وَأَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاةُ فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ وَنَفْلُهَا أَفْضَلُ النَّوَافِلِ وَلَا يَرِدُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَحِفْظُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَيَلِيهَا الصَّوْمُ فَالْحَجُّ فَالزَّكَاةُ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَقِيلَ أَفْضَلُهَا الزَّكَاةُ وَقِيلَ الصَّوْمُ وَقِيلَ الْحَجُّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ وَاحِدٍ أَيْ عُرْفًا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ مِنْ الْآخَرِ وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ، نَعَمْ الْعَمَلُ الْقَلْبِيُّ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الرِّيَاءِ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَمْ يُعْمَلْ لِمُجَرَّدِ التَّقَرُّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ وَإِنْ سَقَطَ بِالْفَرْضِ مِنْهُ الْوُجُوبُ وَمُرَادُهُ السَّالِمُ مِنْ الرِّيَاءِ، وَأَمَّا مَا صَاحَبَهُ غَيْرُهُ كَالْحَجِّ بِقَصْدِهِ وَقَصْدِ التِّجَارَةِ فَلَهُ ثَوَابٌ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الْعِبَادَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا قَرْنَهُ بِهَا غَيْرُ مُنَافٍ لَهَا بِخِلَافِ الرِّيَاءِ كَمَا أَشَرْت لِذَلِكَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَأَطَلْت الْكَلَامَ فِيهِ فِي حَاشِيَةِ إيضَاحِ الْمَنَاسِكِ.
(صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ لَا حَالٌ لِفَسَادِ الْمَعْنَى إذْ مُقْتَضَاهُ نَفْيُ سُنِّيَّتِهِ حَالَ الْجَمَاعَةِ لَا الِانْفِرَادِ وَهُوَ فَاسِدٌ بَلْ هُوَ مَسْنُونٌ فِيهِمَا، وَالْجَائِزُ بِلَا كَرَاهَةٍ هُوَ وُقُوعُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ (فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ) وَهِيَ السُّنَنُ التَّابِعَةُ لَهَا (وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ) وَيُسَنُّ تَخْفِيفُهُمَا لِلِاتِّبَاعِ وَأَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِآيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ
ــ
[حاشية الشرواني]
نَظَرٌ ظَاهِرٌ سم
(قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ) إلَى قَوْلِهِ وَيَلِيهَا فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِهِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَقِيلَ أَفْضَلُهَا الزَّكَاةُ وَقَوْلَهُ أَيْ عُرْفًا (قَوْلُهُ: عِبَادَاتِ الْبَدَنِ) احْتَرَزَ بِالْبَدَنِ عَنْ الْقَلْبِ كَمَا يَأْتِي فَتَشْمَلُ عِبَادَةُ الْبَدَنِ الْعِبَادَةَ اللِّسَانِيَّةَ وَالْعِبَادَةَ الْمَالِيَّةَ كَمَا يُفِيدُ قَوْلُهُ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ أَفْضَلُهَا الزَّكَاةُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ) أَيْ أَمَّا النُّطْقُ بِهِمَا فَهُوَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا ع ش (قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ الْمُنَافَاةِ لِمَا سَبَقَ لَهُ فِي شَرْحِ الْخُطْبَةِ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ الْعَيْنِيَّ مِنْ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْفُرُوضِ حَتَّى الصَّلَاةِ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَنَفْلِهَا فَرَاجِعْهُ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ إلَخْ) يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ م ر أَيْ النِّهَايَةِ اعْتِمَادُهُ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ ع ش (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الصَّوْمُ إلَخْ) وَقِيلَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالصَّلَاةُ أَوْ بِالْمَدِينَةِ فَالصَّوْمُ مُغْنِي (قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ) وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ الْعِبَادَاتُ تَخْتَلِفُ أَفْضَلِيَّتُهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَفَاعِلِيهَا فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْل بِأَفْضَلِيَّةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخُبْزَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْجَائِعِ، وَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِلْعَطْشَانِ، فَإِنْ اجْتَمَعَا نُظِرَ لِلْأَغْلَبِ فَتَصَدُّقُ الْغَنِيِّ الشَّدِيدِ الْبُخْلِ بِدِرْهَمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ حُبِّ الدُّنْيَا، وَالصَّوْمُ لِمَنْ اسْتَحْوَذَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ) إلَى قَوْلِهِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ) وَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِالْآكَدِ دُونَ الْمُؤَكَّدِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى حَجّ وَقَوْلُهُ وَمِنْهُ أَيْ مِنْ الْأَحَدِ الْمُقَابِلِ لِلْآكَدِ ع ش (قَوْلُهُ: نَعَمْ الْعَمَلُ الْقَلْبِيُّ إلَخْ) أَيْ كَالْإِيمَانِ، وَالْمَعْرِفَةِ، وَالتَّفَكُّرِ أَيْ فِي مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّوَكُّلِ، وَالصَّبْرِ، وَالرِّضَا، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَا وَمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالتَّطَهُّرِ مِنْ الرَّذَائِلِ، وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ وَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا بِالتَّجْدِيدِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَالَ ع ش قَوْلُهُ وَقَدْ يَكُونُ إلَخْ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي التَّوْبَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَلَّ كَتَفَكُّرِ سَاعَةٍ مَعَ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ سم عَلَى حَجّ. اهـ. ع ش وَرَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالْحَجِّ) أَيْ كَسَفَرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: فِي بَابِ الْوُضُوءِ) حَيْثُ قَالَ، وَالْأَوْجَهُ إنْ قَصَدَ الْعِبَادَةَ يُثَابُ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ انْضَمَّ لَهُ غَيْرُهُ مِمَّا عَدَا الرِّيَاءَ وَنَحْوَهُ مُسَاوِيًا أَوْ رَاجِحًا سم.
