للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَبْلَ الْهِجْرَةِ مُمْتَنِعًا؛ لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ الْأَمْرِ هُوَ التَّبْلِيغُ وَالْإِنْذَارُ وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ تَأَلُّفًا لَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَهَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ بَعْدَ أَنْ نَهَى عَنْهُ فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ آيَةً إذَا ابْتَدَأَهُمْ الْكُفَّارُ بِهِ فَقَالَ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: ١٩٠] وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْإِذْنِ فِيهِ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩] أَيْ: أُذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ بِدَلِيلِ يُقَاتَلُونَ، ثُمَّ أَبَاحَ الِابْتِدَاءَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: ٥] الْآيَةَ. ثُمَّ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ أَمَرَ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِقَوْلِهِ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] ، وَهَذِهِ هِيَ آيَةُ السَّيْفِ، وَقِيلَ: الَّتِي قَبْلَهَا، وَقِيلَ: هُمَا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ حِينِ الْهِجْرَةِ كَانَ (فَرْضَ كِفَايَةٍ) ، لَكِنْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ إجْمَاعًا بِالنِّسْبَةِ لِفَرْضِيَّتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى فَاضَلَ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ وَالْقَاعِدِينَ، وَوَعَدَ كُلًّا الْحُسْنَى بِقَوْلِهِ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: ٩٥] الْآيَةَ، وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بِهَا وَلَا يُفَاضَلُ بَيْنَ مَأْجُورٍ وَمَأْزُورٍ (تَنْبِيهٌ)

مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ، وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ أَنَّهُ مِنْ حِينِ الْهِجْرَةِ كَانَ يَجِبُ كُلَّ سَنَةٍ فَبَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ، (وَقِيلَ: فَرْضُ عَيْنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: ٣٩] ، وَالْقَاعِدُونَ فِي الْآيَةِ كَانُوا حُرَّاسًا، وَرَدُّوهُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَعِيدَ لِمَنْ عَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَعَيُّنِ الْإِجَابَةِ حِينَئِذٍ أَوْ عِنْدَ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ مُطْلَقًا لَتَعَطَّلَ الْمَعَاشُ

. (وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِلْكُفَّارِ) الْحَرْبِيِّينَ (حَالَانِ أَحَدُهُمَا يَكُونُونَ) أَيْ كَوْنُهُمْ (بِبِلَادِهِمْ) مُسْتَقِرِّينَ فِيهَا غَيْرَ قَاصِدِينَ شَيْئًا (فَ) الْجِهَادُ حِينَئِذٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إجْمَاعًا، كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَيَحْصُلُ إمَّا بِتَشْحِينِ الثُّغُورِ، وَهِيَ مَحَالُّ الْخَوْفِ الَّتِي تَلِي بِلَادَهُمْ بِمُكَافِئِينَ لَهُمْ، لَوْ قَصَدُوهَا مَعَ إحْكَامِ الْحُصُونِ وَالْخَنَادِقِ، وَتَقْلِيدُ ذَلِكَ لِلْأُمَرَاءِ الْمُؤْتَمَنِينَ الْمَشْهُورِينَ بِالشَّجَاعَةِ وَالنُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِمَّا بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِشَرْطِهِ دَارَهُمْ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ.

وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ بَعْثُهَا فِي جَمِيعِ نَوَاحِي بِلَادِهِمْ وَجَبَ، وَأَقَلُّهُ مَرَّةً فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِذَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ، هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَلَا يُنَافِيهِ كَلَامُ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَصَرِيحُهُ الِاكْتِفَاءُ

ــ

[حاشية الشرواني]

وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ وَقِيلَ: بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ فُرِضَ الصَّوْمُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ تَقْرِيبًا، وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ بَعْدَ الصَّوْمِ وَقِيلَ: قَبْلَهُ وَقِيلَ: فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قِيلَ: فِي نِصْفِ شَعْبَانَ وَقِيلَ: فِي رَجَبٍ مِنْ الْهِجْرَةِ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ وَفِيهَا فُرِضَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَفِيهَا ابْتَدَأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ ثُمَّ عِيدِ الْأَضْحَى ثُمَّ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ سِتٍّ «وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا» اهـ.، وَكَذَا فِي الرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ إلَّا قَوْلَهُ: قَدْ جَرَتْ إلَى بَعْثِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إلَى ثُمَّ فُرِضَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ) إلَى التَّنْبِيهِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ: وَقِيلَ: إلَى الْمَتْنِ، وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: بَعْدَ أَنْ نُهِيَ عَنْهُ فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ آيَةً إلَخْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَهَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ ثَلَاثَةَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مَبْعَثِهِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَأَقَامَ بِهَا عَشْرًا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إذَا ابْتَدَءُوا بِهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِنَهَى اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) الْمُرَادُ بِهَا الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ لَكِنَّهُمْ أَبْدَلُوا رَجَبًا بِشَوَّالٍ وَكَانُوا تَعَاهَدُوا عَلَى عَدَمِ الْقِتَالِ فِيهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: عَلَى الْإِطْلَاقِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطٍ وَلَا زَمَانٍ مُغْنِي وَأَسْنَى. (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ) أَيْ: آيَةُ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٣٦] إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] ع ش. (قَوْلُهُ: عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ) أَيْ: بِقَوْلِهِ السَّابِقِ ثُمَّ بَعْدَهَا أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ إلَخْ سم وَرُشَيْدِيٌّ أَيْ: مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي أَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا فَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: ٩٥] إلَخْ. (قَوْلُهُ: مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ: مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُ شَيْخِنَا إلَخْ) صَدَّرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِالْإِطْلَاقِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْآخِرِ التَّفْصِيلَ فَيُنَزَّلُ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَيَسْقُطُ اعْتِرَاضُهُ اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى) إلَى قَوْلِهِ: هَذَا مَا صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالْقَاعِدُونَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَقَائِلُهُ قَالَ: كَانَ الْقَاعِدُونَ حُرَّاسًا لِلْمَدِينَةِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْجِهَادِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَدُّوهُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَعِيدَ لِمَنْ عَيَّنَهُ إلَخْ) وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْأَنْصَارِ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَايَعُوا عَلَيْهِ قَالَ شَاعِرُهُمْ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا

، وَقَدْ يَكُونُ الْجِهَادُ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضَ عَيْنٍ بِأَنْ أَحَاطَ عَدُوٌّ بِالْمُسْلِمِينَ كَالْأَحْزَابِ مِنْ الْكُفَّارِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ مُقْتَضٍ لِتَعَيُّنِ جِهَادِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فَصَارَ لَهُمْ حَالَانِ خِلَافَ مَا يُوهِمُهُ قَوْلُهُ: أَيْ: الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا بَعْدُ إلَخْ اهـ. مُغْنِي

(قَوْلُهُ: مُسْتَقِرِّينَ) إلَى قَوْلِهِ: هَذَا مَا صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: الْمُؤْتَمَنِينَ إلَى وَأَمَّا بِأَنَّ، وَقَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ، وَقَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ إلَى، وَأَقَلُّهُ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَحَلُّهُ فِي الْغَزْوِ أَمَّا حِرَاسَةُ حُصُونِ الْمُسْلِمِينَ فَمُتَعَيِّنَةٌ فَوْرًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ تَشْحِينِ الثُّغُورِ وَدُخُولِ الْإِمَامِ إلَخْ قَالَ م ر: وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَكِنَّ الشِّهَابَ الْبُرُلُّسِيَّ رَدَّ ذَلِكَ، وَلَهُ فِيهِ تَصْنِيفٌ أَقَامَ فِيهِ الْبَرَاهِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ وَعَرَضَهُ عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ وَغَيْرِهِمْ فَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ ع ش وَرُشَيْدِيٌّ وَسَيَأْتِي عَنْ سم مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَائِبُهُ بِشَرْطِهِ) لَعَلَّهُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ آنِفًا: وَتَقْلِيدُ ذَلِكَ لِلْأُمَرَاءِ الْمُؤْتَمَنِينَ إلَخْ اهـ. ع ش وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ: الْآتِي فِي آخِرِ السِّوَادَةِ وَشَرْطُهُ إلَخْ فَيَكُونُ رَاجِعًا إلَى الْإِمَامِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ: قَوْلُهُ: وَيَحْصُلُ إمَّا بِتَشْحِينِ الثُّغُورِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَصَرِيحُهُ) أَيْ: هَذَا

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

الْجِهَادَ لَا يُنَافِي وُجُوبُهُ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: لَكِنْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ) أَيْ: بِقَوْلِهِ السَّابِقِ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>