(٢) المسافة: جاء تحديد المسافة من فعل ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - كما تقدم بأربعة برد: جمع بريد، والبريد مسيرة نصف يوم، وسُمِّيَ بريداً؛ لأنهم كان فيما مضى إذا أرادوا المراسلات السريعة يجعلونها في البريد، فيرتبون بين كل نصف يوم مستقراً ومستراحاً يكون فيه خيل إذا وصل صاحب الفرس الأول إلى هذا المكان نزل عن الفرس؛ لتستريح وركب فرساً آخر إلى مسيرة نصف يوم، فيجد بعد مسيرة نصف يوم مستراحاً آخر فيه خيل ينزل عن الفرس التي كان عليها ثم يركب آخر وهكذا، لأن هذا أسرع، وفي الرجوع بالعكس، فالبريد عندهم مسيرة نصف يوم، فتكون الأربعة البرد مسيرة يومين، وقَدَّرُوا البريد بالمسافة الأرضية بأربعة فراسخ، فتكون أربعة برد ستة عشر فرسخاً، والفرسخ قدَّروه بثلاثة أميال، فتكون ثمانية وأربعين ميلاً، والميل من الأرض منتهى مد البصر؛ لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، والميل كيلو وستين في المائة أي ١٦٠٠ م، فأربعة برد= ١٦٠٠ × ٤٨ ميلاً = ٧٦.٨ كيلو. وقد ثبت أن ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم أنه قال: ((لا تقصر إلى عرفة وبطن نخلة، واقصر إلى عسفان، والطائف، وجدة))، والمسافة بين مكة والطائف ٨٨كيلو، وبين مكة وجدة ٧٩. فإذا قصد المسافر هذه المسافة فله أن يأخذ برخص السفر عند الجمهور. وأما في الزمن فقيل: إن مسيرته يومان قاصدان بسير الإبل المحملة، ((قاصدان)) يعني معتدلان، بمعنى أن الإنسان لا يسير منها ليلاً ونهاراً سيراً بحتاً، ولا يكون كثيرا النزول والإقامة، فهما يومان قاصدان. [الشرح الممتع لابن عثيمين، ٤/ ٤٩٥ - ٤٩٦، وانظر: فتح الباري، لابن حجر، ٢/ ٥٦٧].