(قَوْلُهُ: تَمْيِيزٌ) إلَى الْمَتْنِ فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِهِ: وَمُبَادَرَتُهُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَيُسَنُّ هَذَانِ إلَى الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ لِلْخَبَرِ إلَى وَصَحَّ (قَوْلُهُ: تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ) أَيْ، وَالْأَصْلُ لَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ مُغْنِي (قَوْلُهُ: هُوَ مَسْنُونٌ فِيهِمَا إلَخْ) أَيْ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ الْجَمَاعَةِ ع ش (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ تَخْفِيفُهُمَا) وَلَهُ فِي نِيَّتِهِمَا عَشْرُ كَيْفِيَّاتٍ فَيَنْوِي بِهِمَا سُنَّةَ الْفَجْرِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ سُنَّةَ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ أَوْ سُنَّةَ الْغَدَاةِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْغَدَاةِ أَوْ سُنَّةَ الْبَرْدِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْبَرْدِ أَوْ سُنَّةَ الْوُسْطَى أَوْ رَكْعَتَيْ الْوُسْطَى بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى شَيْخُنَا وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِآيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ) وَهُمَا قَوْله تَعَالَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: ١٣٦] إلَى قَوْلِهِ {مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦] وَقَوْلُهُ -
[حاشية ابن قاسم العبادي]
بِالْإِطْلَاقِ مَا يَشْمَلُ تَعَمُّدَ التَّرْكِ فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ) وَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِالْآكَدِ دُونَ الْمُؤَكَّدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ الْعَمَلُ الْقَلْبِيُّ إلَخْ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَلَّ كَتَفَكُّرِ سَاعَةٍ مَعَ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ السَّالِمُ مِنْ الرِّيَاءِ) فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامٍ طَوِيلٍ مَا نَصُّهُ: وَيُجَابُ عَنْ الْخَبَرِ أَيْ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ حَيْثُ اجْتَمَعَ قَصْدٌ دُنْيَوِيٌّ وَأُخْرَوِيٌّ فَلَا ثَوَابَ أَصْلًا وَهُوَ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ «مِنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ هُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ» بِحَمْلِهِ لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِعَمَلِهِ الرِّيَاءَ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ قَصْدٌ مُحَرَّمٌ فَلَا يُمْكِنُ مُجَامَعَةُ الثَّوَابِ لَهُ اهـ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا صَاحَبَهُ غَيْرُهُ إلَخْ) فِي مُقَابَلَتِهِ لِمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ مَعَ قَوْلِهِ وَمُرَادُهُ إلَخْ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: كَالْحَجِّ بِقَصْدِهِ وَقَصْدِ التِّجَارَةِ) وَقَدْ يُقَالُ الْحَجُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِحْرَامِ وَالْأَعْمَالِ الْمَخْصُوصَةِ وَلَا يُقْصَدُ بِهَا التِّجَارَةُ نَعَمْ قَدْ يُقْصَدُ بِوَسِيلَتِهَا مِنْ السَّفَرِ ذَلِكَ فَهَلْ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ حَتَّى يَنْقُصَ ثَوَابُ مَنْ قَصَدَ بِسَفَرِهِ الْحَجَّ وَالتِّجَارَةَ وَإِنْ أَتَى بِإِحْرَامِهِ وَمَا بَعْدَهُ لِمُجَرَّدِ التَّقَرُّبِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَشَرْت لِذَلِكَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ) عِبَارَتُهُ هُنَاكَ عَقِبَ مَسْأَلَةِ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ فَلَا تَشْرِيَكَ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ بِخِلَافِهِ مِنْ حَيْثُ الثَّوَابُ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُصُولِهِ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ بِأَدِلَّتِهِ الْوَاضِحَةِ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا إنْ قَصَدَ الْعِبَادَةَ يُثَابُ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ انْضَمَّ لَهُ غَيْرُهُ مِمَّا عَدَا الرِّيَاءَ وَنَحْوَهُ مُسَاوِيًا أَوْ رَاجِحًا. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute