وَبِهِ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْإِبْرَادِ، وَأَمَّا حَرٌّ نَشَأَ مِنْ السَّمُومِ وَهِيَ الرِّيحُ الْحَارَّةُ فَهُوَ عُذْرٌ لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى عَلَى مَا فِيهِمَا وَلَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ مَنْ أَلِفَهُمَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا بِهِ التَّأَذِّي وَالْمَشَقَّةُ وَصَوَّبَ عَدَّ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَهُمَا مِنْ الْعَامِّ وَيُجَابُ بِأَنَّ الشِّدَّةَ قَدْ تَخْتَصُّ بِالْمُصَلِّي بِاعْتِبَارِ طَبْعِهِ فَيَصِحُّ عَدُّهُمَا مِنْ الْخَاصِّ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت شَارِحًا أَشَارَ لِذَلِكَ
(وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ) أَيْ شَدِيدَيْنِ لَكِنْ بِحَضْرَةِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ وَكَذَا إنْ قَرُبَ حُضُورُهُ وَعَبَّرَ آخَرُونَ بِالتَّوَقَانِ إلَيْهِ وَلَا تَنَافِيَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شِدَّةُ الشَّوْقِ لَا أَصْلُهُ وَهُوَ مُسَاوٍ لِشِدَّةِ أَحَدِ ذَيْنِكَ وَقَوْلُ جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ شِدَّةُ أَحَدِهِمَا كَافِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ رُدَّ أَيْ إنْ أَرَادُوا وَلَا قَرُبَ حُضُورُهُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَخْبَارِ كَخَبَرِ «إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» وَخَبَرِ «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ» وَلِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ. اهـ.
وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ حَمْلُ مَا قَالَهُ أُولَئِكَ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَّ أَصْلُ خُشُوعِهِ لِشِدَّةِ جُوعِهِ أَوْ عَطَشِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَمُدَافَعَةِ الْحَدَثِ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّ مَشَقَّةَ هَذَا أَشَدُّ وَلِأَنَّهَا تُلَازِمُهُ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ تِلْكَ وَحُمِلَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَخْتَلَّ خُشُوعُهُ إلَّا بِحَضْرَةِ ذَلِكَ أَوْ قُرْبِ حُضُورِهِ فَيَبْدَأُ بِأَكْلِ لُقَمٍ يَكْسِرُ بِهَا حِدَّةَ جُوعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُسْتَوْفَى دُفْعَةً كَلَبَنٍ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ حَالٍ يَسُوءُ فِيهِ خُلُقُهُ وَشِدَّتُهُمَا تُسِيءُ الْخَلْقَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَكُلُّ مَا اقْتَضَى كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ عُذْرٌ هُنَا وَمِنْ ثَمَّ عَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ الْأَعْذَارِ هُنَا كُلَّ وَصْفٍ كُرِهَ مَعَهُ الْقَضَاءُ كَشِدَّةِ الْغَضَبِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ تُطْلَبْ الصَّلَاةُ فَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى (وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ)
ــ
[حاشية الشرواني]
لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْبَدِيهِيِّ أَنَّ الْحَرَّ إنَّمَا يَكُونُ عُذْرًا إذَا حَصَلَ بِهِ التَّأَذِّي، فَإِذَا وَجَدَ ظِلًّا يَمْشِي فِيهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الظِّلُّ دَافِعًا لِلتَّأَذِّي بِالْحَرِّ فَلَا وَجْهَ حِينَئِذٍ لِكَوْنِ الْحَرِّ عُذْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَافِعًا لِذَلِكَ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْإِبْرَادِ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ الْفَرْقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْبَابَيْنِ إذْ لَيْسَ الْمَدَارُ إلَّا عَلَى حُصُولِ التَّأَذِّي بِالْحَرِّ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُطْلَبُ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الْحَرِّ بِشَرْطِهِ، فَإِنْ خَالَفُوا وَأَقَامُوا الْجَمَاعَةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ عُذِرَ مَنْ تَخَلَّفَ لِعُذْرِ الْحَرِّ فَتَأَمَّلْهُ سم (قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ إلَخْ) قَدْ مَرَّ مَا فِيهِ سم
(قَوْلُهُ: أَمَّا حَرٌّ نَشَأَ مِنْ السَّمُومِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَمِنْ الْعَامِّ السَّمُومُ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الرِّيحُ الْحَارَّةُ، وَالزَّلْزَلَةُ وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ تَحَرُّكُ الْأَرْضِ لِمَشَقَّةِ الْحَرَكَةِ فِيهِمَا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا. اهـ. (وَهِيَ إلَخْ) أَيْ السَّمُومُ، وَالتَّأْنِيثُ لِرِعَايَةِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: حَتَّى عَلَى مَا فِيهِمَا) أَيْ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا) الْأَوْلَى وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ، وَالْمُغْنِي وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحِ فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا أَحَسَّ بِهِمَا ضَعِيفُ الْخِلْقَةِ دُونَ قَوِيِّهَا فَيَكُونَانِ مِنْ الْخَاصِّ، وَالثَّانِي عَلَى مَا أَحَسَّ بِهِمَا قَوِيُّهَا فَيُحِسُّ بِهِمَا ضَعِيفُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى فَيَكُونَانِ مِنْ الْعَامِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ عَدُّهُمَا مِنْ الْخَاصِّ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُطْلَقَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْخَاصَّةِ أَوْ مِنْ الْعَامَّةِ بَلْ يُقَالُ هُمَا قِسْمَانِ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى مِنْهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ فَمِنْ الْعَامَّةِ وَإِلَّا فَمِنْ الْخَاصَّةِ بَصْرِيٌّ
