للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الإكراه]

هو فعلٌ يوقعُهُ المُكْرِه بغيرِه، فيفوتُ به رضاه، أو يفسدُ اختيارُه مع بقاء أهليته

[كتاب الإكراه]

(هو فعلٌ يوقعُهُ المُكْرِهُ (١) بغيرِه، فيفوتُ به رضاه، أو يفسدُ اختيارُه مع بقاء أهليته (٢) يقال: أوقع فلانٌ بفلانٍ ما يسوؤه، ثُمَّ الاكراهُ نوعان:

أحدُهما: أن يكونَ مفوِّتاً للرَّضا، وهو أن يكون بالحبس، أو الضرب.

والثَّاني: أن يكون مفسداً للاختيار، وهو أن يكونَ التَّهديدَ بالقتل، أو قطعِ العضو.

فَفَوت الرِّضا أعمُّ من فسادِ الاختيار، ففي الحبس، أو الضَّرب يفوتُ الرِّضاء، ولكن الاختيار الصَّحيحَ باق، وفي القتل لا رضاءَ، ولكن له اختيار غيرُ صحيح، بل اختيارٌ فاسد.

وتحقيقُهُ: إن الرِّضا في مقابلةِ الكراهة، والاختيارَ في مقابلةِ الجبر، ففي الإكراه بالحبسِ والضرب لا شكَّ أنَّ الكراهةَ موجودة، فالرِّضا معدومٌ، لكن الاختيار متحقِّقٌ مع وصفِ الصحَّة، فإنَّ الاختيار إنِّما يفسدُ في مقابلةِ تلفِ النَّفس أو العضو، فإنَّ كلَّ أمرٍ فيه هلاكُ أحدِهما فالامتناعُ عنه مجبولٌ في طبيعةِ جميعِ الحيوانات.

ألا تَرَى أنَّ القوةَ الماسكةَ، كيف تمسكُ الإنسانَ، بل جميعَ الحيواناتِ عن الهوى من المكان العالي، ومن الإلقاء في النَّار عند مظنَّةِ التَّلَف، فالامتناعُ عنه وإن كان اختيارياً، فهو اختيارٌ صورةً قريبٌ من الجبر، فكذا في الإكراه عند خوفِ تَلَفِ النفس أو العضو اختيارُ الامتناع عمَّا فيه مظنَّةُ الهلاكِ اختيارٌ فاسد؛ لأنَّ الإنسانَ عليه مجبورٌ من حيث إنَّ الطَّبعَ عليه مجبول، ومع ذلك الأهليةُ باقيةٌ في المُلْجئ، وغير المُلْجئ (٣) لتحقُّق العقل والبلوغ.


(١) زيادة من ب و ق و م.
(٢) أي لا يزولُ به أهليّة المكره، ولا يسقطُ عنه الخطاب؛ لأنّ المكرَه مبتلى، والابتلاءُ تحقّقُ الخطاب، ألا ترى أنّه متردِّدٌ بين فرضٍ ورخصة، ويأثمُ مرّة ويؤجرُ أخرى، وهو آية الخطاب. ينظر: «الكفاية» (٨: ١٦٦).
(٣) أي المضطّر وغير المضطّر، والمرادُ بالأوّل هو النوع الثاني من الإكراه، وعن الثاني هو الأوّل منه. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص ٥٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>