للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن أتلفوا شيئاً ضمنوا، ولا يُحْجَرُ حرٌّ مكلَّفٌ بِسَفِهٍ وفسقٍ ودَيْن، بل مفتٍ ماجنٍ، وطبيبٍ جاهلٍ، ومكَّارٍ مفلس، فإن بلغَ غيرَ رشيدٍ لم يُسَلَّمْ إليه مالُه، حتّى يبلغَ خمساً وعشرينَ سنة، وصحَّ تصرُّفُهُ قبلَهُ وبعده يسلَّمُ إليه ولو بلا رشدٍ

(وإن أتلفوا شيئاً ضمنوا)؛ لما بيَّنا أنَّهُ لا حجْرَ في أفعالِ الجوارح.

(ولا يُحْجَرُ حرٌّ مكلَّفٌ بِسَفِهٍ (١) وفسقٍ ودَيْن، .... (٢))، هذا عند أبي حنيفة - رضي الله عنه -، وعندهما وعندَ الشَّافعي (٣) - رضي الله عنه - يُحْجَرُ على السَّفيه، وأيضاً إذا طلبَ غرماءُ المفلسِ الحجرَ عليه حَجَرَه القاضي ومنعَهُ من البيعِ والإقرار، وعندهما وعند الشَّافعيّ (٤) - رضي الله عنه - يُحْجَرُ على الفاسقِ زجراً له، (بل مفتٍ ماجنٍ، وطبيبٍ جاهلٍ، ومكَّارٍ مفلس)، اعلم أنَّ أبا حنيفة - رضي الله عنه - يرى الحجرَ على هؤلاءِ الثَّلاثةَ دفعاً لضررِهم عن النَّاس، فالمفتي الماجن: هو الذي يعلِّمُ النَّاسَ الحيل، والمكاري المفلسُ: هو الذي يُكاري الدَّابةَ ويأخذُ الكراءَ فإذا جاءَ أوانُ السَّفرِ لا دابَّةَ لهُ فانقطعَ المُكْتَري عن الرِّفقة.

(فإن بلغَ غيرَ رشيدٍ لم يُسَلَّمْ إليه مالُه، حتّى يبلغَ خمساً وعشرينَ سنة، وصحَّ تصرُّفُهُ قبلَهُ وبعده يسلَّمُ إليه ولو بلا رشدٍ (٥))، اعلم أنَّ الصَّبيَّ إذا بلغَ غيرَ رشيدٍ لم يسلَّمْ إليه مالُهُ اتِّفاقاً، قال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} (٦)، إلى قولِه: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا} (٧)، فأبو حنيفةَ - رضي الله عنه - قدَّر الإيناسَ بالزَّمانِ وهو خمسٌ وعشرونَ سنة، فإنَّ هذا سنٌّ إذا بلغَهُ المرءُ يمكنُ أن يصيرَ جدَّاً؛ لأنَّ أدنى مدَّة البلوغِ اثنا عشر حولاً، وأدنى مدَّةُ الحملِ ستَّةُ أشهر، ففي هذا المبلغِ يمكنُ أن يولدَ لهُ ابنٌ، ثمَّ في ضعفِ هذا المبلغِ يمكنُ أن يولدَ لابنِهِ ابنٌ، فالظَّاهرُ أنَّ يؤنسَ منهُ رشدٌ ما في سنِّ خمسٍ


(١) السفه: وهو خفّةٌ تعتري الإنسانَ فيحملُه على العمل بخلافِ موجبِ الشرع والعقل، مع قيامِ العقل، وقد غلبَ في عرفِ الفقهاء على تبذيرِ المال وإتلافه على خلافِ مقتضى الشرع والعقل، مثل دفعِ ماله إلى المغنيين واللّعابين وشراء الحمامة الطيّارة بثمنٍ غالٍ وإلقائه في البحر وإحراقه، هذه أمثلةٌ التبذير الذي هو دأبُ السفهاء. ينظر: «الكفاية» (٨: ١٩١).
(٢) زيادة في ق: وصحَّ منه بعدَ حَجْرِهِ ما صحَّ قبله.
(٣) ينظر: «النكت» (ص ٤٦٠)، وغيرها.
(٤) ينظر: «النكت» (ص ٤٦٢)، وغيرها.
(٥) زيادة من أ و م.
(٦) من سورة النساء، الآية (٥).
(٧) من سورة النساء: الآية (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>