للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

مكانة «الوقاية» و «شرح الوقاية» بين كتب الفقه الحنفي

أعرض هنا التسلسل التاريخي لمراحل الفقه الحنفي وكتبه؛ لنتبين ما سبق «الوقاية» و «شرح الوقاية» من الكتب فنتعرَّف مدى تأثرهما بها، والطريق التي مشى عليها الفقه الحنفي حتى وصل إليهما، وممَّا استقى مؤلِّف «الوقاية» كتابه.

وبذكر المراحل التاريخية لما بعدهما؛ نتعرَّف على مدى تأثُّر مَن تأخر عنهما بهما واستفادتهم منهما، ونظرتهم إليهما، وقبل ذلك أمهد بتمهيد مختصرٍ عن نشأة الفقه نتبيَّن من خلاله سبب اعتناء العلماء ومنهم برهان الشريعة وصدر الشريعة كلٌّ بخدمة مذهبه فحسب، ولئن أطال الله في عمري لأفردن هذا البحث بدارسة خاصة تتناول جميع جوانبه، لما اعتراه من الخلط والتخبط في الفهم في هذا الزمان؛ ولذا ألتمس القارئ الكريم اعتذاراً على الإيجاز المذكور هنا.

تمهيد:

بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هادياً للعالمين ومبيِّناً لأحكام الدين سلوكاً وعقيدةً وعملاً، ولم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أتمَّ البيان: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك» (١)، وهذا التعليم منه - صلى الله عليه وسلم - استغرق كلَّ حياته لكلِّ مَن صحبه، فكلٌّ من صحابته - رضي الله عنهم - يمكن أن يقول له كلاماً يتلاءم مع نفسه وحاله، وعلى حسب ما يقتضيه المقام من البيان والتعليم، الأمر الذي أدَّى إلى اختلاف فيما ينقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأقوال والأفعال، علاوةً على أن كبار الصحابة المجتهدين الذين تصدُّوا للفتوى ورد عنهم أقوال عديدة تختلف عمَّا نقل عن بعض


(١) في «المستدرك» (١: ٧٥)، و «المسند المستخرج» (١: ٣٦)، «المعجم الكبير» (١٨: ٢٤٧)، وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>