ومما يدل على أن المسافر إذا أقام ببلد متردِّداً في مدة الإقامة جاز له أن يفطر مدة تلك الإقامة؛ لأنه لم يجمع على الإقامة مدة معينة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة الفتح في رمضان وصام حتى إذا بلغ الكديد (١) - الماء الذي بين قُدَيدٍ وعُسفان - أفطر فلم يزل مفطراً
(١) الكَديد: عين جارية بينها وبين المدينة سبع مراحل [والمرحلة الواحدة: المسافة التي يقطعها السائرُ المسافر في نحو يوم]. المصباح المنير للفيومي، ١/ ٢٢٣، والمعجم الوسيط، ١/ ٣٣٥. وبينها وبين مكة قريب من مرحلتين، وهي أقرب إلى المدينة من عُسفان، قال القاضي عياض: الكديد عين جارية على اثنين واربعين ميلاً من مكة، قال: وعسفان قرية جامعة بها منبر على ستة وثلاثين ميلاً من مكة، قال: والكديد ماء بينها وبين قُديد، وفي الحديث الآخر: فصام حتى بلغ كُراع الغَميم، وهو بفتح العين المعجمة، وهو وادٍ أمام عسفان بثمانية آميال، يضاف إليه هذا الكراع، وهو جبل أسود متصل به، والكراع كل أنف سال من جبل أو حرة، قال: وهذا كله في سفر واحد في غزاة الفتح، قال: وسميت هذه المواضع في هذه الأحاديث لتقاربها وإن كانت عسفان متباعدة شيئاً عن هذه المواضع؛ ولكنها كلها مضافة إليها، ومن عملها، فاشتمل اسم عسفان عليها، قال: وقد يكون علم حال الناس ومشقتهم في بعضها فأفطر وأمرهم بالفطر، في بعضها، قال النووي: هذا كلام القاضي وهو كما قال إلا في مسافة عسفان، فإن المشهور أنها على أربعة برد من مكة، وكل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، فالجملة ثمانية وأربعون ميلاً، هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الجمهور. [شرح النووي على مسلم، ٧/ ٢٣٩ - ٢٤٠]. وانظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر، ص١٥٦، ١٧٠، ١٧٨. قال الحموي في معجم البلدان، ٤/ ٤٤٢: ((قال ابن إسحاق: سار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة في رمضان، فصام وصام أصحابه حتى إذا كان بالكديد بين عسفان وأمَج أفطر))، قال: ((وقُدَيْدٌ: اسم موضوع قرب مكة)). ٤/ ٣١٣، ونقل الحموي أيضاً: ((أن عسفان بين مكة والجحفة، وهي من مكة على مرحلتين)) ٤/ ١٢٢، وانظر: فتح الباري، لابن حجر، ٤/ ١٨١.