للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ» فَالْحُصْرُ فِيهَا دَافِعٌ لِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْجِهَةِ وَخَبَرُ «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ، وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» مَحْمُولٌ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ سَامَتَهُمْ

وَقَوْلُ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ إلَى الْحَرَمِ جَازَ لِحَدِيثِ «الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ لِأَهْلِ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا» مَرْدُودٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ حُكْمًا وَحَدِيثًا لَا يُعْرَفُ وَصِحَّةُ صَلَاةِ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَحْمُولٌ عَلَى انْحِرَافٍ فِيهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ صَغِيرَ الْجَرْمِ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ اتَّسَعَتْ مُسَامَتَتُهُ كَالنَّارِ الْمُوقَدَةِ مِنْ بُعْدِ وَغَرَضِ الرُّمَاةِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِإِمَامٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَدْرُ سَمْتِ الْكَعْبَةِ أَنْ لَا تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَالْمُرَادُ بِالصَّدْرِ جَمِيعُ عُرْضِ الْبَدَنِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَلَوْ اسْتَقْبَلَ طَرَفَهَا فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الْعُرْضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَطَرَفِ الْيَدِ خِلَافًا لِلْقُونَوِيِّ عَنْ مُحَاذَاتِهِ لَمْ تَصِحَّ بِخِلَافِ اسْتِقْبَالِ الرُّكْنِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ بِجَمِيعِ الْعُرْضِ لِمَجْمُوعِ الْجِهَتَيْنِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ إمَامًا امْتَنَعَ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ لِنَحْوِ مَرَضٍ، أَوْ رَبْطٍ قَالَ الشَّارِحِ، أَوْ خَوْفٍ مِنْ نُزُولِهِ عَنْ دَابَّتِهِ عَلَى نَحْوِ نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَتِهِ إنْ اسْتَوْحَشَ بِهِ فَيُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، أَوْ يُعِيدُ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ لِنُدْرَةِ عُذْرِهِ

ــ

[حاشية الشرواني]

رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ» إلَخْ) أَيْ: مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَصِحَّةُ صَلَاةِ الصَّفِّ إلَخْ) مَرَّ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى انْحِرَافِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ الزِّيَادِيُّ وَشَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ) هَذَا لَا يَصِحُّ فِيمَا إذَا امْتَدَّ صَفٌّ مِنْ جَبَلِ حِرَاءَ إلَى جَبَلِ ثَوْرٍ وَكَانَ الْإِمَامُ طَرَفَ هَذَا الصَّفِّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِأَنَّ الْإِمَامَ وَمَنْ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ خَارِجَانِ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ لَا يُقَالُ الْمُرَادُ الْمُخْطِئُ عَنْ الْمُحَاذَاةِ اسْمًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُخْطِئَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْفَرْضِ أَيْ إنَّ الصَّفَّ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ سم وَيَأْتِي عَنْ الرَّشِيدِيِّ مَا يُوَافِقُهُ

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ صَغِيرَ الْجَرْمِ إلَخْ) كَانَ وَجْهُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ اتِّسَاعَ الْمُسَامَتَةِ عِنْدَ زِيَادَةِ الْبُعْدِ يُوجِبُ عُمُومَ الْمُحَاذَاةِ مَعَ الِانْحِرَافِ وَيُوجِبُ عَدَمَ تَعَيُّنِ الْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّ اتِّسَاعَ الْمُسَامَتَةِ يَقْتَضِي انْغِمَارَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حُكْمُ الْإِطْلَاقِ، وَالتَّسْمِيَةُ لَا حَقِيقَةُ الْمُسَامَتَةِ فَتَأَمَّلْهُ سم وَفِي الرَّشِيدِيِّ مَا حَاصِلُهُ إنْ أَرَادَ الْمُسَامَتَةَ الْحَقِيقِيَّةَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمُدَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُخْطِئِ فَقَوْلُهُ فَانْدَفَعَ إلَخْ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ مُسَامَتَةِ الْإِمَامِ، أَوْ الْمَأْمُومِ فِيمَا يَأْتِي أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْمُسَامَتَةَ الْعُرْفِيَّةَ فَلَا تَقْرِيبَ؛ لِأَنَّ الْمُسَامَتَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُلِّ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ إلَخْ) أَقُولُ: فِي انْدِفَاعِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ، وَالْمَأْمُومِ قَدْ رُسِمَتْ الْكَعْبَةُ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا تَسَعُ جَمِيعَ الْكَعْبَةِ فَأَكْثَرَ وَعُلِمَ أَنَّ الْكَعْبَةَ فِي تِلْكَ الْمَسَافَةِ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَارِجٌ عَنْهَا، بَلْ قَدْ يَخْرُجُ طَرَفَا الصَّفِّ الْخَارِجِ عَنْ مَكَّةَ عَنْ طَرَفَيْهَا فَيُعْلَمُ قَطْعًا خُرُوجُ كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ عَنْ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّهَا بَعْضٌ عَنْ مَكَّةَ الَّتِي خَرَجَ الطَّرَفَانِ عَنْهَا فَإِذَا اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ خَرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مُحَاذَاتِهَا وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ أَيْضًا قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَتَأَمَّلْهُ وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الصَّفِّ الطَّوِيلِ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الِانْحِرَافُ وَإِمَّا كَوْنُهُ بِحَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ الْمُخْطِئُ فَمَتَى كَانَ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْحِرَافِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ فَلْيُتَأَمَّلْ