(قَوْلُهُ: أَيْ شَدِيدِينَ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ أَيْ أَنَّ إلَى بِأَنَّهُ وَقَوْلُهُ وَشِدَّتُهُمَا إلَى وَالْحَاصِلُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِحَضْرَةِ مَأْكُولٍ) أَيْ وَكَانَ تَائِقًا لِذَلِكَ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَالَ الرَّشِيدِيُّ كَأَنَّهُ م ر احْتَرَزَ بِهِ عَنْ طَعَامٍ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِهِ شِدَّةُ الْجُوعِ كَأَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ تَنْفِرُ مِنْهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ بِحَضْرَةِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ) وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا حَرُمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ يَتَرَقَّبُ حَلَالًا فَلَوْ لَمْ يَتَرَقَّبْهُ كَانَ كَالْمُضْطَرِّ ع ش (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ قَرُبَ حُضُورُهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ضَابِطُ الْقُرْبِ أَنْ يَحْضُرَ قَبْلَ فَرَاغِ الْجَمَاعَةِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ آخَرُونَ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ، وَالْمُغْنِي وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ فِي الْمُهِمَّاتِ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّوَقَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَلَا عَطَشٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفَوَاكِهِ، وَالْمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ تَتُوقُ النَّفْسُ إلَيْهَا عِنْدَ حُضُورِهَا بِلَا جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ يَبْعُدُ مُفَارَقَتُهُمَا لِلتَّوَقَانِ إذْ التَّوَقَانُ إلَى الشَّيْءِ الِاشْتِيَاقُ لَهُ لَا الشَّوْقُ فَشَهْوَةُ النَّفْسِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِدُونِهِمَا لَا تُسَمَّى تَوَقَانًا، وَإِنَّمَا تُسَمَّاهُ إذَا كَانَتْ بِهِمَا بَلْ لِشِدَّتِهِمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مُسَاوٍ) الْأَنْسَبُ التَّفْرِيعُ (قَوْلُهُ: كَخَبَرِ «إذَا حَضَرَ» إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ سَاكِتَانِ عَنْ قُرْبِ الْحُضُورِ (قَوْلُهُ: وَلِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلْأَخْبَارِ (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ الرَّدُّ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجُوعِ، وَالْعَطَشِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ اشْتَدَّ بِحَيْثُ يَخْتَلُّ بِهِ أَصْلُ خُشُوعِهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا إلَخْ) أَيْ مَشَقَّةَ الْجُوعِ أَوْ الْعَطَشِ بِالْحَيْثِيَّةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ: فَيَبْدَأُ بِأَكْلِ لُقَمٍ إلَخْ) وَتَصْوِيبُ الْمُصَنِّفِ الشِّبَعَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى خِلَافِهِ نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا إذَا وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِعَدَمِ التَّطَلُّعِ بَعْدَ أَكْلِ مَا ذُكِرَ وَكَلَامُهُ عَلَى خِلَافِهِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ تُكْرَهُ فِي حَالَةِ تَنَافِي خُشُوعِهِ نِهَايَةٌ قَالَ ع ش قَوْلُهُ م ر إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى خِلَافِهِ هَذَا مُعْتَمَدُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ الشَّارِحِ م ر وَقَوْلُهُ م ر فِي حَالَةِ تَنَافِي خُشُوعِهِ مِنْهَا مَا لَوْ تَاقَتْ نَفْسُهُ لِلْجِمَاعِ بِحَيْثُ يَذْهَبُ خُشُوعُهُ لَوْ صَلَّى بِدُونِهِ. اهـ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا ظَنَّ أَنَّ الْأَكْلَ إلَى الشِّبَعِ يُفَوِّتُ الْجَمَاعَةَ دُونَ أَكْلِ اللُّقَمِ وَإِلَّا فَأَيُّ فَائِدَةٍ حِينَئِذٍ لِلْخِلَافِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مَا ذَكَرْته) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى) لَا يَخْفَى
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
لِلتَّأَذِّي بِالْحَرِّ فَلَا وَجْهَ حِينَئِذٍ لِكَوْنِ الْحَرِّ عُذْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَافِعًا لِذَلِكَ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْإِبْرَادِ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ الْفَرْقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْبَابَيْنِ إذْ لَيْسَ الْمَدَارُ فِيهِمَا إلَّا عَلَى حُصُولِ التَّأَذِّي بِالْحَرِّ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ فِي مُفَارَقَةِ مَا هُنَا لِلْإِبْرَادِ أَنَّ مَا هُنَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ الْإِبْرَادَ وَأَقَامَ الْجَمَاعَةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَيُعْذَرُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ لِعُذْرِ الْحَرِّ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُطْلَبُ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الْحَرِّ بِشَرْطِهِ، فَإِذَا خَالَفُوا وَأَقَامُوا الْجَمَاعَةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ عُذِرَ مَنْ تَخَلَّفَ لِعُذْرِ الْحَرِّ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ بَيَّنْته بِهَامِشِ شَرْحِ الْإِرْشَادِ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ) قَالَ فِي -