مَا عَدَا مَسَاكِنَهُ وَأَبْنِيَتَهُ أَيْ وَقَفَهُ عُمَرُ. (عَلَى الْمُسْلِمِينَ) وَأَجَّرَهُ لِأَهْلِهِ إجَارَةً مُؤَبَّدَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ بِخَرَاجٍ مَعْلُومٍ يُؤَدُّونَهُ كُلَّ سَنَةٍ فَجَرِيبُ الشَّعِيرِ دِرْهَمَانِ وَالْبُرِّ أَرْبَعَةٌ وَالشَّجَرِ وَقَصَبِ السُّكْرِ سِتَّةٌ وَالنَّخْلِ ثَمَانِيَةٌ وَقِيلَ عَشْرَةٌ وَالْعِنَبِ عَشْرَةٌ وَالزَّيْتُونِ اثْنَا عَشَرَ وَجُمْلَةُ مِسَاحَةِ الْجَرِيبِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ وَالْبَاعِثُ لَهُ عَلَى وَقْفِهِ خَوْفُ اشْتِغَالِ الْغَانِمِينَ بِفِلَاحَتِهِ عَنْ الْجِهَادِ وَقِيلَ: لِئَلَّا يَخْتَصُّوهُمْ وَذُرِّيَّتَهُمْ بِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَخَرَاجُهُ) زَرْعًا أَوْ غَرْسًا. (أُجْرَةٌ) مُنَجَّمَةً. (تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ) مَثَلًا (لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ فَعَلَى هَذَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ شَيْءٍ مِمَّا عَدَا أَبْنِيَتَهُ وَمَسَاكِنَهُ وَقِيلَ لَمْ يَقِفهُ بَلْ بَاعَهُ لِأَهْلِهِ بِثَمَنٍ مُنَجَّمٍ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ لِلْمَصْلَحَةِ أَيْضًا وَهُوَ الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا يَبِيعُونَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَرُدَّ بِأَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْهُ وَأَبْطَلَ شِرَاءَهُ وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ إجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ، وَإِنَّمَا أَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَهْلِهَا بِخَرَاجٍ ضَرَبَهُ عَلَيْهِمْ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْوَقْفِ عَلَى ذِي الْيَدِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إقْرَارٍ لَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَنَا إذْ الْيَدُ لَا تُزَالُ شَرْعًا بِمُجَرَّدِ خَبَرٍ صَحِيحٍ وَيُرَدُّ الْأَوَّلُ بِأَنَّ إبْقَاءَهَا بِأَيْدِيهِمْ بِالْخَرَاجِ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ بَلْ هُوَ إجَارَةٌ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْمُعَاطَاةِ وَالثَّانِي بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي يَدٍ لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُ وَضْعِهَا فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي لَا تُنْزَعُ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إقْرَارٍ
أَمَّا مَا عُلِمَ أَصْلُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا غَيْرُ يَدِ مِلْكٍ لِكَوْنِهِ لَا يُمْلَكُ فَيُعْمَلُ بِذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَيْدِي بَعْدَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي مِلْكِ مَكَّةَ لِأَهْلِهَا وَعَدَمِهِ اسْتَنَدَ لِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إقْرَارٍ مِنْ ذِي الْيَدِ وَلَيْسَ مَلْحَظُهُ إلَّا مَا قَرَّرْتُهُ مِنْ الْعِلْمِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ بَلْ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِهَدْمِ مَا بِالْقَرَافَةِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ مُسْتَنِدًا فِي ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ وَقَفَهَا عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ. (وَهُوَ) أَيْ السَّوَادُ. (مِنْ) أَوَّلِ. (عَبَّادَانَ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ. (إلَى) آخِرِ. (حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ) بِفَتْحِ أَوَّلِيهِمَا. (طُولًا
ــ
[حاشية الشرواني]
فِي وَقْفِ حِصَّتِهِمْ لَهُمْ فَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِمْ فِيهَا. اهـ. سم (قَوْلُهُ: وَأَبْنِيَتِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَمَحَلُّهُ فِي الْبِنَاءِ إلَخْ. اهـ. ع ش
(قَوْلُهُ: لِلْمَصْلَحَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْأَسْنَى عَلَى خِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَجُوِّزَتْ كَذَلِكَ
لِلْمَصْلَحَةِ
الْكُلِّيَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا لَا يَجُوزُ فِي أَمْوَالِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَرِيبُ الشَّعِيرِ إلَخْ) وَالْجَرِيبُ عَشْرُ قَصَبَاتٍ كُلُّ قَصَبَةٍ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِالْهَاشِمِيِّ كُلُّ ذِرَاعٍ سِتُّ قَبَضَاتٍ كُلُّ قَبْضَةٍ أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَالْجَرِيبُ مِسَاحَةٌ مُرَبِّعَةٌ مِنْ الْأَرْضِ بَيْنَ كُلِّ جَانِبَيْنِ مِنْهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا هَاشِمِيًّا وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ: الْجَرِيبُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ. اهـ. أَسْنَى وَمُغْنِي عِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ الْجَرِيبُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي قُرَى مِصْرَ بِالْفَدَّانِ وَهُوَ عَشْرُ قَصَبَاتٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالشَّجَرُ) أَيْ: مَا عَدَا النَّخْلَ وَالْعِنَبَ وَالزَّيْتُونَ وَانْظُرْ حِكْمَةَ عَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِبَقِيَّةِ الْحُبُوبِ وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ تُقْصَدْ لِلزِّرَاعَةِ عَلَى حِدَةٍ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: وَالْبَاعِثُ لَهُ) أَيْ: لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
(قَوْلُهُ: خَوْفُ اشْتِغَالِ الْغَانِمِينَ إلَخْ) أَيْ: لَوْ تَرَكَهُ بِأَيْدِيهِمْ (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ: بِسَوَادِ الْعِرَاقِ.
