلَخْ) رَاجِعْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُضْطَرِّ، وَقَدْ يُصَوَّرُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُضْطَرِّ الْمُحْتَاجِ بِمَا إذَا كَانَ الْبَاذِلُ مِنْ غَيْرِ الْمَيَاسِيرِ، أَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ غَنِيًّا، لَكِنْ فَقَدَ مَا يَتَنَاوَلُهُ، وَوَجَدَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ لَهُ مَجَّانًا فَلَا إشْكَالَ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّكْمِلَةِ: وَلِظَاهِرِ الْأَمْرِ أَيْ: فِي خَبَرِ «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرَ مُسْتَشْرِفٍ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ» قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَجِبُ أَخْذُهُ لِمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ، وَلَوْ غَنِيًّا، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} [النساء: ٤] ، وَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ، أَوْ لَا، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وُجُوبَ الْأَخْذِ، ثُمَّ إذَا كَانَ حَلَالًا لَا تَبِعَةَ فِيهِ تَمَوَّلَهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ فِي مَوْرِدِهِ إنْ عَرَفَ مُسْتَحَقَّهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَالِ الضَّائِعِ. اهـ، وَاسْتِدْلَالُ الزَّرْكَشِيّ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ يُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَخْذِ إذْ مُقْتَضَى ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ طَلَبِ الْأَخْذِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَخْذُهَا) فَاعِلُ يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَسْأَلُ) وَمَعَ حُرْمَةِ الْقَبُولِ حِينَئِذٍ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ م ر. (قَوْلُهُ: وَآنِيَةٌ) قَالَ فِي الْقُوتِ عَنْ الْإِحْيَاءِ: وَيَكْفِي كَوْنُهُمْ خَزَفِيَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَلْ لَهُ سُؤَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ مُتَيَسِّرًا عِنْدَ نَفَادِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِسَنَةٍ انْتَهَى) وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ طَلَبُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى وَقْتٍ يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ تَيَسُّرُ السُّؤَالِ، وَالْإِسْعَافِ فِيهِ، وَلَا يَتَجَاوَزُهُ أُسْبُوعًا كَانَ، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً، أَوْ دُونَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُظْهِرٍ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى سَائِلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute