لَكِنْ تَقْدِيمُهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ
(وَ) مَرَّ أَنَّ مَحَلَّ نَدْبِ التَّعْجِيلِ مَا لَمْ تُعَارِضْهُ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ فَلِذَلِكَ (يُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ) أَيْ إدْخَالُهَا وَقْتَ الْبَرْدِ بِتَأْخِيرِهَا دُونَ أَذَانِهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا إلَى أَنْ يَبْقَى لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ قَاصِدُ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُجَاوِزُ نِصْفَ الْوَقْتِ (فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» أَيْ غَلَيَانِهَا وَانْتِشَارِ لَهَبِهَا وَخَرَجَ بِالظُّهْرِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مُعَرِّضٌ لِفَوَاتِهَا لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ شَرْطًا فِيهَا وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ (، وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ) أَيْ سُنَّ الْإِبْرَادُ (بِبَلَدٍ حَارٍّ) أَيْ شَدِيدِ الْحَرِّ كَالْحِجَازِ وَبَعْضِ الْعِرَاقِ، وَالْيَمَنِ (وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ) أَوْ مَحَلٍّ آخَرَ غَيْرَهُ (يَقْصِدُونَهُ) كُلُّهُمْ، أَوْ بَعْضُهُمْ بِمَشَقَّةٍ فِي طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ شَدِيدَةٍ بِحَيْثُ تَسْلُبُ خُشُوعَهُمْ كَأَنْ يَأْتُوهُ (مِنْ بُعْدٍ) فِي الشَّمْسِ لِمَشَقَّةِ التَّعْجِيلِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ وَقْتٍ بَارِدٍ أَوْ مُعْتَدِلٍ وَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ حَارٍّ وَبَلَدٍ بَارِدَةٍ، أَوْ مُعْتَدِلَةٍ وَإِنْ وَقَعَ فِيهَا شِدَّةُ حَرٍّ أَيْ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ لِوَضْعِهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبَلَدَ لَوْ خَالَفَتْ قُطْرَهَا فِي أَصْلِ وَضْعِهِ بِأَنْ كَانَ شَأْنُهُ الْحَرَارَةَ دَائِمًا وَشَأْنُهَا الْبُرُودَةَ كَذَلِكَ كَالطَّائِفِ بِالنِّسْبَةِ لِقُطْرِ الْحِجَازِ أَوْ عَكْسُهَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْقُطْرُ هُنَا، بَلْ تِلْكَ الْبَلَدُ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ بِبَلَدٍ وَمَنْ عَبَّرَ بِقُطْرٍ فَالْأَوَّلُ فِي بَلَدٍ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ
وَالثَّانِي فِي بَلَدٍ لَمْ تُخَالِفْهُ كَذَلِكَ لَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لَهَا مُخَالَفَتُهُ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ اشْتِرَاطُ شِدَّةِ الْحَرِّ مُخَالِفٌ لِتَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ الْبِقَاعِ، وَالْأَشْخَاصِ اهـ
ــ
[حاشية الشرواني]
التَّأْخِيرِ أَفْضَلُ أُرِيدَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ تَقْدِيمُهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ إلَخْ) أَيْ: وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فَكَانَ لِعُذْرٍ وَمَصْلَحَةٍ تَقْتَضِي التَّأْخِيرَ ع ش
(قَوْلُهُ: وَمَرَّ أَنَّ مَحَلَّ نَدْبِ التَّعْجِيلِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ إلَخْ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ إلَخْ لَكِنَّ مَحَلَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الدَّجَّالِ أَمَّا هِيَ فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى فِيهَا زَوَالُ الْحَرِّ فِي وَقْتٍ يَذْهَبُ فِيهِ لِمَحَلِّ الْجَمَاعَةِ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ مُعَلِّلًا لَهُ انْتِفَاءَ الظِّلِّ، وَأَمَّا الْبَوَادِي الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَحْوُ حِيطَانٍ يَمْشِي فِي ظِلِّهَا طَالِبُ الْجَمَاعَةِ فَالظَّاهِرُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ سَنُّ الْإِبْرَادِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا الظِّلُّ تَنْكَسِرُ سَوْرَةُ الْحَرِّ ع ش
(قَوْلُهُ: بِتَأْخِيرِهَا دُونَ أَذَانِهَا) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَخَرَجَ بِالصَّلَاةِ الْأَذَانُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ وَحُمِلَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِبْرَادِ بِهِ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ مِنْ حَالِ السَّامِعِينَ حُضُورَهُمْ عَقِبَ الْأَذَانِ لِتَنْدَفِعَ عَنْهُمْ الْمَشَقَّةُ، ثُمَّ قَالَ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْإِقَامَةِ وَلَا بُعْدَ فِيهِ وَإِنْ ادَّعَى بُعْدَهُ فَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ التَّصْرِيحُ بِتَأْخِيرِ الْإِقَامَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَبْقَى) أَيْ: يَصِيرَ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَلَا يُجَاوِزُ نِصْفَ إلَخْ) أَيْ: لَا يُؤَخِّرُهَا عَنْهُ مُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) أَيْ: لَا فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ إلَى أَنْ يَخِفَّ قِيَاسًا عَلَى شِدَّةِ الْحَرِّ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَادَ فِي الْحَرِّ رُخْصَةٌ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ م ر اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ أَقُولُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَرَّ لَهُ وَقْتٌ تَنْكَسِرُ سَوْرَتُهُ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَرْدِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخْصِ ع ش وَحَلَبِيٌّ (قَوْلُهُ: فَأَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ) الْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ وَقِيلَ زَائِدَةٌ وَمَعْنَى أَبْرِدُوا أَخِّرُوا عَلَى سَبِيلِ التَّضْمِينِ فَتْحُ الْبَارِي اهـ شَوْبَرِيٌّ
