للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [في اللبس]]

لا يلبسُ رجلٌ حريراً إلا قدرَ أربعةِ أصابع، ويتوسَّدُهُ ويفترشُه

اعلم أنَّه لا يخلو أنَّه إن عَلِمَ قبل الحضور أنَّ هناك لهواً لا يجوزُ الحضور، وإن لم يعلمْ قبل الحضور لكن هُجِمَ بعده، فإن كان قادراً على المنعِ يمنع، وإن لم يكنْ قادراً، فإن كان الرَّجلُ مقتدىً يخرج؛ لئلاَّ يقتدي النَّاسُ به، وإن لم يكنْ مقتدى، فإن قعد وأكل جاز؛ لأنَّ إجابةَ الدَّعوةِ سنَّةٌ فلا تتركُ بسببِ بدعةٍ كصلاةِ الجنازةِ تحضرها النيّاحة، قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -: ابتليتُ بها مرَّةً فصبرت، قالوا: قولُه: ابتليتُ، يدلُّ على الحرمة، ويمكن أن يقال: الصَّبرُ على الحرامِ لإقامةِ السُّنةِ لا يجوز، والصَّبرُ الذي قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - أن يكون جالساً معرضاً عن ذلك اللَّهوِ منكراً له، غيرَ مشتغلٍ ولا متلذِّذاً به.

[فصل [في اللبس]]

(لا يلبسُ رجلٌ حريراً إلا قدرَ أربعةِ أصابع): أي في العرض، أرادَ مقدارَ العلم، ورويَ أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم -: «لبسَ جُبَّةً مكفوفةً بالحرير» (١)، وعند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -: لا فرقَ بينَ حالةَ الحربِ وغيره، وعندهما: يحلُّ في الحربِ ضرورة، قلنا: الضَّرورةُ تندفعُ بما لَحْمتُهُ (٢) إبريسم، وسَدَاهُ (٣) غيره، (ويتوسَّدُهُ ويفترشُه)، هذا عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -؛ لما روي أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم -: «جلسَ على مرفقةٍ من حرير» (٤)، وقالا: يكره.


(١) من حديث أسماء في «السنن الصغرى للبيهقي» (١: ٢٣٠)، و «شرح معاني الآثار» (٤: ٢٤٥)، و «معتصر المختصر» (٢: ٢٨٧)، وفي مسلم (٣: ١٦٤١): عن أسماء قالت هذه جبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجت إلي جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها.
(٢) لَحْمة الثوب: بالفتح ما ينسج عرضاَ والضم لغة، وقال الكسائي: بالفتح لا غير واقتصر عليه ثعلب. ينظر: «المصباح» (ص ٥٥١).
(٣) السَّدى وزان الحَصَى من الثوب خلاف اللَّحمة وهو ما يمدُّ طولاً في النسج. ينظر: «المصباح» (ص ٢٧١).
(٤) قال الزيلعي في «نصب الراية» (٤: ٢٢٧): غريب جداً، وروي أنه كان على بساط ابن عباس - رضي الله عنه - مرفقة حرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>