للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وضمنَ بأقلَّ من قيمتِهِ ومن الدَّين، فلو هلكَ وهما سواء سقطَ دينُه، وإن كانت قيمتُهُ أكثر، فالفضلُ أمانة، وفي أقلّ سقط من دينه بقدرها، ورجعَ المرتهنُ بالفضل، وللمرتهنِ طلبُ دينِهِ من راهنِه، وحبسه به، وحبسُ رهنِهِ بعد فسخِ عقدِه حتى يقبضَ دينَه أو يبرئه

(وضمنَ بأقلَّ من قيمتِهِ ومن الدَّين)، اعلم أنَّ هذا تركيبٌ مشكلٌ غفلَ الناس عن إشكاله، وهو أنَّه يتوهَّم أنَّ كلمة: من؛ هي التي تستعملُ مع أفعلِ التفضيل، وليس كذلك؛ لأنّه إن أريدَ أنّه مضمونٌ بأقلّ من كلِّ واحدٍ فهذا غير مراد، وإن أريدَ أنّه مضمونٌ بأقلَّ من المجموعِ أو بأقلَّ من أحدهما إن كان الواو بمعنى: أو؛ فهذا شيءٌ مجهولٌ غيرُ مفيد، بل المرادُ أنّه مضمونٌ بما هو الأقلّ، فإن كان الدينُ أقلَّ من القيمة فهو مضمون بالدين، وإن كانت القيمةُ أقلَّ من الدين فهو مضمون بالقيمة فيكون: من؛ للبيان، تقديرُه: أنه مضمونٌ بما هو أقلُّ من الآخرِ الذي هو القيمةُ تارةً، والدينُ أخرى، ثمّ إذا عُلِمَ الحكمُ فيما إذا كانت القيمةُ أكثر، وهو أنّه مضمونٌ بالدين، والفضلُ أمانة، فُهِمَ الحكمُ في صورةِ المساواةِ أنَّه يكون مضموناً بالدين.

(فلو هلكَ وهما سواء سقطَ دينُه، وإن كانت قيمتُهُ أكثر، فالفضلُ أمانة، وفي أقلّ سقط من دينه بقدرها، ورجعَ المرتهنُ بالفضل)، فالحاصلُ أنَّ يدَ المرتهنِ على الرهنِ يدُ استيفاء؛ لأنَّه وثيقةٌ لجانبِ الاستيفاء؛ لتكون موصلةً إليه، فيكونُ استيفاءً من وجه، ويتقرَّب بالهلاك، فإذا كان الدينُ أقلَّ من القيمةِ فقد استوفى الدين، والفضلُ أمانة، وإن كانت القيمةُ أقلّ يكون مستوفياً بقدرِ الماليّة، وهي القيمة، فيرجعُ بالفضل، هذا عندنا، وعند مالك (١) - رضي الله عنه - هو مضمونٌ بالقيمة، وعند الشَّافِعِيّ (٢) - رضي الله عنه - هو غيرُ مضمون، بل هو أمانة.

(وللمرتهنِ طلبُ دينِهِ من راهنِه)، فإنّه لا يسقطُ بالرهنِ طلبُ الدّين، (وحبسه به): أي حبسُ الرهنِ بالدّين، (وحبسُ رهنِهِ بعد فسخِ عقدِه حتى يقبضَ دينَه أو يبرئه)، فإنّه لا يبطلُ إلا بالردِّ على الراهنِ على وجه الفسخ؛ لأنّه يبقى مضموناً ما بقيَ القبضُ والدين.


(١) ينظر: «المدونة» (٤: ١٥١)، و «مختصر خليل» (ص ١٨٣)، وغيرهما.
(٢) ينظر: «النكت» (٢: ٤٣٥)، وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>