هُنَا جَرْيًا عَلَى الْإِطْلَاقِ الثَّانِي
(فَائِدَتَانِ)
إحْدَاهُمَا قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ الْمَكْتُوبَاتِ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً أَنَّ زَمَنَ الْيَقِظَةِ مِنْ الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَاعَةً غَالِبًا اثْنَا عَشْرَ النَّهَارِ وَنَحْوُ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ مِنْ الْغُرُوبِ وَسَاعَتَيْنِ مِنْ قُبَيْلِ الْفَجْرِ فَجَعَلَ لِكُلِّ سَاعَةٍ رَكْعَةً لِتَجْبُرَ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ التَّقْصِيرَاتِ
ثَانِيَتُهُمَا اخْتِصَاصُ الْخَمْسِ بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ تَعَبُّدٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَأَبْدَى غَيْرُهُمْ لَهُ حُكْمًا مِنْ أَحْسَنِهَا تَذَكُّرُ الْإِنْسَانِ بِهَا نَشْأَتَهُ إذْ وِلَادَتُهُ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَنَشْؤُهُ كَارْتِفَاعِهَا وَشَبَابُهُ كَوُقُوفِهَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَكُهُولَتُهُ كَمَيْلِهَا وَشَيْخُوخَتُهُ كَقُرْبِهَا لِلْغُرُوبِ وَمَوْتُهُ كَغُرُوبِهَا وَفِيهِ نَقْصٌ فَيُزَادُ عَلَيْهِ وَفِنَاءُ جِسْمِهِ كَانْمِحَاقِ أَثَرِهَا وَهُوَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فَوَجَبَتْ الْعِشَاءُ حِينَئِذٍ تَذْكِيرًا بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ كَمَالَهُ فِي الْبَطْنِ وَتَهْيِئَتَهُ لِلْخُرُوجِ كَطُلُوعِ الْفَجْرِ الَّذِي هُوَ مُقَدِّمَةٌ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ الْمُشَبَّهِ بِالْوِلَادَةِ فَوَجَبَتْ الصُّبْحُ حِينَئِذٍ لِذَلِكَ أَيْضًا وَكَانَ حِكْمَةُ كَوْنِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ بَقَاءَ كَسَلِ النَّوْمِ وَالْعَصْرَيْنِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا تَوَفَّرَ النَّشَاطُ عِنْدَ هُمَا بِمُعَانَاةِ الْأَسْبَابِ وَكَانَ حِكْمَةُ خُصُوصِهَا تَرَكُّبَ الْإِنْسَانِ مِنْ عَنَاصِرَ أَرْبَعَةٍ وَفِيهِ أَخْلَاطٌ أَرْبَعَةٌ فَجُعِلَ لِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ النَّشَاطِ رَكْعَةً لِتُصْلِحَهُ وَتَعْدِلَهُ وَهَذَا أَوْلَى وَأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْقَفَّالِ إنَّمَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ آحَادِهَا عَشْرَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْعَدَدِ يَخْرُجُ أَصْلُهُ عَنْهَا، وَالْمَغْرِبُ ثَلَاثًا أَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَتَعُودُ عَلَيْهِ بَرَكَةُ الْوَتَرِيَّةِ «أَنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» وَلَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى الْبُتَيْرَاءُ مِنْ الْبَتْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَأُلْحِقَتْ الْعِشَاءُ بِالْعَصْرَيْنِ لِيَنْجَبِرَ نَقْصُ اللَّيْلِ عَنْ النَّهَارِ إذْ فِيهِ فَرْضَانِ وَفِي النَّهَارِ ثَلَاثَةٌ لِكَوْنِ النَّفْسِ عَلَى الْحَرَكَةِ فِيهِ أَقْوَى
(فَرْعٌ)
صَحَّ أَنَّ أَوَّلَ أَيَّامِ الدَّجَّالِ كَسَنَةٍ وَثَانِيَهَا كَشَهْرٍ وَثَالِثَهَا كَجُمُعَةٍ، وَالْأَمْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَقِيسَ بِهِ الْأَخِيرَانِ بِالتَّقْدِيرِ بِأَنْ تُحَرَّرَ قَدْرُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَتُصَلَّى، وَكَذَا الصَّوْمُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ الزَّمَانِيَّةِ وَغَيْرُ الْعِبَادَاتِ كَحُلُولِ الْآجَالِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَكَثَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً عِنْدَ قَوْمٍ مُدَّةً
(تَنْبِيهٌ)
ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمَوَاقِيتَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ ارْتِفَاعِ الْبِلَادِ فَقَدْ يَكُونُ الزَّوَالُ بِبَلَدٍ طُلُوعُهَا بِآخَرَ وَعَصْرًا بِآخَرَ وَمَغْرِبًا بِآخَرَ وَعِشَاءً بِآخَرَ وَمَا ذَكَرُوهُ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ ارْتِفَاعِ الْأَرْضِ لَا يُوَافِقُ كَلَامَ عُلَمَاءِ الْهَيْئَةِ، وَالْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى كُرَيَّةِ الْأَرْضِ، وَالْفَلَكِ دُونَ ارْتِفَاعِ الْأَرْضِ وَانْخِفَاضِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ ظُهُورٍ فِي الْحِسِّ إذْ أَعْظَمُ جَبَلٍ ارْتِفَاعًا عَلَى الْأَرْضِ فَرْسَخَانِ وَثُلُثُ فَرْسَخٍ
ــ
[حاشية الشرواني]
الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ إطْلَاقُهُ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ يُجَابُ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ الَّذِي فِيهَا إطْلَاقُ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ إنْ كَانَ مِنْهُ أَوْ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ إنْ كَانَ مِنْهُمَا بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ: فِي تَفْسِيرِ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَوَقْتِ الِاخْتِيَارِ
