للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَحْنَثْ كَالْمُكْرَهِ

وَإِنَّمَا أَثَّرَ الْعُذْرُ فِي نَحْوِ لَا أَسْكُنُ فَمَكَثَ لِنَحْوِ مَرَضٍ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِيهَا بِاسْتِدَامَةِ الْفِعْلِ لَا بِإِنْشَائِهِ وَهِيَ أَضْعَفُ فَتَأَثَّرَتْ بِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ خَصَّ يَمِينَهُ بِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ أَتَى بِمَا يَعُمُّهَا قَاصِدًا دُخُولَهَا أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ حَنِثَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا كَمَا مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْإِكْرَاهِ فِي الطَّلَاقِ وَأَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ ظَانًّا يَسَارَهُ فَبَانَ إعْسَارُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِمُفَارَقَتِهِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ يُنَافِي هَذِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَرِينَةَ الْمُشَاحَّةِ وَالْخُصُومَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى إطْلَاقِ الْيَمِينِ ظَاهِرَةٌ فِي إرَادَتِهِ حَالَةَ الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ وَمَنْ ظَنَّ يَسَارَهُ حَالَةَ الْحَلِفِ لَا قَرِينَةَ عَلَى شُمُولِ كَلَامِهِ لِلْمَعْصِيَةِ وَإِنْ سَبَقَتْ خُصُومَةٌ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ أَقْوَى فَلَمْ يَحْنَثْ بِالْمُفَارَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فَمَنْ ابْتَلَعَ خَيْطًا لَيْلًا ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَنْزِعُهُ مِنْهُ كُرْهًا أَوْ غَفْلَةً وَلَا حَاكِمَ يُجْبِرُهُ عَلَى نَزْعِهِ حَتَّى لَا يُفْطِرَ لَوْ قِيلَ لَا يُفْطِرُ بِنَزْعِهِ هُوَ لَهُ لَمْ يَبْعُدْ تَنْزِيلًا؛ لِإِيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ فَوَجَدَهَا حَائِضًا فَمَرْدُودٌ لِتَعَاطِيهِ الْمُفْطِرَ بِاخْتِيَارِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ وَيُفْطِرُ كَمَرِيضٍ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ فَيَلْزَمُهُ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وَيُفْطِرُ بِهِ وَلَيْسَ هَذَانِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْأَلْفَاظِ، وَالْوَضْعُ الشَّرْعِيِّ أَوْ الْعُرْفِيِّ لَهُ فِيهَا مَدْخَلٌ بِالتَّخْصِيصِ تَارَةً وَالتَّعْمِيمِ أُخْرَى فَلِذَا فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ هُنَا لَا ثَمَّ فَتَأَمَّلْهُ.

(فَرْعٌ) سُئِلْت عَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يُرَافِقُهُ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِصْرَ فَرَافَقَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ وَأَجَبْت الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْنَثُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ مَا اقْتَضَاهُ وَضْعُهَا اللُّغَوِيُّ، إذْ الْفِعْلُ فِي حَدِّ النَّفْيِ كَالنَّكِرَةِ فِي حَيِّزِهِ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ الْمُرَافَقَةِ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الطَّرِيقِ وَزَعْمُ أَنَّ مُؤَدَّاهَا أَنَّنَا لَا نَسْتَغْرِقُ الطَّرِيقَ كُلَّهَا بِالِاجْتِمَاعِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ.

وَعَمًّا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ مُدَّةً مَعْلُومَةً دُيِّنَ وَإِلَّا اقْتَضَى ذَلِكَ اسْتِغْرَاقَ الْمُدَّةِ مِنْ انْتِهَاءِ الْحَلِفِ إلَى الْمَوْتِ فَمَتَى كَلَّمَهُ

ــ

[حاشية الشرواني]

الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي هَذِهِ آثِمٌ بِالْحَلِفِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُنَا كَذَلِكَ بِأَنْ تُصَوَّرَ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِإِعْسَارِهِ عِنْدَ الْحَلِفِ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. رَشِيدِيٌّ وَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ إلَّا أَنْ يُجَابَ إلَخْ تَصْوِيرٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ إلَخْ) (تَنْبِيهٌ) .

