للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضمنَ عاقلةُ كلِّ فارسٍ ديةَ الآخرِ إن اصطدما وماتا، وسائقُ دابَّةٍ وقعَ أداتُها على رجلٍ فمات، وقائدٌ قطارٍ وَطِئ بعيرٌ منه رجلاً، ضمِنَ الدِّيَةَ وإن كان معه سائقٌ ضمنا، فإن قتلَ بعيرٌ ربطَ على قطارٍ بلا علمِ قائدِه رجلاً ضَمِنَ عاقلةُ القائدِ الدِّية، ورجعُوا بها على عاقلةِ الرَّابط، ومَن أرسلَ كلباً أو طيراً أو ساقَهُ فأصابَ في فورِهِ ضَمِنَ في الكلبِ لا في الطَّير، ولا في كلبٍ لم يسقْه

(وضمنَ عاقلةُ كلِّ فارسٍ ديةَ الآخرِ إن اصطدما وماتا): هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيِّ رحمهُ الله: يضمنُ كلٌّ نصفَ ديةِ الآخر؛ لأنَّ هلاكَهُ بفعلَيْن، فعلِ نفسِه، وفعلُ صاحبه، فيُهْدَرُ نصفُهُ ويعتبرُ نصف صاحبِه، قلنا: فعلُ كلِّ منهما مباح، والمباحُ في حقِّ نفسِهِ لا يضافُ إليهِ الهلاك، وفي حقِّ غيرِهِ يضافُ.

(وسائقُ دابَّةٍ وقعَ أداتُها على رجلٍ فمات، وقائدٌ قطارٍ وَطِئ بعيرٌ منه رجلاً، ضمِنَ الدِّيَةَ وإن كان معه سائقٌ ضمنا، فإن قتلَ بعيرٌ ربطَ على قطارٍ بلا علمِ قائدِه رجلاً ضَمِنَ عاقلةُ القائدِ الدِّية، ورجعُوا بها على عاقلةِ الرَّابط)؛ لأنَّ الرَّابطَ أوقعَهم في هذهِ العهدة.

أقول: ينبغي أن تكونَ في مالِ الرَّابط؛ لأنَّ الرَّابطَ أوقعَهُم في خسرانِ المال، وهذا ممَّا لا يتحمَّلُهُ العاقلة (١).

قالوا: هذا إذا ربط، والقطارُ في السَّير؛ لأنَّه أمرَ بالقَوَدِ دلالة، أمَّا إذا ربطَ في غيرِ حالةِ السَّير فالضَّمانُ على عاقلةِ القائد؛ لأنَّهُ قادَ بعيرَ غيرِهِ بغيرِ أمرِه لا صريحاً ولا دلالةً فلا يرجعُ بما لحقَهُ من الضَّمان.

(ومَن أرسلَ كلباً أو طيراً أو ساقَهُ (٢) فأصابَ في فورِهِ ضَمِنَ في الكلبِ لا في الطَّير، ولا في كلبٍ لم يسقْه)، الحاصلُ أنَّهُ لا يضمنُ في الطَّيرِ ساقَ أو لم يَسُقْ، ويضمنُ في الكلبِ إن ساقَ وإن لم يَسُقْ لا، ففي الكلبِ ينتقلُ الفعلُ إليه بسببِ


(١) أجاب عمَّا قاله الشارح - رضي الله عنه - الحصكفي في «الدر المنتقى» (٢: ٦٦٢)، فقال: لانه دية لا خسران، كما توهمه صدر الشريعة، فلو ربط والقطار واقف ثم قاد ضمن القائد، فلا رجوع لقوده بغيره أمره، وأجاب شيخ زاده في «مجمع الأنهر» (٢: ٦٦٢): إن الرابط لما كان متعدياً فيما صنع صار في التقدير هو الجاني وإذا كان كذلك وجبت الدية على عاقلته.
(٢) أي مشى خلفه معه وإن لم يمش خلفه فما دام في فوره سائق له في الحكم فيلحق بالسوق وإن تراخى انقطع السوق. ينظر: «الدرر» (٢: ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>