للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشرطُهُ: قدرةُ المُكْرِهِ على إيقاعِ ما هدَّدَ به سُلطاناً كان، أو لصَّاً، وخوفُ المُكْرَهِ إيقاعُه، وكونُ المُكْرَهِ به مُتلفاً نفساً، أو عضواً، أو مُوجباً غمَّاً يعدمُ الرِّضاء، والمُكْرَهُ ممتنعاً عمَّا أُكْرِهَ عليه قبلَهُ لحَقِّه، أو لحَقِّ آخر، أو لِحَقِّ الشَّرع، فلو أُكْرِهَ بقتلٍ أو ضربٍ شديد، أو حبسٍ حتَّى باع، أو اشترى، أو أقرَّ، أو أجَّرَ فَسَخَ أو أمضى، ويملكُهُ المشتري إن قبضَ فيصحُّ إعتاقُه، ولَزِمَهُ قيمتُه

(وشرطُهُ:

قدرةُ المُكْرِهِ على إيقاعِ ما هدَّدَ به سُلطاناً كان، أو لصَّاً)، روي عن أبي حنيفةَ - رضي الله عنه - أنَّ الإكراهَ لا يتحقَّقُ إلاَّ من السُّلطان، فكأنَّه قال ذلك بناءً على ما كان واقعاً في عصره.

(وخوفُ المُكْرَهِ إيقاعُه): أي يغلبُ على ظنِّهِ أنَّ المُكْرِهَ يوقِعُه.

(وكونُ المُكْرَهِ به مُتلفاً نفساً، أو عضواً، أو مُوجباً غمَّاً يعدمُ الرِّضاء)، اعلم أنَّ هذا يختلفُ باختلاف النَّاس، فإنَّ الأراذلَ رُبَّما لا يَغْتَمُّونَ بالضَّرب أو الحبس، فالضَّربُ اللَّيِّنُ لا يكون إكراهاً في حقِّهم، بل الضَّربُ المُبرِح، وكذا الحبسُ إلاَّ أن يكونَ حبساً مديداً يتضَّجِرُ منه، والأشراف يغتمُّونَ بكلامٍ فيه خشونة، فمثلُ هذا يكونُ إكراهاً لهم.

(والمُكْرَهُ ممتنعاً عمَّا أُكْرِهَ عليه قبلَهُ لحَقِّه): كبيعِ ماله، أو إتلافِه، أو إعتاقِ عبده، (أو لحَقِّ آخر): كإتلافِ مال الغير، (أو لِحَقِّ الشَّرع): كشرب الخمر، والزِّنا.

(فلو أُكْرِهَ بقتلٍ أو ضربٍ شديد (١)، أو حبسٍ حتَّى باع، أو اشترى، أو أقرَّ، أو أجَّرَ فَسَخَ أو أمضى)، فإنّ هذه العقودَ يشترطُ فيها الرِّضا، فالإكراهُ الذي يَعْدِمُ الرِّضاء، وهو غيرُ المُلْجِئ يمنعُ نفاذَها لكنَّها تنعقد، وله الخيارُ في الفسخِ والامضاء.

(ويملكُهُ المشتري إن قبضَ فيصحُّ إعتاقُه، ولَزِمَهُ قيمتُه)؛ لأنَّ بيعَ المُكْرَه عندنا بيعٌ فاسد؛ لأنَّ ركنَ البيعِ (٢) صدرَ من أهلِه في محلِّه، والفسادُ لفواتِ الوصف، وهو الرِّضا، والمبيعُ بيعاً فاسداً يملكُ بالقبض، فلو قَبَضَ وأعتق، أو تَصَرَّفَ تصرُّفاً لا ينقضُ ينفذُ خلافاً لزفر - رضي الله عنه -، إذ هو عنده بيعٌ موقوف، والموقوفُ قبل الإجازةِ لا يفيدُ الملك.


(١) أي متلفٌ لا بسوطٍ أو سوطين إلا على المذاكيرِ والعين؛ لأنّه يخشى منه التلف. ينظر: «الدر المختار» (٥: ٨١).
(٢) أي الإيجابُ والقبولُ صدرا من أهله، هو العاقلُ البالغ في محلّه؛ أي المال المتقوّم. ينظر: «ذخيرة العقبى» (ص ٥٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>