للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا حَيْثُ أُطْلِقَتْ وَاخْتَصَّتْ بِهِ وَلَا تَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا مُقَيَّدَةً اهـ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ غَفْلَةٌ عَنْ تَقْيِيدِهَا كَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي عَلَى أَنَّ هَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ آخَرُونَ تَشْمَلُ الْكُلَّ لَكِنَّ الْأَشْهَرَ إطْلَاقُهَا إذَا أُرِيدَ بِهَا وَلِيمَةُ الْعُرْسِ وَتَقْيِيدُهَا إذَا أُرِيدَ بِهَا غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ فَلَمْ يَكْتَفِ كَالْحَدِيثِ بِإِطْلَاقِهَا نَظَرًا لِشُمُولِهَا لِلْكُلِّ فَيَحْصُلُ الْإِيهَامُ وَأُطْلِقَتْ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي أَيْضًا نَظَرًا لِلْأَشْهَرِ الْمَذْكُورِ فَكُلٌّ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ سَائِغٌ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ فَإِنْ قُلْت شُمُولُهَا لِلْوَضِيمَةِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ عَنْ آخَرِينَ يُنَافِي قَوْلَ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ تَقَعُ فِي كُلِّ دَعْوَةٍ تُتَّخَذُ لِسُرُورٍ حَادِثٍ قُلْت لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ هَذَا إطْلَاقٌ فِقْهِيٌّ مِنْ بَعْضِ إطْلَاقَاتِهَا وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِطْلَاقِ اللُّغَوِيِّ عِنْدَ إطْلَاقِ أُولَئِكَ اللُّغَوِيِّينَ وَهُوَ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ وَالْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ أَوْ كُلُّ طَعَامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ وَغَيْرِهَا.

ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا اعْتَمَدَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مُخَالِفًا لِشَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّ الْوَضِيمَةَ مِنْ الْوَلَائِمِ وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالسُّرُورِ لِلْغَالِبِ (سُنَّةٌ) بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِلزَّوْجِ الرَّشِيدِ وَلِوَلِيٍّ غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَمَا يَأْتِي فَلَوْ عَمِلَهَا غَيْرُهُمَا كَأَبِي الزَّوْجَةِ أَوْ هِيَ عَنْهُ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ الزَّوْجَ إنْ أَذِنَ تَأَدَّتْ السُّنَّةُ عَنْهُ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ حُصُولَهَا وَيَظْهَرُ نَدْبُهَا لِسَيِّدِ عَبْدٍ وَلَوْ امْرَأَةً أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحٍ فَنَكَحَ مُؤَكَّدَةً

ــ

[حاشية الشرواني]

ذَلِكَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ صَاحِبُ أَرْبِيلَ وَأَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ عِنْدَهُ فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ أَعْيَانُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَنَّ الْحَافِظَ أَبَا الْخَطَّابِ بْنَ دِحْيَةَ صَنَّفَ لَهُ مُجَلَّدًا فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ سَمَّاهُ التَّنْوِيرُ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَافِظُ الْعَصْرِ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ أَصْلُ عَمَلِ الْمَوْلِدِ بِدْعَةٌ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَلَكِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَحَاسِنَ وَضِدِّهَا فَمَنْ تَحَرَّى فِي عَمَلِهَا الْمَحَاسِنَ وَتَجَنَّبَ ضِدَّهَا كَانَ بِدْعَةً حَسَنَةً وَمَنْ لَا فَلَا.

قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي تَخْرِيجُهَا عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ أَغْرَقَ اللَّهُ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَنَجَّى مُوسَى فَنَحْنُ نَصُومُهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى» فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ فِعْلُ الشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إسْدَاءِ نِعْمَةٍ أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ وَيُعَادُ ذَلِكَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ وَالشُّكْرُ لِلَّهِ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كَالسُّجُودِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَأَيُّ نِعْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ النِّعْمَةِ بِبُرُوزِ هَذَا النَّبِيِّ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُطَابِقَ قِصَّةَ مُوسَى فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَمَنْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِعَمَلِ الْمَوْلِدِ فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ بَلْ تَوَسَّعَ قَوْمٌ فَنَقَلُوهُ إلَى يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ وَفِيهِ مَا فِيهِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ عَمَلِهِ وَأَمَّا مَا يُعْمَلُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ فِيهِ عَلَى مَا يُفْهِمُ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ التِّلَاوَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّدَقَةِ وَإِنْشَادِ شَيْءٍ مِنْ الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَالزُّهْدِيَّةِ الْمُحَرِّكَةِ لِلْقُلُوبِ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ وَأَمَّا مَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ السَّمَاعِ وَاللَّهْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُبَاحًا بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ لِلسُّرُورِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا بَأْسَ بِإِلْحَاقِهِ بِهِ وَمَهْمَا كَانَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا فَيُمْنَعُ وَكَذَا مَا كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى اهـ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْحَافِظَ ابْنَ نَاصِرِ الدِّينِ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِوِرْدِ الصَّادِي فِي مَوْلِدِ الْهَادِي قَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ يُخَفَّفُ عَنْهُ عَذَابُ النَّارِ فِي مِثْلِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِإِعْتَاقِهِ ثُوَيْبَةَ سُرُورًا بِمِيلَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَنْشَدَ

إذَا كَانَ هَذَا كَافِرًا جَاءَ ذَمُّهُ ... وَتَبَّتْ يَدَاهُ فِي الْجَحِيمِ مُخَلَّدَا

أَتَى أَنَّهُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ دَائِمًا ... يُخَفَّفُ عَنْهُ لِلسُّرُورِ بِأَحْمَدَا

فَمَا الظَّنُّ بِالْعَبْدِ الَّذِي كَانَ عُمْرُهُ ... بِأَحْمَدَ مَسْرُورًا وَمَاتَ مُوَحِّدَا

انْتَهَى اهـ وَقَدْ أَطَالَ فِي إيضَاحِ الِاحْتِجَاجِ لِكَوْنِ الْمَوْلِدِ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ مَعَ إيضَاحِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَنْبَغِي اسْتِفَادَتُهُ وَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُؤَلَّفًا سَمَّاهُ حُسْنَ الْمَقْصِدِ فِي عَمَلِ الْمَوْلِدِ فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ أَهْلُهُ وَكَرَّرَ فِي ذَلِكَ الْمُؤَلَّفِ بَيَانَ انْقِسَامِ الْبِدْعَةِ إلَى الْأَحْكَامِ كُلِّهَا حَتَّى لَا يُنَافِي كَوْنُ عَمَلِ الْمَوْلِدِ بِدْعَةً كَوْنَهُ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ اهـ سم.

(قَوْلُهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ) أَيْ الْعُرْسِ.

(قَوْلُهُ وَيُرَدُّ إلَخْ) وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُ الْقَائِلِ الْإِطْلَاقُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ اهـ سم (قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي) أَيْ ثَانِيًا (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا) أَيْ الِاخْتِصَاصَ اهـ كُرْدِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهَا إلَخْ) فَيُقَالُ وَلِيمَةُ خِتَانٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ الْأَشْهَرُ اهـ كُرْدِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَيَحْصُلُ الْإِيهَامُ) أَيْ إيهَامٌ مَعَ انْصِرَافِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ سم وَلَك أَنْ تَقُولَ الْإِيهَامُ بَاقٍ مَعَ هَذَا الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ أَنْ يُوقِعَ فِي الْوَهْمِ شَيْئًا وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمَرْجُوحِيَّةِ اهـ سَيِّدْ عُمَرْ.

(قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي) أَيْ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا) أَيْ مَا فِي الرَّوْضَةِ.

(قَوْلُهُ مِنْ بَعْضِ إلَخْ) لَعَلَّ الْأَوْلَى مِنْ جُمْلَةِ إطْلَاقَاتِهَا.

(قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْإِطْلَاقُ اللُّغَوِيُّ.

(قَوْلُهُ اعْتَمَدَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ) وَاعْتَمَدَهُ الْمُغْنِي أَيْضًا (قَوْلُهُ أَنَّ الْوَضِيمَةَ إلَخْ) أَيْ شَرْعًا (قَوْلُهُ لِلزَّوْجِ) خَرَجَتْ الزَّوْجَةُ اهـ سم.

(قَوْلُهُ غَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ الزَّوْجِ وَوَلِيِّهِ.

(قَوْلُهُ كَأَبِي الزَّوْجَةِ إلَخْ) الْأَوْلَى كَالزَّوْجَةِ وَأَبِيهَا.

(قَوْلُهُ عَنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِعَمَلِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ امْرَأَةً إلَخْ) غَايَةٌ فِي السَّيِّدِ.

(قَوْلُهُ مُؤَكَّدَةٌ) نَعْتٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ سُنَّةٌ ثَمَّ هَذَا إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَى وَالْأَفْضَلُ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

وَلَوْ مُقَيَّدَةً وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُ هَذَا الْقَائِلِ الْإِطْلَاقُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ غَفْلَةٌ عَنْ تَقْيِيدِهَا كَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي) قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يُوجِبُ الْغَفْلَةَ (قَوْلُهُ فَيَحْصُلُ الْإِيهَامُ) أَيْ إيهَامٌ مَعَ انْصِرَافِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ.

(قَوْلُهُ لِلزَّوْجِ) خَرَجَتْ الزَّوْجَةُ وَقَوْلُهُ امْرَأَةً غَايَةٌ لِلسَّيِّدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>