بِشَدِّ ثِيَابِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا كُلَّمَا تَكَشَّفَتْ وَلَا يَتَوَلَّى الْجَلْدَ إلَّا رَجُلٌ وَاسْتَحْسَنَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا أَحْدَثَهُ وُلَاةُ الْعِرَاقِ مِنْ ضَرْبِهَا فِي نَحْوِ غِرَارَةٍ مِنْ شَعْرٍ زِيَادَةً فِي سَتْرِهَا وَأَنَّ الْمُتَهَافِتَ عَلَى الْمَعَاصِي يُضْرَبُ فِي الْمَلَأِ وَذَا الْهَيْئَةِ يُضْرَبُ فِي الْخَلَاءِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ لَكِنْ لَا يَتَوَلَّى نَحْوَ شَدِّ ثِيَابِهَا إلَّا مَحْرَمٌ عَلَى الْأَوْجَهِ (وَيُوَالَى الضَّرْبُ) عَلَيْهِ (بِحَيْثُ يَحْصُلُ) لَهُ (زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ) بِأَنْ يُضْرَبَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَا يُؤْلِمُهُ أَلَمًا لَهُ وَقْعٌ ثُمَّ يُضْرَبُ الثَّانِيَةَ وَقَدْ بَقِيَ أَلَمُ الْأَوَّلِ فَإِنْ فَاتَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَحَرُمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(فَصْلٌ)
فِي التَّعْزِيرِ وَهُوَ لُغَةً مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ وَعَلَى التَّأْدِيبِ وَعَلَى أَشَدِّ الضَّرْبِ وَعَلَى ضَرْبٍ دُونَ الْحَدِّ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ غَلَطٌ لِأَنَّ هَذَا وَضْعٌ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ لِأَهْلِ اللُّغَةِ الْجَاهِلِينَ بِذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ وَاَلَّذِي فِي الصِّحَاحِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ بِالضَّرْبِ وَمِنْهُ سُمِّيَ ضَرْبُ مَا دُونَ الْحَدِّ تَعْزِيرًا فَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ هُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الضَّرْبِ دُونَ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ فَهُوَ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِمَا الْمَنْقُولَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهَا بِزِيَادَةٍ وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ مُهِمَّةٌ تَفَطَّنَ لَهَا صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَغَفَلَ عَنْهَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ وَقَدْ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَكُلُّهُ غَلَطٌ يَتَعَيَّنُ التَّفَطُّنُ لَهُ وَأَصْلُهُ الْعَزْرُ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ الْمَنْعُ وَالنِّكَاحُ وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْأَمْرِ وَالتَّوْقِيفُ عَلَى الْحَقِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَمَا قُلْنَا إنَّهُ شَرْعِيٌّ هُوَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ (لَا حَدَّ فِيهَا) أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْقَوَدَ لِيَدْخُلَ نَحْوُ قَطْعِ طَرَفٍ (وَلَا كَفَّارَةَ) سَوَاءٌ مُقَدِّمُهُ مَا فِيهِ حَدٌّ وَغَيْرُهَا إجْمَاعًا وَلِأَمْرِهِ تَعَالَى الْأَزْوَاجَ بِالضَّرْبِ عِنْدَ النُّشُوزِ وَلِمَا صَحَّ مِنْ
ــ
[حاشية الشرواني]
وَيُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهَا امْرَأَةٌ أَوْ مَحْرَمٌ وَيَكُونُ بِقُرْبِهَا وَإِنْ تَكَشَّفَتْ سَتَرَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ: وُجُوبًا إلَخْ) أَيْ: حَيْثُ تَرَتَّبَ نَظَرٌ مُحَرَّمٌ عَلَى التَّكَشُّفِ فِيمَا يَظْهَرُ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ بِشَدِّ ثِيَابِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا) وَيُتَّجَهُ وُجُوبُهُ نِهَايَةٌ أَيْ: وُجُوبُ الشَّدِّ ع ش (قَوْلُهُ كُلَّمَا تَكَشَّفَتْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ كَيْ لَا تَنْكَشِفَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَلَّى الْجَلْدَ إلَّا رَجُلٌ) يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْمُتَهَافِتَ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مَا أَحْدَثَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ إلَّا مَحْرَمٌ) أَيْ: وَنَحْوُهُ مُغْنِي وَأَسْنَى قَالَ ع ش فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَحْرَمُ تَوَلَّاهُ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا فِي غُسْلِهِ إذَا مَاتَ وَلَا مَحْرَمَ لَهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ بِأَنْ يَضْرِبَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَخْ) أَيْ: فَيَكْفِي هَذَا فِي الْمُوَالَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا حَقِيقَةُ الْمُوَالَاةِ الْوَاجِبَةِ حَتَّى يَمْتَنِعَ خِلَافُهُ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَضْرِبُ الثَّانِيَةَ) وَلَوْ جَلَدَ لِلزِّنَا خَمْسِينَ وَلَاءً وَفِي غَدِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَ مُغْنِي وَرَوْضٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ أَلَمِ الْأُولَى) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ رَضِيَ بِهِ الْمَحْدُودُ أَوْ لَا، وَجَّهَهُ الزِّيَادِيُّ بِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْإِمَامِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ تَعْزِيرًا فَهَذَا أَوْلَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ فَإِنْ فَاتَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْإِيلَامِ وَمِنْ كَوْنِهِ لَهُ وَقْعٌ وَمِنْ الْمُوَالَاةِ اهـ رَشِيدِيٌّ.
(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ) (قَوْلُهُ فِي التَّعْزِيرِ) إلَى قَوْلِهِ قِيلَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ إلَى وَأَصْلُهُ وَقَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ إلَى وَمَا قُلْنَا وَقَوْلُهُ الْمَشْهُورُ إلَى أَقِيلُوا (قَوْلُهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ) أَيْ: فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَالضَّرْبُ الْآتِي لَيْسَ تَمَامُ ضِدِّ التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ ضِدِّ ذَلِكَ الْإِهَانَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ) أَيْ: لُغَةً وَقَوْلُهُ وَالتَّعْظِيمِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَعَلَى التَّأْدِيبِ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُغْنِي كَمَا تَأْتِي عِبَارَتُهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى أَشَدِّ الضَّرْبِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى أَصْلِ الضَّرْبِ وَلَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ الصِّحَاحِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ) أَيْ قَوْلُهُ وَعَلَى ضَرْبٍ دُونَ الْحَدِّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَضْعٌ شَرْعِيٌّ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ سَبْرُ صَنِيعِ الْقَامُوسِ قَاضٍ بِأَنَّهُ يُدْرَجُ فِيهِ الْمُصْطَلَحَاتُ الْخَاصَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَغَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ أَصْلُ وَضْعِ كِتَابِهِ لِمَوْضُوعَاتِ اللُّغَةِ، كَمَا أَنَّهُ عُرِفَ مِنْ سَيْرِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ وَاقِعٌ عَنْ قَصْدٍ وَكَأَنَّ الدَّاعِيَ لَهُ الرَّغْبَةُ فِي مَزِيدِ الِاخْتِصَارِ وَإِلَّا فَالتَّمْيِيزُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُهِمٌّ اهـ سَيِّدْ عُمَرْ، عِبَارَةُ ع ش وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْقَامُوسَ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْمَجَازَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً بِوَضْعٍ شَرْعِيٍّ وَالْمَجَازُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ شَخْصِهِ بَلْ يَكْفِي سَمَاعُ نَوْعِهِ اهـ أَقُولُ وَقَدْ يَدْفَعُ كُلًّا مِنْ جَوَابِ السَّيِّدِ عُمَرَ وَجَوَابِ ع ش قَوْلُ صَاحِبِ الْقَامُوسِ هُنَا وَهُوَ لُغَةً إلَخْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ وَيُرَادُ بِقَوْلِهِ يُطْلَقُ إلَخْ مُطْلَقُ الْإِطْلَاقِ الشَّامِلِ لِلْمَجَازِيِّ.
(قَوْلُهُ ضَرْبِ مَا دُونَ الْحَدِّ) مَا زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ الْعَزْرُ إلَخْ) أَيْ: مُشْتَقٌّ مِنْهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَصْدَرٌ مَزِيدٌ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُجَرَّدِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَنْعُ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُغْنِي.
(قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ) أَيْ الْجِمَاعُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ عِبَارَتُهُ وَهُوَ لُغَةً التَّأْدِيبُ وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: ٩] أَيْ: تَدْفَعُوا الْعَدُوَّ عَنْهُ وَتَمْنَعُوهُ، وَيُخَالِفُ الْحَدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَتَعْزِيرُ ذَوِي الْهَيْئَاتِ أَخَفُّ وَيُسَوَّوْنَ فِي الْحُدُودِ، الثَّانِي تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ وَالْعَفْوُ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ، الثَّالِثُ التَّالِفُ بِهِ مَضْمُونٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَشَرْعًا تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَا قُلْنَا أَنَّهُ شَرْعِيٌّ) وَهُوَ الْأَخِيرُ فِي كَلَامِ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ) إلَى قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَلِمَا صَحَّ إلَى وَلِخَبَرِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ السَّابِقِ أَوْ لِآدَمِيٍّ عَطْفًا كَمَا فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ مُقَدِّمَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ) كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ وَالسَّبُّ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ مُغْنِي وَشَرْحُ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا) كَالتَّزْوِيرِ وَشَهَادَةِ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
فَصْلٌ يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ إلَخْ)
(قَوْلُهُ فَكَيْفَ يُنْسَبُ لِأَهْلِ اللُّغَةِ الْجَاهِلِينَ بِذَلِكَ) لَا يُقَالُ هَذَا لَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ تَعَالَى إنَّمَا وَضَعَ اللُّغَةَ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ مَعَ