الحمد لله الذي رزقنا الهداية، ورحمنا بالعناية، ونجَّانا بالوقاية، وأسلكنا السبيل بالنقاية، فمنه الدراية، ورضاه الغاية، والصلاة والسلام على المصطفى برهان الشريعة، وعلى صحابته وتابعيه الذين هم صدر الشريعة، ومَن تبعهم بإحسان وسار على دربهم إلى يوم القيام.
أما بعد:
فإنّ دراستي في مرحلة الماجستير كانت عن أحد متأخّري الأحناف المحقِّقين، وهو الإمام اللكنوي، وقد لمستُ فيها عظم الفقه الحنفيّ، والحاجة إلى ضبط مسائله ودقائقه الفريدة؛ إذ كان المعوّل عليه في الحكم والقضاء والفتوى في أكثر الخلافات والدول الإسلامية التي مضت، فعاشر الناس وعايشهم، وبنايته كانت على حسب حاجتهم.
والحاجة إلى الاختصاص مطلوبة؛ لأن العلومَ كثيرةٌ ومتفرِّعة، وكلٌّ منها له دقائقه الخاصّة به، التي لا يدركها إلا غاص فيه، ولا سيما أن الإحاطة بالعلوم مستحيلة:
ما حوى العلم جميعاً أحد … لا ولو مارسه ألف سنة
إنما العلم منيع عوره … فخذوا من كل علم أحسنه (١)
وفي هذا العصر خاصّة امتازت الشعوب عن بعضها بقدر اهتمامها بالتخصص: أي بعناية كلِّ فردٍ منها بأمر والتعمُّق فيه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ لمعرفة كنوزه وأسراره وإبرازها للناس.