(قَوْلُهُ: فَائِدَتَانِ) إلَى قَوْلِهِ وَمَا ذَكَرُوهُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ قِيلَ وَقَوْلُهُ وَكَانَ حِكْمَةً إلَى وَالْمَغْرِبِ (قَوْلُهُ: وَكُهُولَتُهُ كَمَيْلِهَا) فَوَجَبَتْ الظُّهْرُ حِينَئِذٍ تَذْكِيرًا لِذَلِكَ وَ (قَوْلُهُ: شَيْخُوخَتُهُ كَقُرْبِهَا إلَخْ) أَيْ: فَوَجَبَتْ الْعَصْرُ حِينَئِذٍ تَذْكِيرًا لِذَلِكَ وَ (قَوْلُهُ: وَمَوْتُهُ كَغُرُوبِهَا) أَيْ فَوَجَبَتْ الْمَغْرِبُ حِينَئِذٍ تَذْكِيرًا لِذَلِكَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ: فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِكْمَةِ نَقْصٌ أَيْ لِسُكُوتِهِ عَنْ بَيَانِ حِكْمَةِ اخْتِصَاصِ الْعِشَاءِ، وَالصُّبْحِ بِوَقْتِهِمَا (قَوْلُهُ: فَيُزَادُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَا سَبَقَ عَنْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: وَفَنَاءُ جِسْمِهِ) بِالْفَتْحِ، وَالْمَدِّ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَاسْمٌ لِمَا اتَّسَعَ أَمَامَ الدَّارِ ع ش (قَوْلُهُ: وَكَانَ حِكْمَةُ خُصُوصِهَا) أَيْ: الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: تَرَكُّبَ الْإِنْسَانِ مِنْ عَنَاصِرَ أَرْبَعَةٍ) التَّرَكُّبُ مِنْ الْعَنَاصِرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا ثَابِتٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ سم (قَوْلُهُ: مِنْ عَنَاصِرَ أَرْبَعَةٍ) هِيَ النَّارُ، وَالْهَوَاءُ، وَالتُّرَابُ، وَالْمَاءُ (وَأَخْلَاطٌ أَرْبَعَةٌ) هِيَ الصَّفْرَاءُ، وَالسَّوْدَاءُ، وَالدَّمُ، وَالْبَلْغَمُ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: لِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنْ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ
(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: وَكَانَ حِكْمَةُ خُصُوصِهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ آحَادِهَا) أَيْ: آحَادِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْوَاحِدِ، وَالِاثْنَيْنِ، وَالثَّلَاثَةِ، وَالْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: عَنْهَا) أَيْ: عَنْ الْعَشَرَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَغْرِبُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ الصُّبْحُ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْوَاحِدَةَ ع ش
(قَوْلُهُ: صَحَّ إلَخْ) أَيْ: فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ سم عِبَارَةُ الْمُغْنِي، وَالْأَسْنَى فَائِدَةٌ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّجَّالَ وَلُبْثَهُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُسْتَثْنَى هَذَا الْيَوْمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاقِيتِ وَيُقَاسُ بِهِ الْيَوْمَانِ التَّالِيَانِ لَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: الدَّجَّالُ) هُوَ بَشَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمَوْجُودٌ الْآنَ وَاسْمُهُ صَافِ بْنُ صَيَّادٍ وَكُنْيَتُهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ يَهُودِيٌّ مُنَاوِيٌّ اهـ ع ش
(قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ أَوَّلَ إلَخْ ع ش أَيْ وَ (قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِهِ الْأَخِيرَانِ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرِ مُدْرَجَةٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ إلَخْ) أَيْ: كَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: وَيَجْرِي ذَلِكَ) أَيْ: التَّقْدِيرُ
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ الزَّوَالُ) أَيْ وَقْتُ زَوَالِ الشَّمْسِ وَ (قَوْلُهُ: طُلُوعُهَا) أَيْ وَقْتُ طُلُوعِهَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ اخْتِلَافَ الْمَوَاقِيتِ سم (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: ارْتِفَاعَ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
قَوْلُهُ: جَرْيًا عَلَى الْإِطْلَاقِ الثَّانِي) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ إطْلَاقَيْنِ وَيَكْفِي فِي الْجَوَابِ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ قَدْ يُسَاوِي وَقْتَ الْفَضِيلَةِ وَقَدْ لَا لِلْمُدْرِكِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: تَرَكُّبُ الْإِنْسَانِ مِنْ عَنَاصِرَ أَرْبَعَةٍ) التَّرْكِيبُ مِنْ الْعَنَاصِرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا ثَابِتٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ
(قَوْلُهُ: صَحَّ أَنَّ أَوَّلَ أَيَّامِ الدَّجَّالِ) أَيْ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَكَثَتْ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَفِي الْخَادِمِ عَنْ بَعْضِهِمْ لَوْ أَنَّ قَوْمًا مَكَثَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً عِنْدَ هُمْ مُدَّةً طَوِيلَةً فَإِنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ لِلصَّلَاةِ قَالَ وَلَعَلَّ مُسْتَنَدَهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ السَّابِقُ اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْعُبَابِ قُلْت لَا يَرِدُ هَذَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَلَى قَوْلِهِ فَرْعٌ: عَوْدُ الشَّمْسِ بِالْغُرُوبِ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ الطُّلُوعُ بِحَيْثُ يَذْهَبُ اللَّيْلُ كُلُّهُ
١ -
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ) أَيْ: اخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ (قَوْلُهُ: