للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرشُ اليد من قطعِ يدِ مَن له عليه قودُ نفسٍ فعفا عنه.

[باب الشهادة في القتل واعتبار حالته]

القَوَدُ يثبتُ بدأ للورثِةِ لا إرثاً، فلا يصيرُ أحدُهم خصماً عن البقيَّة

فاستوفاهُ فسرى إلى النَّفسِ يضمنُ دِيَةَ النَّفسِ عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -؛ لأنَّ حقَّهُ في القطع، وقد قتل، وعندهما (١) لا يضمنُ شيئاً؛ لأنَّهُ استوفى حقَّهُ وهو القطع، ولا يمكنُهُ التَّقييدُ بوصفِ السَّلامة، لما فيه من سدِّ بابِ القصاص، والاحترازِ عن السِّرايةِ ليسَ في وسعِه.

(وأرشُ اليد من قطعِ يدِ مَن له عليه قودُ نفسٍ فعفا عنه): أي قطعَ وليُّ القتيلِ يدَ القاتل، ثمَّ عفا عن القتلِ ضَمِنَ ديةَ اليدِ عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -؛ لأنَّهُ استوفى غيرَ حقِّهِ لكن لا يجبُ القصاصُ للشُّبهة، وعندهما: لا يضمنُ شيئاً؛ لأنَّهُ استحقَّ إتلافَ النَّفسِ بجميعِ أجزائِهِ فأتلفَ البعض، فإذا عفا، فهو عفوٌ عمَّا وراءَ هذا البعضِ فلا يضمن شيئاً.

[باب الشهادة في القتل واعتبار حالته]

(القَوَدُ يثبتُ بدأ للورثِةِ لا إرثاً)، اعلمْ أنَّ القصاصَ يثبتُ للورثةِ ابتداءً عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -؛ لأنَّهُ يثبتُ بعد الموت، والميْتُ ليس أهلاً لأن يملكَ شيئاً إلا ما له إليه حاجةٌ كالمالِ مثلاً، فطريقُ ثبوتِهِ الخلافة، وعندهما: طريقُ ثبوتِهِ الوراثة، والفرقُ بينهما أنَّ الوراثةَ تستدعي سبقَ ملكِ المورِّثِ، ثمَّ الانتقالُ منه إلى الوارث، والخلافةُ لا تستدعي ذلك، فالمرادُ بالخلافةِ هنا أن يقومَ شخصٌ مقامَ غيرِهِ في إقامةِ فعلِه، ففي القتلِ إذا اعتدى القاتلُ على المقتولِ فالحقُّ أن يعتدي المقتولُ بمثلِ ما اعتدى عليه، لكنَّهُ عاجزٌ عن إقامتِه، فالورثةُ قاموا مقامَهُ من غيرِ أنَّ المقتولَ ملكَه، ثمَّ انتقلَ منه إلى الورثة.

ثمَّ إذا ثبتَ هذا الأصلُ فرَّعَ عليه قوله: (فلا يصيرُ أحدُهم خصماً عن البقيَّة)، اعلم أنَّ كلَّ ما يملكُهُ الورثةُ بطريقِ الوراثة، فأحدُهم خصمٌ عن الباقين: أي قائمٌ مقامَ الباقينَ في الخصومةِ حتى إن ادَّعى أحدُ الورثةِ شيئاً من التَّركةِ على أحد، وأقامَ بيِّنةَ يثبتُ حقُّ الجميع، فلا يحتاجُ الباقونَ إلى تجديدِ الدَّعوى، وكذا إذا ادَّعى أحدٌ على أحدِ الورثةِ شيئاً من التَّركة، وأقامَ البيَّنةَ عليه يثبتُ على الجميع، حتى لا يحتاجَ المدَّعي إلى أن يدَّعي على كلِّ واحد، وما يملكُهُ الورثةُ لا بطريقِ الوراثةِ لا يصيرُ أحدُهُم خصماً عن الباقين.


(١) في «البرهان»: وهو الأظهر. ينظر: «الشرنبلالية» (٢: ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>