الْوَاضِحِ أَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ بَلْ مِنْ وَلِيِّهِ فَزَعَمَ تَعَيُّنَ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الثَّانِيَ خَطَأٌ هُوَ الْخَطَأُ (زَوَالُهُ) لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ إلَّا إنْ كَانَ مِثْلَ تِلْكَ الْجِنَايَةِ مِمَّا يَزِيدُهُ عَادَةً وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَالْمَوْتِ مِنْ ضَرْبَةٍ بِقَلَمٍ خَفِيفٍ وَإِذَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَأَنْكَرَ الْجَانِي اُخْتُبِرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي غَفَلَاتِهِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، أَوْ كَذِبُهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ) بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَفَعَلَهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ) لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى صِدْقِهِ (بِلَا يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ جُنُونَهُ وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ نَعَمْ إنْ كَانَ يُجَنُّ وَقْتًا وَيُفِيقُ وَقْتًا حَلَفَ زَمَنَ إفَاقَتِهِ، وَإِنْ انْتَظَمَا فَلَا دِيَةَ لِظَنِّ كَذِبِهِ وَحَلِفَ الْجَانِي لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا صَدَرَا اتِّفَاقًا، أَوْ عَادَةً وَتُرَدُّ دِيَتُهُ كَسَائِرِ الْمَعَانِي بِعَوْدِهِ وَخَرَجَ بِزَوَالِهِ نَقْصُهُ فَيَحْلِفُ مُدَّعِيهِ إذْ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ.
(وَفِي) إبْطَالِ (السَّمْعِ دِيَةٌ) إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْحَوَاسِّ حَتَّى مِنْ الْبَصَرِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْمُدْرِكُ لِلشَّرْعِ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ وَكَفَى بِهَذَا تَمَيُّزًا وَلِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَفِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَالْبَصَرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَتَوَسُّطِ شُعَاعٍ أَوْ ضِيَاءٍ وَزَعْمُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَشَرَفِيَّتَهُ عَلَى السَّمْعِ بِقِصَرِ إدْرَاكِهِ عَلَى الْأَصْوَاتِ وَذَلِكَ يُدْرِكُ الْأَجْسَامَ وَالْأَلْوَانَ وَالْهَيْئَاتِ يُرَدُّ بِأَنَّ كَثْرَةَ هَذِهِ التَّعَلُّقَاتِ فَوَائِدُهَا دُنْيَوِيَّةٌ لَا مُعَوِّلَ عَلَيْهَا؛ وَلِذَا تَجِدُ مَنْ خُلِقَ أَصَمَّ كَالْحَجَرِ الْمُلْقَى، وَإِنْ تَمَتَّعَ فِي نَفْسِهِ بِمُتَعَلِّقَاتِ بَصَرِهِ وَالْأَعْمَى فِي غَايَةِ الْكَمَالِ الْفَهْمِيِّ وَالْعِلْمِ الذَّوْقِيِّ، وَإِنْ نَقَصَ تَمَتُّعُهُ الدُّنْيَوِيُّ (وَ) فِي إزَالَتِهِ (مِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ) مِنْ الدِّيَةِ لَا لِتَعَدُّدِهِ بَلْ؛ لِأَنَّ ضَبْطَ النَّقْصِ بِالْمَنْفَذِ أَوْلَى وَأَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ (وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ) مِنْ الدِّيَةِ وَرُدَّ بِأَنَّ السَّمْعَ وَاحِدٌ كَمَا تَقَرَّرَ بِخِلَافِ الْبَصَرِ فَإِنَّهُ مُتَعَدِّدٌ بِتَعَدُّدِ الْحَدَقَةِ جَزْمًا وَمَحَلُّ وُجُوبِ الدِّيَةِ هُنَا حَيْثُ لَمْ يَشْهَدْ خَبِيرَانِ بِبَقَائِهِ فِي مَقَرِّهِ وَلَكِنْ ارْتَتَقَ دَاخِلَ الْأُذُنِ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ دُونَ الدِّيَةِ
ــ
[حاشية الشرواني]
عَلَيْهِ لَوْ ادَّعَى زَمَنَ إفَاقَتِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ صَرَّحَ بِذَلِكَ ع ش (قَوْلُهُ بَلْ مِنْ وَلِيِّهِ) وَمِنْهُ مَنْصُوبُ الْحَاكِمِ مَحَلِّي وَمُغْنِي (قَوْلُهُ وَإِذَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ تِلْكَ الْجِنَايَةُ مِمَّا يُزِيلُهُ عَادَةً (قَوْلُهُ وَأَنْكَرَ الْجَانِي) أَيْ وَنَسَبَهُ إلَى التَّجَانُنِ مُغْنِي (قَوْلُهُ صَدَّقَهُ إلَخْ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ حَلَفَ) أَيْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ع ش.
(قَوْلُهُ إجْمَاعًا) إلَى قَوْلِهِ يُرَدُّ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُدْرَكُ إلَى؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ وَإِلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَفِي ضَوْءِ كُلِّ عَيْنٍ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ) أَيْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ السِّتِّ (قَوْلُهُ وَفِي كُلِّ الْأَحْوَالِ) أَيْ مِنْ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ (قَوْلُهُ وَالْبَصَرُ يَتَوَقَّفُ) أَيْ الْإِدْرَاكُ بِهِ (قَوْلُهُ عَلَى السَّمْعِ) أَيْ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ) أَيْ الْبَصَرُ (قَوْلُهُ يُرَدُّ إلَخْ) خَبَرُ وَزَعْمُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ فَوَائِدُهَا دُنْيَوِيَّةٌ) قَالَ سم هَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى إدْرَاكِهَا التَّفَكُّرُ فِي مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْبَدِيعَةِ الْعَجِيبَةِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَقَدْ يَكُونُ نَفْسُ إدْرَاكِهَا طَاعَةً كَمُشَاهَدَةِ نَحْوِ الْكَعْبَةِ وَالْمُصْحَفِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَتَوَجَّهُ مَنْعًا عَلَى الشَّارِحِ كَابْنِ حَجَرٍ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا ادَّعَيَا أَنَّ أَكْثَرَ مُتَعَلِّقَاتِ الْبَصَرِ دُنْيَوِيَّةٌ وَهَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ فِيهِ وَلَمْ يَدَّعِيَا أَنَّ جَمِيعَهَا دُنْيَوِيٌّ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِمَا النَّقْصُ بِهَذِهِ الْجُزْئِيَّاتِ رَشِيدِيٌّ أَقُولُ هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَا عَبَّرَا بِأَنَّ أَكْثَرَ إلَخْ وَأَمَّا عَلَى مَا فِي نُسَخِهِمَا مِنْ التَّعْبِيرِ بِأَنَّ كَثْرَةَ إلَخْ فَلَا فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرُ أَنَّ هَذِهِ التَّعَلُّقَاتِ الْكَثِيرَةَ جَمِيعَهَا فَوَائِدُ دُنْيَوِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَعْمَى إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مَنْ خُلِقَ إلَخْ وَيُحْتَمَلُ عَلَى أَصَمَّ.
(قَوْلُهُ مِنْ الدِّيَةِ) إلَى قَوْلِهِ وَيَحْلِفُ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ إلَى فَلَا شَيْءَ وَقَوْلُهُ وَلَا يَكْفِيهِ إلَى الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ عَرَفَ، أَوْ قَالَ إنَّهُ (قَوْلُهُ لَا لِتَعَدُّدِهِ) أَيْ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ مُغْنِي (قَوْلُهُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ الضَّبْطِ بِغَيْرِ الْمَنْفَذِ (قَوْلُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ السَّمْعَ إلَخْ) فِيهِ مَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ سم أَيْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ هَذَا الْقِيلِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السَّمْعَ وَاحِدٌ فَلَا يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِأَنَّ السَّمْعَ وَاحِدٌ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَنَّ السَّمْعَ وَاحِدٌ) أَيْ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الدِّيَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي تَنْبِيهٌ لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْ تَحَقُّقِ زَوَالِهِ فَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ يَعُودُ وَقَدَّرُوا لَهُ مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَعِيشَ إلَيْهَا انْتَظَرَتْ فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُقَدِّرُوا لَهُ مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالُوا لَطِيفَةُ السَّمْعِ بَاقِيَةٌ فِي مَقَرِّهَا وَلَكِنْ ارْتَتَقَ مَنْفَذُ السَّمْعِ وَالسَّمْعُ بَاقٍ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ فَتْقُهُ لَا دِيَةَ لِبَقَاءِ السَّمْعِ فَإِنْ رُجِيَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ اهـ.
(قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ يَشْهَدْ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ حَيْثُ تَحَقَّقَ زَوَالَهُ فَلَوْ قَالَ خَبِيرَانِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ ارْتَتَقَ) أَيْ انْسَدَّ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ شَهِدَ خَبِيرَانِ بِبَقَائِهِ إلَخْ ع ش (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ) أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى عَيْنَيْهِ فَصَارَ لَا يُبْصِرُ لَكِنْ شَهِدَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِبَقَاءِ لَطِيفَةِ الْبَصَرِ لَكِنْ نَزَلَ بِالْجِنَايَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِهَا لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ بَلْ الْحُكُومَةُ وَقِيَاسُ ذَلِكَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي قَلْعِ الْعَيْنَيْنِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ تِلْكَ اللَّطِيفَةِ فَلْيُرَاجَعْ بِكَشْفٍ بَكْرِيٌّ سم (قَوْلُهُ دُونَ الدِّيَةِ) أَيْ لَا الدِّيَةُ نِهَايَةٌ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
تُثْبِتُ جُنُونَهُ إلَخْ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الدَّعْوَى تَتَعَلَّقُ بِالْوَلِيِّ وَالْيَمِينَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَارَةً تَنْتَفِي عَنْهُ بِأَنْ دَامَ جُنُونُهُ وَتَارَةً تَثْبُتُ فِي حَقِّهِ بِأَنْ يُقْطَعَ (قَوْلُهُ زَمَنَ إفَاقَتِهِ) يَنْبَغِي حِينَئِذٍ صِحَّةُ دَعْوَاهُ بَلْ تَعَيُّنُهَا وَقَضِيَّةُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ زَمَنَ جُنُونِهِ اعْتَدَّ بِذَلِكَ وَحَلَفَ هُوَ زَمَنَ إفَاقَتِهِ (قَوْلُهُ كَسَائِرِ الْمَعَانِي) بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَجْرَامِ لَا تَسْقُطُ بِعَوْدِهَا إلَّا سِنٌّ غَيْرُ مَثْغُورٍ وَسَلْخُ الْجِلْدِ إذَا نَبَتَ وَالْإِفْضَاءُ إذَا الْتَحَمَ م ر
(قَوْلُهُ فَوَائِدُهَا دُنْيَوِيَّةٌ) هَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى إدْرَاكِهَا التَّفَكُّرُ فِي مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْبَدِيعَةِ الْعَجِيبَةِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَقَدْ يَكُونُ نَفْسُ إدْرَاكِهَا طَاعَةً كَمُشَاهَدَةِ نَحْوِ الْكَعْبَةِ وَالْمُصْحَفِ وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِدْرَاكِ إنْقَاذُ مُحْتَرَمٍ مِنْ مَهْلَكٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى وَأَيْضًا فَمِنْ فَوَائِدِ الْإِبْصَارِ مُشَاهَدَةُ ذَاتِهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ، أَوْ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا كَمَا وَقَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَلَا أَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَرُدَّ إلَخْ) فِيهِ مَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ إلَخْ) أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى عَيْنِهِ فَصَارَ لَا يُبْصِرُ لَكِنْ شَهِدَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِبَقَاءِ لَطِيفَةِ الْبَصَرِ لَكِنْ نَزَلَ بِالْجِنَايَةِ مَا يَمْنَعُ