فَكَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا بِالْحَقِيقَةِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ حُكْمَانِ كَمَا ذُكِرَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَأَعْرِضْ عَمَّا وَقَعَ هُنَا مِنْ إشْكَالَاتٍ وَأَجْوِبَةٍ لَا تُرْضِي.
وَقَدْ يَقَعُ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ يُعَبِّرُ بِالْأَظْهَرِ وَفِي بَعْضِهَا يُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْأَصَحِّ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ الْخِلَافَ أَقْوَالٌ أَوْ أَوْجُهٌ فَوَاضِحٌ، وَالْأَرْجَحُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ أَقْوَالٌ؛ لِأَنَّ مَعَ قَائِلِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِنَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِخِلَافِ نَافِيهِ عَنْهُ (وَإِلَّا) يَقْوَ (فَالصَّحِيحُ) هُوَ الَّذِي أُعَبِّرُ بِهِ لِإِشْعَارِهِ بِانْتِفَاءِ اعْتِبَارَاتِ الصِّحَّةِ عَنْ مُقَابِلِهِ، وَأَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِنَظِيرِهِ فِي الْأَقْوَالِ بَلْ أَثْبَتَ لِنَظِيرِهِ الْخَفَاءَ، وَأَنَّ الْقُصُورَ فِي فَهْمِهِ إنَّمَا هُوَ مِنَّا فَحَسْبُ تَأَدُّبًا مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ وَفَرْقًا بَيْنَ مَقَامِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فَإِنْ قُلْت إطْبَاقُهُمْ هُنَا عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالصَّحِيحِ قَاضٍ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا عُبِّرَ فِيهِ بِهِ لَا يُسَنُّ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْخُرُوجِ وَمِنْهُ عَدَمُ فَسَادِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَسَائِلَ عَبَّرُوا فِيهَا بِالصَّحِيحِ بِسَنِّ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَال الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ لَا مُطْلَقًا فَهُوَ فَسَادٌ اعْتِبَارِيٌّ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ قَدْ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوَاعِدِنَا دُونَ قَوَاعِدِ غَيْرِنَا وَلِمَا ظَهَرَ لِلْمُصَنِّفِ مَثَلًا وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِغَيْرِهِ قُوَّتُهُ فَنُدِبَ الْخُرُوجُ مِنْهُ (وَحَيْثُ أَقُولُ الْمَذْهَبُ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ) كَأَنْ يَحْكِيَ بَعْضٌ الْقَطْعَ أَيْ أَنَّهُ لَا نَصَّ سِوَاهُ وَبَعْضٌ قَوْلًا أَوْ وَجْهًا أَوْ أَكْثَرَ، وَبَعْضٌ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ غَيْرَهُ مُطْلَقًا أَوْ بِاعْتِبَارٍ كَمَا مَرَّ ثُمَّ الرَّاجِحُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ قَدْ يَكُونُ طَرِيقُ الْقَطْعِ
ــ
[حاشية الشرواني]
يَظْهَرُ فِي الْقَوْلَيْنِ وَلَا فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَا الْوَاحِدُ سم أَقُولُ وَأَيْضًا إنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى رَدِّ ذَلِكَ الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ وَمَعَ اسْتِحَالَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ دُونَ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الرَّشِيدِيِّ عَنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَمَّا عُبِّرَ عَنْهُ بِالْأَظْهَرِ (قَوْلُهُ فَوَاضِحٌ) يَعْنِي يُرَجَّحُ مَا يُطَابِقُ الْمَعْرُوفَ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعَ قَائِلِهِ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ وَلَوْ أُطْلِقَ مُقَابِلُهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَعَلَّ الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ (قَوْلُهُ بِنَظِيرِهِ) أَيْ بِنَظِيرِ الْفَاسِدِ يُغْنِي لَمْ يُعَبِّرْ بِعِبَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقَابِلَ فَاسِدٌ كُرْدِيٌّ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَعِبَارَةُ غَيْرِ الشَّارِحِ وَهِيَ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ أَيْ بِالْأَصَحِّ وَالصَّحِيحُ فِي الْأَقْوَالِ تَأَدُّبًا مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ مُشْعِرٌ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ اهـ.
أَخْصَرُ وَأَوْضَحُ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ) أَيْ قَالَهُ فِي إشَارَاتِ الرَّوْضَةِ ع ش (قَوْلُهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْخُرُوجِ إلَخْ) أَيْ سُنَّ الْخُرُوجُ (قَوْلُهُ قُلْت يُجَابُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فَسَادُ اسْتِدْلَالٍ خَاصٍّ مَعَ وُجُودِ اسْتِدْلَالٍ صَحِيحٍ آخَرَ لَا يَقْتَضِي التَّعْبِيرَ بِالصَّحِيحِ بِالْأَصَحِّ كَمَا لَا يَخْفَى إذْ صِحَّةُ الْقَوْلِ وَعَدَمُ فَسَادِهِ لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى صِحَّةِ جَمِيعِ أَدِلَّتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي رَاعَوْا فِيهَا الْخِلَافَ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ الصَّحِيحِ بَلْ مِنْ بَابِ الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالصَّحِيحِ لِنَحْوِ اجْتِهَادٍ بِأَنَّ خِلَافَهُ أَوْ مِمَّنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَصَحِّ وَالصَّحِيحِ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا اصْطِلَاحٌ لِلْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ لَا لِجَمِيعِ الْأَصْحَابِ سم (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَال إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ الَّذِي إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: لَا مُطْلَقًا أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ جَمِيعُ أَدِلَّتِهِ (قَوْلُهُ إنَّهُ حَقِيقِيٌّ) أَيْ أَنَّ الْفَسَادَ مِنْ حَيْثُ جَمِيعُ الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوَاعِدِنَا إلَخْ) فِي هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي نَظَرٌ إذْ لَا عِبْرَةَ عِنْدَنَا بِقَوَاعِدِ غَيْرِنَا الْمُخَالِفَةِ لِقَوَاعِدِنَا إلَّا أَنْ تُقَيَّدَ قَوَاعِدُ غَيْرِنَا بِمَا قَوِيَ دَلِيلُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم.
قَوْلُ الْمَتْنِ (الْمَذْهَبُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ وَالظَّاهِرُ رَفْعُهُ عَلَى الْحِكَايَةِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَيَجُوزُ غَيْرُ الرَّفْعِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي سم (قَوْلُهُ وَبَعْضُ قَوْلًا) أَيْ سِوَاهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَوْ وَجْهًا إلَخْ) عُطِفَ عَلَى الْقَطْعِ (قَوْلُهُ وَبَعْضُ ذَلِكَ) اُنْظُرْ مُبَايَنَتَهُ لِمَا قَبْلَهُ سم وَلِلْكُرْدِيِّ هُنَا مَا لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ لِكَوْنِهِ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى النَّصِّ وَضَمِيرُ أَوْ بَعْضِهِ رَاجِعٌ إلَى الْأَكْثَرِ، وَضَمِيرُ أَوْ غَيْرِهِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَجْهًا أَوْ أَكْثَرُ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضَهُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ سم عِبَارَةُ الْكُرْدِيِّ أَيْ يَحْكِي بَعْضُ الْأَكْثَرِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَكْثَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي شَرْحِ وَالطَّرِيقَيْنِ (قَوْلُهُ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
التَّخَيُّلِ وَالْقَرَائِنِ الْمُنَاسِبَةِ لَهَا لَا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ بِبِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَلَا يَظْهَرُ فِي الْقَوْلَيْنِ وَلَا فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ فَإِنْ قِيلَ وَلَا إذَا كَانَا لِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا فَالْحَقُّ مُتَعَدِّدٌ بِتَعَدُّدِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُرَادَ ظُهُورُهُ أَوْ صِحَّتُهُ عَلَى ظُهُورِ أَوْ صِحَّةِ الْآخَرِ لِيَصِحَّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ أَظْهَرُ أَوْ أَصَحُّ
قُلْت قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ حَقًّا أَرْجَحَ لِزِيَادَةِ مَصْلَحَتِهِ أَوْ كَوْنِهِ أَدْخَلَ فِي الْخِدْمَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ خِصَالَ الْمُخَيَّرِ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقٌّ مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا أَرْجَحُ لِزِيَادَةِ مَصْلَحَتِهِ فَقَدْ يُتَصَوَّرُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَقِّ بِتَعَدُّدِ الْمُجْتَهِدِينَ فَيُوصَفُ بِنَحْوِ الْأَظْهَرِيَّةِ أَوْ الْأُضْحِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فَسَادُ اسْتِدْلَالٍ خَاصٍّ مَعَ وُجُودِ اسْتِدْلَالٍ صَحِيحٍ آخَرَ لَا يَقْتَضِي التَّعْبِيرَ بِالصَّحِيحِ بَلْ بِالْأَصَحِّ كَمَا لَا يَخْفَى إذْ صِحَّةُ الْقَوْلِ وَعَدَمُ فَسَادِهِ لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى صِحَّةِ جَمِيعِ أَدِلَّتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيَتَّجِهُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي رَاعَوْا فِيهَا الْخِلَافَ تُبَيِّنُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ الصَّحِيحِ بَلْ مِنْ بَابِ الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّفْسِيرُ بِالصَّحِيحِ لِنَحْوِ اجْتِهَادٍ بِأَنَّ خِلَافَهُ أَوْ مِمَّنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَصَحِّ وَالصَّحِيحِ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا اصْطِلَاحُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ لَا لِجَمِيعِ الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ قَدْ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَخْ) فِي هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي نَظَرٌ إذْ لَا عِبْرَةَ عِنْدَنَا بِقَوَاعِدِ غَيْرِنَا الْمُخَالِفَةِ لِقَوَاعِدِنَا إلَّا أَنْ تُقَيَّدَ قَوَاعِدُ غَيْرِنَا بِمَا قَوِيَ دَلِيلُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَقُولُ الْمَذْهَبُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ وَالظَّاهِرُ رَفْعُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْحِكَايَةِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُهُ، وَيَجُوزُ غَيْرُ الرَّفْعِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي (قَوْلُهُ وَبَعْضُ ذَلِكَ) اُنْظُرْ مُبَايَنَتَهُ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