(قَوْلُهُ: مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ التَّشْبِيهِ، وَالتَّمْثِيلِ أَيْ كَأَنَّهُ نَارُ جَهَنَّمَ فِي حَرِّهَا انْتَهَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ: أَيْ غَلَيَانِهَا إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَ (قَوْلُهُ: وَانْتِشَارٌ إلَخْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ ع ش (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) أَيْ: مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبْرِدُ بِهَا» نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: حُمِلَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ) جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ نِهَايَةٌ زَادَ الْمُغْنِي مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الظُّهْرِ فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ فَيُعْمَلُ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ «كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ اهـ قَوْلُ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: بِبَلَدٍ حَارٍّ) رَجَّحَ السُّبْكِيُّ عَدَمَ اخْتِصَاصِهِ بِبَلَدٍ حَارٍّ وَقَالَ شِدَّةُ الْحَرِّ كَافِيَةٌ وَلَوْ فِي أَبْرَدِ الْبِلَادِ ابْنُ شُهْبَةَ اهـ بَصْرِيٌّ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ، وَالْمُغْنِي وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ فَيُسَنُّ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ اهـ
(قَوْلُهُ: أَوْ مَحَلٌّ آخَرَ إلَخْ) كَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَلَوْ عَبَّرَ بِمُصَلًّى بَدَلَ مَسْجِدٍ لَشَمَلَ مَا قَدَّرْنَاهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعُ الِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَاةِ فَيَشْمَلُ مَا ذُكِرَ مُغْنِي (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُمْ) صَادِقٌ بِوَاحِدٍ بَصْرِيٌّ وَبُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ تَسْلُبُ خُشُوعَهُمْ) أَيْ: أَوْ كَمَا لَهُ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي وَهَلْ يُعْتَبَرُ خُصُوصُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ مِنْ الْمُصَلِّينَ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مَرِيضًا، أَوْ شَيْخًا يَزُولُ خُشُوعُهُ بِمَجِيئِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَوْ مِنْ قُرْبٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِبْرَادُ، أَوْ الْعِبْرَةُ بِغَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَنْ ذُكِرَ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي، ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ بِهِ ع ش قَوْلُ الْمَتْنِ (مِنْ بُعْدٍ) ضَابِطُ الْبُعْدِ مَا يَتَأَثَّرُ قَاصِدُهُ بِالشَّمْسِ مُغْنِي عِبَارَةُ النِّهَايَةِ مَا يَذْهَبُ مَعَهُ الْخُشُوعُ أَوْ كَمَالُهُ لِتَأَثُّرِهِ بِالشَّمْسِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبَلْدَةٌ بَارِدَةٌ) أَيْ: كَالشَّامِ وَقَوْلُهُ، أَوْ مُعْتَدِلَةٌ أَيْ كَمِصْرِ قَلْيُوبِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَعَ إلَخْ) أَيْ: اتَّفَقَ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: وُقُوعُ شِدَّةِ الْحَرِّ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: لَوْ خَالَفَتْ) أَيْ: وَضْعَهُ (قَوْلُهُ: دَائِمًا) أَيْ: فِي وَقْتِ الْحَرِّ كَالصَّيْفِ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ دَائِمًا (قَوْلُهُ: أَوْ عَكْسُهَا) أَيْ: كَحَوْرَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّامِ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ بَلْدَةٌ شَأْنُ بَعْضِ شُهُورِهَا كَالْأَسَدِ الْحَرَارَةُ دَائِمًا وَعَدَمُهَا فِي غَيْرِهِ فَهَلْ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِيهَا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الْحَارِّ أَمْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا) أَيْ: الْمَأْخُوذِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ) أَيْ: عِنْدَ ذِكْرِ شُرُوطِ سَنِّ الْإِبْرَادِ وَقَوْله بِبَلَدٍ أَيْ كَالْمُصَنَّفِ (قَوْلُهُ: فِي بَلَدٍ خَالَفَتْ إلَخْ) أَيْ: لِأَجْلِ إدْخَالِهَا (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ: الثَّانِي (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ) أَيْ: الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبَلَدَ لَوْ خَالَفَتْ قُطْرَهَا) عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ فِي قُطْرٍ حَرٍّ بِشِدَّتِهِ اهـ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ فِي غَيْرِ قُطْرِ الْحَرِّ لَا أَثَرَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَأْتِهِمْ غَيْرُهُمْ) مَفْهُومُهُ سُنَّ الْإِبْرَادُ لَهُمْ إذَا كَانَ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ فَفِي