لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءٌ وَفِي الْآخَرِ شِفَاءٌ» وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ «وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» وَفِي أُخْرَى «أَحَدُ جَنَاحَيْ الذُّبَابِ سُمٌّ وَالْآخَرُ شِفَاءٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ أَيْ اغْمِسُوهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» وَغَمْسُهُ يُؤَدِّي إلَى مَوْتِهِ لَا سِيَّمَا فِي الْحَارِّ فَلَوْ نَجِسٌ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَقِيسَ بِالذُّبَابِ غَيْرُهُ مِنْ كُلِّ مَا لَيْسَ فِيهِ دَمٌ مُتَعَفِّنٌ، وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ وُقُوعُهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الدَّمِ الْمُتَعَفِّنِ يَقْتَضِي خِفَّةَ النَّجَاسَةِ بَلْ طَهَارَتَهَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ كَالْقَفَّالِ فَكَانَتْ الْإِنَاطَةُ بِهِ أَوْلَى.
وَمَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ ذَاكَ إذْ لَوْ طُرِحَ فِيهِ مَيِّتٌ مِنْ ذَلِكَ نُجِّسَ إذْ لَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ الطَّارِحُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَكِنْ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ الْمَطْرُوحُ مَاءً أَوْ مَائِعًا هِيَ فِيهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ
ــ
[حاشية الشرواني]
يَكُنْ مَعَهُمَا رُطُوبَةٌ نَجِسَةٌ انْتَهَى رَوْضٌ وَشَرْحُهُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ) وَلِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءٌ) أَيْ وَهُوَ الْيَسَارُ خَطِيبٌ وَعَلَيْهِ فَلَوْ قُطِعَ جَنَاحُهَا الْأَيْسَرُ لَا يُنْدَبُ غَمْسُهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ بَلْ قِيَاسُ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ حُرْمَةِ غَمْسِ غَيْرِ الذُّبَابِ حُرْمَةُ غَمْسِ هَذِهِ الْآنَ لِفَوَاتِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْغَمْسِ ع ش وَقَوْلُهُ جَنَاحُهَا الْأَيْسَرُ أَيْ أَوْ جَنَاحَاهَا كَمَا فِي سم عَنْ بَعْضِهِمْ (قَوْلُهُ وَإِنَّهُ يَتَّقِي إلَخْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ يَجْعَلُهُ وِقَايَةً أَيْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي الْوُقُوعِ بُجَيْرِمِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِيهِ هَذَا) مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ وَغَمَسَهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمُدَّعِي عَنْ عَدَمِ التَّنَجُّسِ، (قَوْلُهُ وَقِيسَ بِالذُّبَابِ إلَخْ) أَيْ فِي عَدَمِهَا لَا فِي الْغَمْسِ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ طَهَارَتُهَا) أَيْ الْمَيْتَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى بَلْ عَدَمُهَا (قَوْلُهُ فَكَانَتْ الْإِنَاطَةُ بِهِ) أَيْ بِعَدَمِ الدَّمِ الْمُتَعَفِّنِ وَقَوْلُهُ أَوْلَى أَيْ مِنْ الْإِنَاطَةِ بِعُمُومِ الْوُقُوعِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَعَ ذَلِكَ) أَيْ اسْتِثْنَاءِ تِلْكَ الْمَيْتَاتِ عَنْ التَّنْجِيسِ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ ذَاكَ أَيْ الْمَائِعِ بِحِفْظِهِ عَنْهَا قَالَهُ الْكُرْدِيُّ، وَيَظْهَرُ بَلْ يَتَعَيَّنُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ أَنَّ الْمَعْنَى وَمَعَ أَوْلَوِيَّةِ الْإِنَاطَةِ بِعَدَمِ الدَّمِ الْمُتَعَفِّنِ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ عُمُومِ الْوُقُوعِ وَالْحَاجَةِ (قَوْلُهُ إذْ لَوْ طُرِحَ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَحْيَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يُنَجِّسْهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْوُصُولِ دُونَ الْإِلْقَاءِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ طُرِحَ مَيِّتًا، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ مَاتَ هَلْ يُنَجِّسُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَيُحْتَمَلُ الثَّانِي ع ش وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الثَّانِي عِبَارَتَهُ فَإِنْ طُرِحَتْ الْمَيْتَةُ حَيَّةً وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ أَوْ مَيْتَةً فَأُحْيِيَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ لَمْ تَضُرَّ فِي الْحَالَتَيْنِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَلَوْ مَاتَتْ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ فَتَكُونَ طُرِحَتْ مَيْتَةً وَوَصَلَتْ مَيْتَةً لَكِنْ أُحْيِيَتْ بَيْنَهُمَا فَلَا تَضُرُّ أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشبراملسي، وَلَوْ وُجِدَتْ فِي الْمَاءِ وَشَكَّ فِي أَنَّهَا وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ طُرِحَتْ فِيهِ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهَا أَوْ لَا وَاَلَّذِي أَجَابَ بِهِ الرَّمْلِيُّ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَبَعْضُهُمْ أَجَابَ بِالْعَفْوِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ اهـ.
ثُمَّ أَشَارَ فِي بَحْثِ مَا لَا يُدْرِكُهُ طَرَفٌ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِي بِمَا نَصُّهُ وَلَوْ شَكَّ هَلْ يُدْرِكُهَا الطَّرَفُ أَوْ لَا عُفِيَ عَنْهَا عَمَلًا بِالْأَصْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّمْلِيِّ عَدَمُ الْعَفْوِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَائِعِ وَقَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِمَّا لَا دَمَ إلَخْ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ نُجِّسَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ سَهْوًا، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا يَضُرُّ طَرْحُ الْمَيِّتِ فِي الْمَائِعِ يَضُرُّ طَرْحُ الْمَائِعِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي نَحْوِ إنَاءٍ لَكِنْ لَوْ جُهِلَ كَوْنُ الْمَيِّتِ فِي الْإِنَاءِ فَطُرِحَ الْمَائِعُ فِيهِ فَهَلْ يَتَنَجَّسُ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ إذَا كَانَ الطَّرْحُ لِحَاجَةٍ لَكِنْ قَضِيَّةُ ضَرَرِ الطَّرْحِ بِلَا قَصْدِ الضَّرَرِ هُنَا.
وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي زَيْتِ نَحْوِ الْقِنْدِيلِ، وَاحْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلْقَاءُ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ سم أَقُولُ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الزَّرْكَشِيّ مَا يُفِيدُهُ وَالْكُرْدِيُّ عَنْ الْحَاشِيَةِ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ سَهْوًا يَأْتِي عَنْ الْمُغْنِي خِلَافُهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ لَكِنْ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ يَضُرُّ طَرْحُ الْحَيَوَانِ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَبَهِيمَةٍ سم، اعْتَمَدَهُ النِّهَايَةُ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا، وَاعْتَمَدَ الْمُغْنِي أَنَّهُ لَوْ طَرَحَهَا غَيْرَ مُمَيِّزٍ لَمْ يَضُرَّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ الْمَطْرُوحُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّارِحِ سم (قَوْلُهُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إلَخْ) يَأْتِي عَنْ النِّهَايَةِ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
؛ لِأَنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ لَا تُنَجِّسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ بَلْ بِشَرْطِ التَّغَيُّرِ وَقَدْ زَالَ أَوْ لَا تَعُودُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ حَيْثُ يُنَجَّسُ لَا يَطْهُرُ بِدُونِ الْكَثْرَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَالثَّانِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ جَنَاحَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَا يُغْمَسُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْغَمْسِ وَاحْتِمَالِ أَنَّ الْجَنَاحَ الْبَاقِيَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ اهـ.
(قَوْلُهُ إذْ لَوْ طُرِحَ فِيهِ مَيِّتٌ مِنْ ذَلِكَ نَجُسَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ سَهْوًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ ذُبَابَةً مُتَنَجِّسَةً وَأَلْصَقَهَا بِنَحْوِ ثَوْبِهِ أَوْ أَلْقَاهَا فِي مَائِعٍ تَنَجَّسَ شَرْحٌ م ر وَيَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا يَضُرُّ طَرْحُ الْمَيِّتِ فِي الْمَائِعِ يَضُرُّ طَرْحُ الْمَائِعِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي نَحْوِ إنَاءٍ لَكِنْ لَوْ جَهِلَ كَوْنَ الْمَيِّتِ فِي الْإِنَاءِ وَطَرَحَ الْمَائِعَ فِيهِ فَهَلْ يَتَنَجَّسُ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ إذَا كَانَ الطَّرْحُ لِحَاجَةٍ لَكِنْ قَضِيَّةُ ضَرَرِ الطَّرْحِ بِلَا قَصْدِ الضَّرَرِ هُنَا.
وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي زَيْتِ نَحْوِ الْقِنْدِيلِ وَاحْتَاجَ إلَى زِيَادَتِهِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلْقَاءُ الزِّيَادَةِ فِي الْقِنْدِيلِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا فِيهِ وَلَا يُكَلَّفُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ إلْقَاءِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ (قَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ، أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ يَضُرُّ طَرْحُ الْحَيَوَانِ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيَّزٍ وَبَهِيمَةً (قَوْلُهُ أَوْ الْمَطْرُوحُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّارِحِ