للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

....................................................................................................................

قلنا (١): المذكورُ (٢) بعده حرفُ الواو، فاغسلوا هذا المجموع، فلا دلالةَ له على تقديمِ غسلِ الوجه.

وإن سُلِّمَ فمتى استدلَّ المجتهدُ بهذهِ الآية، لم يكنْ الإجماعُ مُنْعَقِداً (٣)، فاستدلالُهُ بها على ترتيبِ الباقي استدلالٌ بلا دليل، وتمسُّكٌ بمجرَّدِ زعمِهِ لا بالإجماع.

وقد رأيتُ في كتبهم: الاستدلالُ بقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا وُضُوءٌ لا يَقْبَلُ اللهُ تَعَالَى الصَّلاةَ إِلاَّ بِهِ» (٤)، وقد كان هذا الوضوءُ مُرَتَّباً، فيفرضُ التَّرتيب (٥).


(١) أجاب في «التلويح» (١: ٩٩ - ١٠٠) عن الاستدلال المذكور، فقال: منع دلالة الفاء الجزائية على لزوم تعقيب مضمون الجزء لمضمون الشرط من غير تراخ على وجوب تقديم ما بعدها على ما عطف عليه بالواو للقطع بأنه لا دلالة في قوله تعالى: {إذا نودي للصلاة … } على أنه يجب السعي عقيب النداء، بلا تراخ، وأنه لا يجوز تقديم ترك البيع على السعي.
(٢) حاصله: انا لا نسلم دلالة الآية على تقديم غسل الوجه حتى يتفرع عليه ثبوت الترتيب بين
البواقي؛ لعدم القائل بالفصل؛ لأن المذكور بعد {فاغسلوا وجوهكم} حرف الواو التي هي للجمع مطلقاً من غير دلالة على الترتيب، ولفظ أيديكم وأرجلكم معطوف على وجوهكم، فيكون داخلاً تحت اغسلوا، ويكون من باب عطف المفرد على المفرد، فالفاء إنما دخلت على غسل الجميع لا على غسل الوجه فقط، فلا تفيد الآية إلا تقديم غسل المجموع من غير دلالة على الترتيب. وتمامه في «العمدة» (١: ٦٦).
(٣) لأن الإجماع المركب بيننا وبينه لم ينعقد كما سبق، مع قطع النظر عن هذا الاستدلال.
(٤) في «سنن الدراقطني» (١: ٧٩)، ولفظه: عن ابن عمر - رضي الله عنه -: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا بماء فتوضأ مرَّة مرة، ثم قال هذا وظيفة الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به، ثم دعا بماء فتوضَّأ مرَّتين مرَّتين، ثم سكت ساعة، ثم قال هذا وضوء من توضَّأ به كان له أجرُهُ مرَّتين، ثم دعا بماء فتوضَّأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي»، قال الوادياشي في «تحفة المحتاج» (١: ١٨٩): فيه ضعفٌ وانقطاع، واستشهدَ به الحاكم. ا. هـ. وقال الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (١: ٥٧): صرح بضعف هذا الحديث ابن الجوزي والمنذري وابن الصلاح والنووي وغيرهم
(٥) ويرد على هذا الاستدلال: أن الحديث بجميع طرقه ضعيف لا يصلح للاحتجاج به على الافتراض. وأيضاً: أنه إذا سلمت صحته فإنه من أخبار الآحاد التي لا يثبت بها الافتراض، وأيضاً: أن دعوى أن ذلك الوضوء كان مرتباً دعوى من غير بينة، فإنه لم يرد في طريق من طرق الحديث المذكور ذلك، وليس في كتب الحديث ما نقلوه في كتبهم أنه توضأ مرتباً. ينظر: «السعاية» (١: ١٥٩ - ١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>