للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِتَوْلِيَةِ جَاهِلٍ، أَوْ ظَالِمٍ فَقَصَدَ بِطَلَبِهِ، أَوْ قَبُولِهِ تَدَارُكَهَا (وَإِلَّا) يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ (فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ) أَيْ: الطَّلَبِ كَالْقَبُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَهَذَا هُوَ سَبَبُ امْتِنَاعِ أَكْثَرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْهُ (قُلْت: وَيُكْرَهُ) لَهُ الطَّلَبُ، وَالْقَبُولُ (عَلَى الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِوُرُودِ نَهْيٍ مَخْصُوصٍ فِيهِ وَعَلَيْهِ حُمِلَتْ الْأَخْبَارُ الْمُحَذِّرَةُ مِنْهُ كَالْخَبَرِ الْحَسَنِ «مَنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» كِنَايَةٌ عَنْ عَظِيمِ خَطَرِهِ الْمُؤَدِّي إلَى فَظِيعِ هَلَاكِهِ وَيَصِحُّ كَوْنُهُ كِنَايَةً عَنْ عَلِيِّ رِفْعَتِهِ بِقِيَامِهِ فِي الْحَقِّ الْمُؤَدِّي إلَى إيذَاءِ النَّاسِ لَهُ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ الذَّبْحِ. وَيَحْرُمُ الطَّلَبُ عَلَى جَاهِلٍ وَعَالِمٍ قَصَدَ انْتِقَامًا، أَوْ ارْتِشَاءً، وَيُكْرَهُ إنْ طَلَبَهُ لِلْمُبَاهَاةِ، وَالِاسْتِعْلَاءِ كَذَا قِيلَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ حَرَامٌ بِقَصْدِ هَذَيْنِ أَيْضًا هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا قَاضِيَ مُتَوَلٍّ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي جَائِرًا، أَمَّا صَالِحٌ مُتَوَلٍّ فَيَحْرُمُ السَّعْيُ فِي عَزْلِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلَوْ أَفْضَلَ وَيَفْسُقُ بِهِ الطَّالِبُ وَلَا يُؤَثِّرُ بَذْلُ مَالٍ مَعَ الطَّلَبِ مِمَّنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، أَوْ نُدِبَ لَهُ لَكِنْ الْآخِذُ ظَالِمٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَا نُدِبَ حَرُمَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا؛ لِئَلَّا يُعْزَلَ، وَيُسَنُّ بَذْلُهُ لِعَزْلِ غَيْرِ صَالِحٍ وَيَنْفُذُ الْعَزْلُ، وَإِنْ أَثِمَ بِهِ الْعَازِلُ، وَالتَّوْلِيَةُ، وَإِنْ حَرُمَ الطَّلَبُ، وَالْقَبُولُ مُطْلَقًا خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ.

(وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّعَيُّنِ) السَّابِقِ (وَعَدَمِهِ بِالنَّاحِيَةِ) وَيَظْهَرُ ضَبْطُهَا بِوَطَنِهِ وَدُونَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ

ــ

[حاشية الشرواني]

قَوْلُهُ: بِتَوْلِيَةِ جَاهِلٍ) أَيْ: أَوْ عَاجِزٍ. اهـ. مُغْنِي. (قَوْلُهُ: الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ) هِيَ قَوْلُهُ: إنْ كَانَ خَامِلًا إلَخْ وَقَوْله، أَوْ مُحْتَاجًا إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ضَاعَتْ إلَخْ. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: أَيْ: الطَّلَبُ كَالْقَبُولِ) إنْ كَانَ كَوْنُ الْقَبُولِ خِلَافَ الْأَوْلَى، أَوْ مَكْرُوهًا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُنَا طَلَبٌ مِنْهُ، أَوْ لَا خَالَفَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالطَّلَبِ لَمْ يُخَالِفْهُ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: سَبَبُ امْتِنَاعِ إلَخْ) ، وَقَدْ امْتَنَعَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَمَّا سَأَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَضَاءَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعُرِضَ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيِّ قَضَاءُ نَيْسَابُورَ فَاخْتَفَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَوَرَدَ كِتَابُ السُّلْطَانِ بِتَوْلِيَةِ مُضَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ عَشِيَّةً قَضَاءَ الْبَصْرَةِ فَقَالَ: أُشَاوِرُ نَفْسِي اللَّيْلَةَ وَأُخْبِرُكُمْ غَدًا وَأَتَوْا عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَوَجَدُوهُ مَيِّتًا وَقَالَ مَكْحُولٌ: لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ الْقَضَاءِ، وَالْقَتْلِ اخْتَرْت الْقَتْلَ وَامْتَنَعَ مِنْهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ، وَالْغَرْبِ وَامْتَنَعَ مِنْهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَنْصُورُ فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ. وَحَكَى الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْوَزِيرَ بْنَ الْفُرَاتِ طَلَبَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ خَيْرَانَ لِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ فَهَرَبَ مِنْهُ فَخَتَمَ دُورَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا. اهـ. مُغْنِي. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ حُمِلَتْ إلَخْ) أَيْ: عَلَى انْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى جَاهِلٍ) أَيْ مُطْلَقًا. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: قَصَدَ) أَيْ: الْعَالِمُ. (قَوْلُهُ: انْتِقَامًا) أَيْ: مِنْ الْأَعْدَاءِ. اهـ. مُغْنِي. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) أَيْ: الطَّلَبَ. (قَوْلُهُ: بِقَصْدِ هَذَيْنِ) أَيْ: الْمُبَاهَاةِ، وَالِاسْتِعْلَاءِ. (قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي، وَالرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ مُتَوَلٍّ، فَإِنْ كَانَ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلْقَضَاءِ فَكَالْمَعْدُومِ، أَوْ إنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَطَلَبُ عَزْلِهِ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ دُونَ الطَّالِبِ، وَتَبْطُلُ بِذَلِكَ عَدَالَةُ الطَّالِبِ، فَإِنْ عُزِلَ، وَوَلِيَ الطَّالِبُ نَفَذَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَمَّا عِنْدَ تَمَهُّدِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَنْفُذُ وَهَذَا فِي الطَّلَبِ بِلَا بَذْلِ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ بِبَذْلٍ نُظِرَ، فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْبَاذِلِ الْقَضَاءُ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُسَنُّ لَهُ جَازَ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ وَلَكِنَّ الْآخِذَ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ وَهَذَا كَمَا إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَمْ يُسَنَّ طَلَبُهُ لَمْ يَجُزْ بَذْلُ الْمَالِ لِيُوَلَّى، وَيَجُوزُ لَهُ الْبَذْلُ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ لِئَلَّا يُعْزَلَ، وَالْآخِذُ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ. وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِيُوَلَّى وَنُسِبَ إلَى الْغَلَطِ. وَأَمَّا بَذْلُ الْمَالِ لِعَزْلِ قَاضٍ مُتَّصِفٍ بِصِفَةِ الْقَضَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ، فَإِنْ عُزِلَ، وَوَلِيَ الْبَاذِلُ نَفَذَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا عِنْدَ تَمَهُّدِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَوْلِيَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَالْمَعْزُولُ عَلَى قَضَائِهِ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ بِالرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَتَوْلِيَةُ الْمُرْتَشِي لِلرَّاشِي حَرَامٌ. اهـ. وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَيَنْفُذُ الْعَزْلُ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: فَيَحْرُمُ السَّعْيُ إلَخْ وَقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ إلَخْ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: مُطْلَقًا إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا مَرَّ عَنْهُمَا مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ حَالَتَيْ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا.

(قَوْلُهُ: جَائِرًا) أَيْ: أَوْ جَاهِلًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَفْضَلَ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الطَّالِبُ مُجْتَهِدًا، وَالْمُتَوَلِّي مُقَلِّدًا. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَثِّرُ) أَيْ: فِي الْعَدَالَةِ وَصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَنْفُذُ الْعَزْلُ إلَخْ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) لَعَلَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِيَنْفُذُ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ ضَبْطُهَا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

الْبُلْقِينِيِّ مَعَ مَا فِي الْمَتْنِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ: الطَّلَبُ كَالْقَبُولِ) إنْ كَانَ كَوْنُ الْقَبُولِ خِلَافَ الْأَوْلَى، أَوْ مَكْرُوهًا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُنَا طَلَبٌ مِنْهُ، أَوْ لَا خَالَفَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ، وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالطَّلَبِ لَمْ يُخَالِفْهُ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَثِّرُ بَذْلُ مَالٍ مَعَ الطَّلَبِ إلَخْ) فِي الرَّوْضَةِ جَوَازُ بَذْلِهِ لِيُوَلَّى أَيْضًا وَدَعْوَى أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مَرْدُودَةٌ، أَوْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِعَزْوِهِ مَا ذُكِرَ لِلرُّويَانِيِّ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُكْمِ ش م ر.

(قَوْلُهُ: ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُهُ لِيُوَلَّى وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَيَنْفُذُ الْعَزْلُ، وَإِنْ أَثِمَ بِهِ الْعَازِلُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَاضٍ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ أَيْ: لِلْقَضَاءِ فَكَالْمَعْدُومِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فَطَلَبُ عَزْلِهِ حَرَامٌ أَيْ، وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا فَإِنْ فَعَلَهُ أَيْ: عَزَلَهُ وَوَلِيَ أَيْ: غَيْرُهُ نَفَذَ لِلضَّرُورَةِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: أَيْ: عِنْدَهَا وَأَمَّا عِنْدَ تَمَهُّدِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَنْفُذُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِيمَا إذَا بَذَلَ مَالًا لِذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدُونِهِ كَذَلِكَ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ ضَبْطُهَا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَلَا يَجِبُ أَيْ: عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ طَلَبُهُ وَلَا قَبُولُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِبَلَدٍ صَالِحَانِ وَوَلِيَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآخَرِ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ بِهِ صَالِحٌ، وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْبَلَدُ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَشْمَلْهَا حُكْمُ الْأَوَّلِ مَعَ انْتِقَاءِ حَاجَةِ بَلَدِهِ إلَيْهِ هَذَا وَاقْتِصَارُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>