للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: لقب صدر الشريعة]

غلبَ عليه لقبه: صدر الشريعة؛ أكثر من اسمه، وبه عرف بين الطلبة (١) وفي كتب الفقه والأصول وغيرها، كما لا يخفى على المتتبع، ويبدو لي أن لقبَ صدر الشريعة كان منتشراً في تلك البلاد وفي ذلك العصر وإن لم يكن عُرِفَ به من أهل العلم سوى المُتَرْجَم، وصار عَلَماً عليه، يدلُّ على ذلك كلامُ (٢) ابن بطوطة أثناء حديثه في رحلته (٣) بين خَوارزم وبُخارا: «وصلنا إلى مدينة الكات … وسمع بقدومي قاضي الكات ويسمَّى صدر الشريعة وكنت لقيته بدار قاضي خَوارزم فجاء إليَّ مسلماً مع الطلبة … »، وهذا غير المترجم له؛ لأنه ذكره بعد صحيفتين بعبارة سيأتي ذكرها تدلّ على أنه غيره.

وسبب إطلاق هذ الألقاب كما نبَّه عليه أصحابُ كتب التراجم (٤) أنه غَلَبَ على أهلِ خُراسان وما وراء النهر المغالات في الترفُّع على غيرهم: كشمس الأئمة، وفخر الإسلام، وصدر الإسلام، وصدر جهان، وتاج الشريعة، وبرهان الشريعة، وصدر الشريعة، ونحو ذلك، بخلاف ما غلب على فقهاء العراق من السذاجة في الألقاب والاكتفاء بالنسبة إلى صناعة أو محلّة أو قبيلة أو قرية كالجَصَّاص والقُدوري والكَرْخي والصَّيْمريّ، وهذا في الأزمنة المتأخّرة، وأما في الأزمنة المتقدمة، فكلُّهم بريئون من أمثال ذلك.


(١) ينظر: «كتائب أعلام الأخيار» (ق ٢٨٧/أ)، و «الفوائد البهية» (ص ١٨٥).
(٢) وأيضاً كلام أرمينيوس فامبري في «تاريخ بُخارا» (ص ٢٠٣) الذي ترجمه الدكتور أحمد الساداتي إذ قال: «وبهذا صار رجال الدين بدورهم حماة لمن يعيشون في دائرتهم حتى لنرى ابتداءً من ذلك صدر الشريعة ورؤساء القضاء، بل وكل من يشتهرون بالورع والتقوى يستمتعون في بلاد ما وراء النهر بنفوذ لم تعرف له البلاد الإسلامية الأخرى نظيراً». اهـ. فالعبارة وإن كانت غير مستقيمة، ولا نعرف إذا كان عدم استقامتها من المؤلّف أو المترجم أو الطبّاع، المهمّ أنه ذكر صدر الشريعة، ولم يرد به شخصاً معيَّناً وإنما مجموعة من الناس هم من أهل العلم، فلعلَّه وقع نظره كثيراً على من سمِّي بصدر الشريعة فظنَّ أن مَن كان فقيهاً يسمَّى بذلك، والله أعلم.
(٣) رحلة ابن بطوطة» (١: ٢٣٦).
(٤) ينظر: «الفوائد البهية» (ص ٤٠٩ - ٤١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>