للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا فيما بيعَ إلا ذراعاً من طولِ حدِّ الشَّفيع، أو شرى سهماً منهما بثمنٍ ثمَّ باقيها إلاَّ في السَّهمِ الأوَّل، أو شرى بثمنٍ ثمَّ دفعَ عنه ثوباً لا يأخذ إلاَّ بالثَّمن، ولا يكرَهُ حيلةُ إسقاطِ الشُّفعةِ والزَّكاةِ عند أبي يوسفَ - رضي الله عنه -، وبه يفتى في الشفعة وبضده في الزَّكاة

(ولا فيما بيعَ إلا ذراعاً من طولِ حدِّ الشَّفيع)، هذا حيلةٌ لإسقاطِ شفعةِ الجوار، وهي أن تباعَ الدَّارُ إلاَّ مقدارَ عرضِهِ ذراع، أو شبر، أو أصبع، وطولُهُ تمامَ ما يلاصقُ من الدَّارِ المبيعةِ دارَ الشَّفيع؛ فإنَّهُ إذا لم يبعْ مالاً يلاصقُ دارَ الشَّفيع، لا يثبتُ الشُّفعة.

(أو شرى سهماً منهما بثمنٍ ثمَّ باقيها إلاَّ في السَّهمِ الأوَّل)، هذه حيلةٌ أخرى لإسقاط شفعةِ الجوار، وهي أنَّهُ إذا أرادَ أن يشتريَ الدَّارَ بألفٍ يشتري شيئاً قليلاً منها، كسهمٍ واحدٍ من ألفِ سهمٍ مثلاً، بألفٍ إلا درهماً، ثمَّ يشتري الباقي بدرهم، فالشَّفيعُ لا يأخذُ الشُّفعةَ إلا في السَّهمِ الأوَّلَ بثمنِه، لا في الباقي لأنَّ المشتري صار شريكاً وهو أحقُّ من الجار.

(أو شرى بثمنٍ ثمَّ دفعَ عنه ثوباً (لا يأخذ) (١) إلاَّ بالثَّمن)، هذه حيلةٌ أخرى تعمٌّ الجوار وغيره، وهي ما إذا أريدَ بيعُ الدَّارِ بمئةٍ فيشتري الدَّارَ بألفٍ ثمَّ يدفعُ ثوباً يساوي مئة في مقابلةِ الألف، فالشَّفيعُ لا يأخذُهُ إلا بألف.

(ولا يكرَهُ حيلةُ إسقاطِ الشُّفعةِ والزَّكاةِ عند أبي يوسفَ - رضي الله عنه -، وبه يفتى في الشفعة وبضده في الزَّكاة)، اعلم أنَّ حيلةَ إسقاطهما لا يكرَهُ عند أبي يوسف - رضي الله عنه -، ويكرهُ عند محمَّدٍ - رضي الله عنه -، ويفتى في الشُّفعةِ بقولِ أبي يوسفَ - رضي الله عنه -؛ لأنَّهُ منعٌ عن وجوبِ الحقِّ لا إسقاطٌ للحقِّ الثَّابت، وهكذا يقول في الزَّكاة، لكن هذا في غاية الشَّناعة؛ لأنَّهُ إيثارٌ للبخل، وقطعُ رزقِ الفقراءِ الذي قدَّرَهُ الله تعالى في مالِ الأغنياء، والانخراطُ في سلكِ الذين يكنزونَ الذَّهبَ والفضَّةَ ولا ينفقونَهَا في سبيلِ الله، والاستبشارُ (٢) بما بشَّرَهم الله تعالى.

وأقول: الشُّفعةُ إنَّما شرعتْ لدفعِ ضررِ الجوار، فالمشتري إن كان ممَّن يتضرَّرُ به الجيرانُ لا يحلُّ إسقاطُها، وإن كان رجلاً صالحاً ينتفعُ به الجيران، والشَّفيعُ متعنِّتٌ لا يحبُّ جوارَهُ فحينئذٍ يحتالُ في إسقاطها (٣).


(١) زيادة من ف.
(٢) المراد به قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: ٢١].
(٣) وقد نقل ملا خسرو في «الدرر» (٢: ٢١٥) كلامَ الشارح وتابعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>