لَوْ اسْتَوْفَى مِنْ وَكِيلِ غَرِيمِهِ أَوْ مِنْ مُتَبَرِّعٍ بِهِ وَفَارَقَهُ حَنِثَ إنْ كَانَ قَالَ مِنْكَ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ فَإِنْ قَالَ لَا تُفَارِقْنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي أَوْ حَتَّى تُوفِيَنِي حَقِّي فَفَارَقَهُ الْغَرِيمُ عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ الْحَالِفُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ فِرَاقَهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ الْغَرِيمِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الْمُفَارَقَةِ فَإِنْ نَسِيَ الْغَرِيمُ الْحَلِفَ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْمُفَارَقَةِ فَفَارَقَ فَلَا حِنْثَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُبَالَى بِتَعْلِيقِهِ كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ فَرَّ الْحَالِفُ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهِ فَإِنْ قَالَ لَا نَفْتَرِقُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي حَنِثَ بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ عَالِمًا مُخْتَارًا وَكَذَا إنْ قَالَ لَا افْتَرَقْنَا حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك لِصِدْقِ الِافْتِرَاقِ بِذَلِكَ فَإِنْ فَارَقَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ مُغْنِي وَرَوْضٌ مَعَ شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ: مَسْأَلَةِ لَا أَسْكُنُ فَمَكَثَ إلَخْ (قَوْلُهُ بِهِ) أَيْ: بِالْعُذْرِ (قَوْلُهُ بِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ) كَمُلَازَمَتِهِ هُنَا مَعَ الْإِعْسَارِ. اهـ. سم (قَوْلُهُ: أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ إلَخْ) كَالْخِصَامِ هُنَا وَقَضِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْقَرِينَةِ عَدَمُ الْحِنْثِ بَاطِنًا إذَا لَمْ يُرِدْ مَا ذَكَرَ اهـ سم (قَوْلُهُ: حَنِثَ بِهَا) أَيْ: بِهَذِهِ الْيَمِينِ أَيْ: بِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ: بِأَنْ انْتَفَى كُلٌّ مِنْ الْقَصْدِ وَالْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُ مَا لَوْ حَلَفَ أَيْ: وَأَطْلَقَ (قَوْلُهُ هَذِهِ) أَيْ: مَسْأَلَةَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ ظَانًّا إلَخْ أَيْ: عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهَا (قَوْلُهُ فِي إرَادَتِهِ) أَيْ: عَدَمِ الْمُفَارَقَةِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ ظَنَّ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ قَرِينَةَ الْمُشَاحَّةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مَنْشَؤُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَفْلَسَ إلَخْ أَوْ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ لَهُ بِقَوْلِهِ لِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ إلَخْ (قَوْله لَوْ قِيلَ إلَخْ) مَقُولُ الزَّرْكَشِيّ (قَوْلُهُ: فَمَرْدُودٌ) جَوَابُ أَمَّا (قَوْلُهُ: لِتَعَاطِيهِ الْمُفْطِرَ) وَهُوَ النَّزْعُ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ هَذَانِ) أَيْ: مَسْأَلَتَا الْخَيْطِ وَالْمَرِيضِ وَقَوْلُهُ كَمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْ: مَسْأَلَةِ الْإِفْلَاسِ إذَا ظَنَّ يَسَارَ الْغَرِيمِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذَيْنِ (قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ: فِي الْيَمِينِ عَلَى غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ لَا ثَمَّ أَيْ: فِي الصِّيَامِ.

(قَوْلُهُ: فَرْعٌ سُئِلْتُ عَمَّا لَوْ حَلَفَ إلَخْ) فَرْعٌ حَلَفَ لَا أَسْكُنُ فِي هَذَا الْمَكَانِ شَهْرَ رَمَضَانَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَحْنَثْ بِالسُّكْنَى بَعْضَ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ بِخِلَافِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ وَلَوْ قَالَ لَا أَقْعُدُ فِي هَذَا الْمَكَانِ إلَى الْغُرُوبِ حَنِثَ بِاسْتِدَامَةِ الْقُعُودِ إلَى الْغُرُوبِ إذَا كَانَ قَاعِدًا أَوْ بِإِحْدَاثِهِ وَإِنْ قَامَ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ النَّفْيِ فِي مَعْنَى مَصْدَرٍ مُنَكَّرٍ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ كَذَا أَفْتَى بِهِ م ر تَبَعًا لِأَبِيهِ فِي نَظِيرِهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الشَّارِحُ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُور. اهـ. سم وَقَوْلُهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ إلَخْ لَعَلَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ بِإِحْدَاثِهِ إلَخْ فَقَطْ وَإِلَّا وَمَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ شَهْرِ رَمَضَانَ إلَخْ وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ إلَخْ إنَّمَا يُوَافِقُ إفْتَاءَ الْبَعْضِ دُونَ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا نِيَّةَ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُرَافِقُهُ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ

(قَوْلُهُ: دُيِّنَ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

شَرَحَ بَعْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَحْثِ عَدَمِ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ فِي قَوْلِهِ: وَكَانَ بَعْضُهُمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ خَصَّ يَمِينَهُ بِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ) كَمُلَازَمَتِهِ هُنَا مَعَ الْإِعْسَارِ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ إلَخْ) كَالْخِصَامِ هُنَا، وَقَضِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْقَرِينَةِ عَدَمُ الْحِنْثِ بَاطِنًا إذَا لَمْ يُرِدْ مَا ذَكَرَ.

(قَوْلُهُ: فَرْعٌ سَأَلْت عَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يُرَافِقُهُ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِصْرَ فَرَافَقَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إلَخْ) فَرْعٌ

حَلَفَ لَا أَسْكُنُ فِي هَذَا الْمَكَانِ شَهْرَ رَمَضَانَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَحْنَثْ بِالسُّكْنَى بَعْضَ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ بِخِلَافِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ: وَلَوْ قَالَ: لَا أَقْعُدُ فِي هَذَا الْمَكَانِ إلَى الْغُرُوبِ حَنِثَ بِاسْتِدَامَةِ الْقُعُودِ إذَا كَانَ قَاعِدًا أَوْ بِإِحْدَاثِهِ وَإِنْ قَامَ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ النَّفْيِ فِي مَعْنَى مَصْدَرٍ مُنَكَّرٍ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ كَذَا أَفْتَى بِهِ م ر تَبَعًا لِأَبِيهِ فِي نَظِيرِهِ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>