للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا عَدَاهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لَهُ فَذُكِرَ لِذَلِكَ، وَالْحَدُّ ثَمَّ مُتَعَدِّدٌ بِتَعَدُّدِ فَاعِلِهِ وَمُخْتَلِفٌ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَهُوَ التَّغْرِيبُ فَحُذِفَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ التَّخْصِيصُ بِبَعْضِهَا فَهُمَا صَنِيعَانِ لِكُلٍّ مَلْحَظٌ، فَإِنْ قُلْت قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَبَّرَ فِي التَّنْبِيهِ بِحَدِّ السَّرِقَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْقَطْعِ قُلْت إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ الْحَسْمَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ أَوْ عَلَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ خَامِسَةً أَوْ وَلَا أَرْبَعَ لَهُ أَوْ وَلَا تَكْلِيفَ يَكُونُ تَعْزِيرُهُ الَّذِي ذَكَرُوهُ حَدًّا، لَهُ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْحَدَّ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَالتَّعْزِيرَ بِخِلَافِهِ وَمَا هُنَا غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَتَعَذَّرَ كَوْنُهُ حَدًّا، وَنَصَّ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّ تَعْزِيرَ الصَّبِيِّ أَيْ الْمُمَيِّزِ وَالْقَاضِي عَلَى أَنَّ تَعْزِيرَ الْمَجْنُونِ الَّذِي لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ حَدٌّ لَهُ فِيهِ تَجَوُّزٌ ظَاهِرٌ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ (السَّرِقَةِ) هِيَ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَوْ بِفَتْحٍ أَوْ كَسْرٍ فَسُكُونٌ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً، وَشَرْعًا أَخْذُ مَالٍ خُفْيَةً مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَلَمَّا شَكَّك الْمُلْحِدُ الْمَعَرِّيُّ بِقَوْلِهِ:

يَدٌ بِخَمْسِ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ... مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارِ

،؟ أَجَابَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ بِجَوَابٍ بَدِيعٍ مُخْتَصَرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ:

وِقَايَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا ... وِقَايَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي

، أَيْ لَوْ وُدِيَتْ بِالْقَلِيلِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَطْرَافِ الْمُؤَدِّيَةِ لِإِزْهَاقِ النُّفُوسِ لِسُهُولَةِ الْغُرْمِ فِي مُقَابَلَتِهَا وَلَوْ لَمْ يُقْطَعْ إلَّا فِي الْكَثِيرِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَأَجَابَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَمِينَةً كَانَتْ ثَمِينَةً فَلَمَّا خَانَتْ هَانَتْ.

وَأَرْكَانُ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةٌ، كَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَاتِهِمْ وَهُوَ صَحِيحٌ إذْ الْمُرَادُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ مُطْلَقُ الْأَخْذِ خُفْيَةً وَبِالْأُولَى الْأَخْذُ خُفْيَةً مِنْ حِرْزٍ، وَسَارِقٌ وَمَسْرُوقٌ وَلِطُولِ الْكَلَامِ فِيهِ بَدَأَ بِهِ فَقَالَ (يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ فِي الْمَسْرُوقِ) أُمُورٌ (كَوْنُهُ رُبُعَ دِينَارٍ) أَيْ مِثْقَالٍ ذَهَبًا مَضْرُوبًا كَمَا فِي الْخَبَرِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ وَشَذَّ مَنْ قَطَعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَخَبَرِ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ أَوْ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» إمَّا أُرِيدَ بِالْبَيْضَةِ فِيهِ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ وَبِالْحَبْلِ مَا يُسَاوِي رُبُعًا أَوْ الْجِنْسُ أَوْ أَنَّ مِنْ شَأْنِ السَّرِقَةِ أَنَّ صَاحِبَهَا يَتَدَرَّجُ مِنْ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ حَتَّى تُقْطَعَ يَدُهُ (خَالِصًا) وَإِنْ تَحَصَّلَ مِنْ مَغْشُوشٍ

ــ

[حاشية الشرواني]

الْمُصَاهَرَةِ وَاسْتِرْقَاقِ الْوَلَدِ الْحَاصِلِ بِهِ لِعَدَمِ نِسْبَتِهِ لِلْوَاطِئِ وَتَرَتُّبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ كَتَرَتُّبِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ بَلْ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا مُشْتَرَكَةٌ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَمَا عَدَاهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ) أَيْ:؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا أَصَالَةٌ فِي الْحُدُودِ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ بَابِ الرِّدَّةِ بِكِتَابِ الْحُدُودِ وَجَعَلَهُ أَبْوَابًا مِنْهَا بَابُ السَّرِقَةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ ابْنِ قَاسِمٍ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيَانَ أَحْكَامِ الْقَطْعِ مَقْصُودَةٌ بِالذَّاتِ وَبَيَانَ أَحْكَامِ نَفْسِ السَّرِقَةِ مَقْصُودَةٌ بِالتَّبَعِ انْتَهَى، وَمِمَّا يَدْفَعُهُ أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ وَالشَّارِحَ لَمْ يَجْعَلَا أَحْكَامَ السَّرِقَةِ تَابِعَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَإِنَّمَا جَعَلَاهَا تَابِعَةً هُنَا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ الْحُدُودِ كَمَا تَقَرَّرَ اهـ رَشِيدِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَذُكِرَ) أَيْ: لَفْظُ قَطْعِ لِذَلِكَ أَيْ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ وَالْحَدَّ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْقَطْعِ ثَمَّ أَيْ: فِي الزِّنَا (قَوْلُهُ فَحَذَفَ) أَيْ لَفْظَ حَدٍّ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ التَّخْصِيصُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ ذِكْرُهُ مَعَ تَوَهُّمِ التَّخْصِيصِ بِبَعْضِهَا أَهْوَنُ مِنْ حَذْفِهِ الْمُوهِمِ عَدَمَ إرَادَتِهِ رَأْسًا وَالْمُوهِمِ إرَادَةَ بَعْضِهَا إذْ الْحَذْفُ لَا يَمْنَعُ الْإِيهَامَ اهـ سم (قَوْلُهُ بِبَعْضِهَا) أَيْ: الْحُدُودِ فِي الزِّنَا اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُمَا إلَخْ) أَيْ: ذِكْرُ الْقَطْعِ هُنَا وَحَذْفُ الْحَدِّ فِي الزِّنَا (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ تَعْبِيرُ التَّنْبِيهِ (قَوْلُهُ قُلْت: إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الضَّعِيفِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ فِي عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِمَّا أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ الشَّامِلَةَ لِسَائِرِ الْأَقْوَالِ أَحْسَنُ مِنْ الْمُخْتَصَّةِ بِبَعْضِهَا اهـ سم (قَوْلُهُ خَامِسَةً) أَيْ: مَرَّةً خَامِسَةً.

(قَوْلُهُ أَوْ وَلَا أَرْبَعَ إلَخْ) أَيْ: أَطْرَافَ أَرْبَعٍ عَطْفٌ عَلَى خَامِسَةٍ (قَوْلُهُ يَكُونُ إلَخْ) خَبَرُ أَنَّ (قَوْلُهُ وَالْقَاضِي) عَطْفٌ عَلَى الْأُمِّ (قَوْلُهُ حَوْلُهُ) خَبَرُ أَنَّ وَقَوْلُهُ فِيهِ تَجَوُّزٌ إلَخْ خَبَرُ وَنَصُّ الْأُمِّ (قَوْلُهُ هِيَ بِفَتْحٍ) إلَى قَوْلِهِ وَلَمَّا شَكَّك فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ كَذَا وَقَعَ إلَى وَسَارِقٍ (قَوْلُهُ أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ أَوْ لَا اهـ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ أَخْذُ مَالٍ خُفْيَةً) زَادَ الْمُغْنِي ظُلْمًا اهـ وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ بَعْضِ صُوَرِ الظُّلْمِ سَيِّدْ عُمَرْ (قَوْلُهُ فِيهَا) أَيْ: فِي الْقَطْعِ بِهَا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ وَلَمَّا شَكَّك إلَخْ) أَيْ: عَلَى الشَّرِيعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ اهـ مُغْنِي. .

(قَوْلُهُ وَأَرْكَانُ السَّرِقَةِ) إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ فِي عِبَارَاتِهِمْ) أَيْ: كَشَرْحِ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ) أَيْ: مَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمْ (قَوْلُهُ إذْ الْمُرَادُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى الشَّرْعِيَّةُ وَبِالثَّانِيَةِ اللُّغَوِيَّةُ فَلَا تَهَاوُنَ اهـ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ الْأَخْذُ خُفْيَةً مِنْ حِرْزٍ) أَيْ: إلَى آخِرِهِ اهـ سم (قَوْلُ الْمَتْنِ رُبُعَ دِينَارٍ) وَرُبُعُ الدِّينَارِ يَبْلُغُ الْآنَ نَحْوَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ نِصْفَ فِضَّةٍ اهـ ع ش (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» اهـ.

(قَوْلُهُ وَشَذَّ مَنْ قَطَعَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَقَالَ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْقَلِيلِ وَلَا يُشْتَرَطُ النِّصَابُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِلصَّحِيحِ لَعَنَ اللَّهُ إلَخْ وَأُجِيبَ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْحَدِيثِ وَعَمًّا فِي الصَّحِيحِ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا مَا قَالَهُ الْأَعْمَشُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا بَيْضَةُ الْحَدِيدِ وَالْحَبْلُ الَّذِي يُسَاوِي دَرَاهِمَ كَحَبْلِ السَّفِينَةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ وَالثَّانِي حَمْلُهُ عَلَى جِنْسِ الْبِيضِ وَالْحِبَالِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا وَتَدْرِيجًا مِنْ هَذَا إلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ إمَّا أُرِيدَ إلَخْ) خَبَرُ قَوْلِهِ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

قَوْلُهُ فَحُذِفَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ التَّخْصِيصُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ ذِكْرُهُ مَعَ تَوَهُّمِ التَّخْصِيصِ بِبَعْضِهَا أَهْوَنُ مِنْ حَذْفِهِ الْمُوهِمِ عَدَمَ إرَادَتِهِ رَأْسًا وَالْمُوهِمِ إرَادَةَ بَعْضِهَا إذْ الْحَذْفُ لَا يَمْنَعُ الْإِيهَامَ (قَوْلُهُ قُلْت إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ الْحَسْمَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ أَوْ عَلَى أَنَّ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ فِي عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِمَّا أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ الشَّامِلَةَ لِسَائِرِ الْأَقْوَالِ أَحْسَنُ مِنْ الْمُخْتَصَّةِ بِبَعْضِهَا.

(قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>