نَعَمْ هَذَا الْجَوَابُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُسَامَتَةُ حَقِيقَةً فَيُخَالِفُ قَوْلَهُ السَّابِقَ عُرْفًا لَا حَقِيقَةً سم (قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ صَلَّى بِإِمَامٍ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ أَنَّ مَنْ صَلَّى مَأْمُومًا فِي صَفٍّ مُسْتَطِيلٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ أَكْثَرُ مِنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِخُرُوجِهِ، أَوْ خُرُوجِ إمَامِهِ عَنْ سَمْتِهَا اهـ (قَوْلُهُ: عَنْ مُحَاذَاتِهِ) أَيْ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ) أَيْ مُسْتَقْبِلَ الرُّكْنِ (قَوْلُهُ: فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) الْأَوْلَى فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: أَمَّا الْعَاجِزُ) إلَى التَّنْبِيهِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ قَالَ شَارِحُ (قَوْلُهُ: لِنَحْوِ مَرَضٍ) أَيْ: بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّوَجُّهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَجِّهُهُ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ لَا يُقَالُ هُوَ عَاجِزٌ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهُ بِمَا دُونَهُ ع ش (قَوْلُهُ: أَوْ مَالِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْخَوْفَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِنْ كَثُرَ ع ش (قَوْلُهُ: فَيُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ إنْ رَجَا زَوَالُ الْعُذْرِ لَا يُصَلِّي إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ زَوَاله صَلَّى فِي أَوَّلِهِ، ثُمَّ إنْ زَالَ بَعْدُ عَلَى خِلَافِ ظَنِّهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعُذْرُ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ كَانَتْ فَائِتَةً بِعُذْرٍ فَيُنْدَبُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ يَفْعَلَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ الْفَوَائِتِ ع ش أَقُولُ وَيُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِضِيقِ الْوَقْتِ مَا يَأْتِي عَنْ النِّهَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ إلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعِيدُ إلَخْ) أَيْ: وُجُوبًا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَوُجُوبُ الْإِعَادَةِ دَلِيلٌ عَلَى الِاشْتِرَاطِ أَيْ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ الْبَيْتِ قَبْلَهُ) قَضِيَّةُ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ صِحَّةُ تَعَمُّدِ اسْتِقْبَالِ الْحَرَمِ خِلَافَ تَقْيِيدِهِ بِالْخَطَأِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ) هَذَا لَا يَصِحُّ فِيمَا إذَا امْتَدَّ صَفٌّ مِنْ حِرَاءَ إلَى ثَوْرٍ وَكَانَ الْإِمَامُ طَرَفَ هَذَا الصَّفِّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَمَنْ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ خَارِجَانِ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ لَا يُقَالُ الْمُرَادُ الْمُخْطِئِ عَنْ الْمُحَاذَاةِ اسْمًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُخْطِئَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْفَرْضِ أَيْ إنَّ الصَّفَّ مِنْ الْمَشْرِقِ لِلْمَغْرِبِ

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ صَغِيرَ الْجَرْمِ إلَخْ) كَانَ وَجْهُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ اتِّسَاعَ الْمُسَامَتَةِ عِنْدَ زِيَادَةِ الْبُعْدِ تُوجِبُ عُمُومَ الْمُحَاذَاةِ مَعَ الِانْحِرَافِ وَتُوجِبُ عَدَمُ تَعَيُّنِ الْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّ اتِّسَاعَ الْمُسَامَتَةِ تَقْتَضِي انْغِمَارَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَعَ هَذَا مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حُكْمُ الْإِطْلَاقِ، وَالتَّسْمِيَةِ لَا حَقِيقَةُ الْمُسَامَتَةِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ إلَخْ) أَقُولُ فِي انْدِفَاعِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ، وَالْمَأْمُومِ قَدْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>