للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصحَّ دعوى الشربِ بلا أرض، فإن اختصمَ قومٌ في شربٍ بينهم قُسِمَ بقدرِ أراضيهم، ومُنِعَ الأعلى منهم من سكرِ النهر وإن لم يشرب بدونه إلا برضاهم، وكلٌّ منهم من شقِّ نهرٍ منه، ونصبِ رحى أو داليةٍ أو جسرٍ عليه بلا أذنِ شريكه، إلاَّ رحى وُضِعَ في ملكه، ولا يضرُّ بالنهرِ ولا بالماء، ومن توسيعِ فمِ النهر، ومن القسمةِ بالأيَّام وقد كانت بالكِوى، ومن سوقِ شربهِ إلى أرضٍ له أخرى ليس لها منه شرب

أرضِهِ لم يكن عليه كريُ باقي النهر، وهذا عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -، وقالا: عليهم كريه من أوَّله إلى آخرِه (١).

(وصحَّ دعوى الشربِ بلا أرض)، هذا استحسان؛ لأنَّه قد يملكُ بدون الأرضِ إرثاً، وقد يباعُ الأرضُ ويبقى الشربُ للبائع.

(فإن اختصمَ قومٌ في شربٍ بينهم قُسِمَ بقدرِ أراضيهم، ومُنِعَ الأعلى منهم من سكرِ النهر وإن لم يشرب بدونه إلا برضاهم (٢)، وكلٌّ منهم من شقِّ نهرٍ منه، ونصبِ رحى أو داليةٍ أو جسرٍ عليه بلا أذنِ شريكه، إلاَّ رحى وُضِعَ في ملكه)، بأن يكون بطنُ النهر وحافتاه ملكاً له، وللآخرِ حقُّ التسييل، (ولا يضرُّ بالنهرِ ولا بالماء، ومن توسيعِ فمِ النهر، ومن القسمةِ بالأيَّام وقد كانت بالكِوى)، الكِوى جمعُ الكَوّة، وهي روزنُ (٣) البيت، ثمّ استعيرت للثقبِ التي تثقبُ في الخشب؛ ليجريَ الماءُ فيه إلى المزارعِ أو الجداول، وإنَّما يمنع؛ لأنَّ القديمَ يتركُ على قدمِه (٤)، (ومن سوقِ شربهِ إلى أرضٍ له أخرى ليس لها منه شرب)؛ لأنَّه إذا تقادمَ العهدُ يستدلُّ به على أنّه حقُّ تلكَ الأرض.


(١) صورة المسألة: لو كان الشركاء في النهر عشرة فعلى كلٍّ عشرُ المؤنة، فإذا جاوزوا أرض رجل منهم فهي على التسعة الباقين أتساعاً؛ لعدم نفع الأول فيما بعد أرضه، وهكذا فمَن الآخر أكثرهم غرامة؛ لأنه لا ينتفع إلا إذا وصل الكري إلى أرضه ودونه في الغرامة من قبله إلى الأول، والفتوى على قول الإمام. ينظر: «رد المحتار» (٥: ٢٨٤).
(٢) يعني إن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر النهر لم يكن له ذلك؛ لأن فيه إبطال حقّ الباقين فإن تراضوا على أن يسكر الأعلى حتى يشرب بحصته أو اصطلحوا على أن يسكر كل رجل منهم في نوبته جاز؛ لأن الحقّ لهم. ينظر: «درر الحكام» (١: ٣٠٨).
(٣) رزون: وهو الكَوَّة، فارسي معرّب. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص ١٣٦).
(٤) بيانها: ليس لواحد منهم أن يقسم بالأيام ولا مناصفةً مع أن القسمة قد كانت من القديم بالكِوى، وكذا لا يجوز أن يقسم بالكوى وقد كانت بالأيام؛ لأن القديمَ يتركُ على قدمه إلاَّ أن يرضى الكلّ. ينظر: «مجمع الأنهر» (٢: ٥٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>