(قَوْلُهُ: يَمْتَنِعُ) أَيْ: لِأَهْلِ السَّوَادِ بَيْعُ شَيْءٍ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ لِكَوْنِهِ صَارَ وَقْفًا وَلَهُمْ إجَارَتُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا مُؤَبَّدَةً كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَاكِنِيهِ إزْعَاجُهُمْ عَنْهُ وَيَقُولُ أَنَا أَسْتَقْبِلُهُ وَأُعْطِيَ الْخَرَاجَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا بِالْإِرْثِ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدِ بَعْضِ آبَائِهِمْ مَعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ مُغْنِي وَرَوْضٌ مَعَ شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ: الثَّمَنُ الْمُنَجَّمُ
(قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ الْوَقْفُ وَالْبَيْعُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ) أَيْ: عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
(قَوْلُهُ: أَقَرَّهَا) أَيْ: أَرْضَ السَّوَادِ (قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) عَطْفٌ عَلَى الْبُلْقِينِيِّ
(قَوْلُهُ: عَلَى ذِي الْيَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ أَيْ: مِنْ غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَلَا إقْرَارَ أَيْ: مِنْ ذِي الْيَدِ (قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ الْأَوَّلُ) أَيْ: نِزَاعُ الْبُلْقِينِيِّ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي أَيْ: نِزَاعُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ
(قَوْلُهُ: أَمَّا مَا عُلِمَ أَصْلُ وَضْعِ الْيَدِ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْيَدُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُ وَضْعِهَا إلَّا مِنْ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَقَدْ سُلِّمَ أَنَّ الْيَدَ لَا تَرْتَفِعُ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَهَذَا الرَّدُّ غَيْرُ وَاضِحٍ فَتَأَمَّلْهُ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ امْتِنَاعِ رَفْعِ الْيَدِ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. سم (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ) يُتَأَمَّلْ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ لَا يَمْلِكُ فَرْعُ ثُبُوتِ وَقْفِهِ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ: بِخَبَرٍ صَحِيحٍ
(قَوْلُهُ: فِي سَائِرِ الْأَيْدِي إلَخْ) لَعَلَّهُ عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِي تِلْكَ الْيَدُ الْمَوْضُوعَةُ عَلَيْهِ وَفِي سَائِرِ الْأَيْدِي إلَخْ (قَوْلُهُ: مِمَّا يُتَعَجَّبُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا عَجَبَ؛ لِأَنَّ اسْتِشْكَالَ الْمَنْقُولِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الِاعْتِمَادِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِلْإِفْتَاءِ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا ذُكِرَ وَصَحَّحَهُ مُخَالِفًا لِلْأَصْحَابِ فَيُحْتَمَلُ تَغَايُرُ الزَّمَنَيْنِ وَاخْتِلَافُ النَّظَرَيْنِ وَلَا عَجَبَ حِينَئِذٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَغَيُّر الِاجْتِهَادِ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ
(قَوْلُهُ: إنَّهُ أَفْتَى) أَيْ: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: أَيْ: السَّوَادُ) إلَى قَوْلِهِ وَمِنْ ثَمَّ فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى قَوْلِهِ انْتَهَى فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَمِنْ عُذَيْبِهَا إلَى الْمَتْنِ وَقَوْلَهُ وَعَكْسُ ذَلِكَ إلَى الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ: أَيْ: السَّوَادِ) أَيْ: سَوَادِ الْعِرَاقِ (قَوْلُ الْمَتْنِ مِنْ عَبَّادَانَ) مَكَان بِقُرْبِ الْبَصْرَةِ. اهـ. مُغْنِي (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ أَوَّلِيهِمَا) عِبَارَةُ الْمُغْنِي بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَقُيِّدَتْ الْحَدِيثَةُ بِالْمَوْصِلِ لِإِخْرَاجِ حَدِيثَةٍ أُخْرَى عِنْدَ بَغْدَادَ سُمِّيَتْ الْمَوْصِلَ؛ لِأَنَّ نُوحًا وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ لَمَّا نَزَلُوا عَلَى الْجُودِيِّ أَرَادُوا أَنْ يَعْرِفُوا قَدْرَ الْمَاءِ الْمُتَبَقِّي
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
أَمَّا مَا عُلِمَ أَصْلُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْيَدُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُ وَضْعِهَا إلَّا مِنْ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَقَدْ سُلِّمَ أَنَّ الْيَدَ لَا تَرْتَفِعُ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَهَذَا الرَّدُّ غَيْرُ وَاضِحٍ فَتَأَمَّلْهُ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ امْتِنَاعِ رَفْعِ الْيَدِ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إنَّ الْبَصْرَةَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَيُقَالُ لَهَا الْبُصَيْرَةُ بِالتَّصْغِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: وَيُقَالُ لَهَا تَدْمُرَ وَيُقَالُ لَهَا الْمُؤْتَفِكَةُ؛ لِأَنَّهَا ائْتَفَكَتْ بِأَهْلِهَا فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ: يُقَالُ الْبَصْرَةُ قُبَّةُ الْإِسْلَامِ وَخِزَانَةُ الْعَرَبِ بَنَاهَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فِي خِلَافِهِ عُمَرَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَسَكَنَهَا النَّاسُ سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ وَلَمْ يُعْبَدْ الصَّنَمُ قَطُّ عَلَى أَرْضِهَا هَكَذَا كَانَ يَقُولُ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْوَاعِظُ