للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو ارتدَّ هو لا تحرمُ عليه عرسُه

اعلم أنَّ في الإقرارِ بعد زوالِ الرِّيح لا يحدُّ خلافاً لمحمَّد - رضي الله عنه -، فإنَّ التَّقادُم عنده لا يمنعُ الإقرار كما في سائرِ الحدود.

وإنِّما لا يحدُّ عندهما؛ لأنَّ حدَّ الشُّربِ إنِّما يثبتُ بإجماعِ الصَّحابة - رضي الله عنهم -، وبدون رأي ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - لا يتمُّ الإجماع، وقد قال: فإن وجدتُم رائحةَ الخمر فاجلدوه (١). فبدونِ الرَّائحةِ لا يحدُّ عنده، فلا إجماع، فلا دليلَ على وجوبِ الحدّ.

واعلم أنَّ السَّكرَ عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه - في حقِّ وجوبِ الحدِّ أن لا يعرفَ شيئاً حتَّى الأرضَ من السَّماء، وفي حقِّ حرمةِ الأشربةِ أن يهذي.

وعندها: أن يهذي مطلقاً، وإليه مالَ أكثرُ المشايخ (٢).

وعنده الشَّافِعِيِّ (٣) - رضي الله عنه -: أن يظهرَ أثرُهُ في مشيه وحركاتِه وأطرافه.

(ولو ارتدَّ (٤) هو لا تحرمُ عليه عرسُه): اعلم أنَّ الأحكامَ الشَّرعيَّة كصحَّةِ الإقرار، والطَّلاق، والعتاق، جاريةً عليه زجراً له، لكن ارتدادَه لا يثبت، لأنَّه أمرٌ حقيقيٌّ اعتقاديٌّ لا حكميّ، فعند عدمِ العقل لا يثبتُ اعتقادُ الكفر، ولمَّا لم يصحَّ ارتدادُهُ لا يثبتُ توابعُه كفسخِ النِّكاح.


(١) بهذا اللفظ لم يجده مخرِّجو أحاديث «الهداية» كصاحب «نصب الراية» (٣: ٣٤٩)، و «الدراية» (٢: ١٠٥)، و «البناية» (٥: ٤٦٥)، ولكن روي عنه في «مصنف ابن أبي شيبة» (٥: ٥٢٤)، و «مصنف عبد الرزاق» (٧: ٣٧١): أنه جاءه رجل من المسلمين بابن أخ له، فقال له: يا أبا عبد الرحمن إن ابن أخي وجدته سكرانا، فقال عبد الله ترتروه ومزمزوه واستنكهوه فترتروه واستنكهوه فوجد سكراناً فرفع إلى السجن فلمَّا كان الغد جئت وجيء به. وفي «صحيح مسلم» (١: ٥٥١)، واللفظ له، و «صحيح البخاري» (٤: ١٩١٢) عن ابن مسعود، قال: كنت بحمص، فقال لي بعض القوم: اقرأ علينا فقرأت عليهم سورة يوسف، قال فقال رجل من القوم: والله ما هكذا أُنْزلت قال قلت: ويحك والله لقد قرأتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: أحسنت فبينما أنا أكلِّمه إذ وجدت منه ريح الخمر، قال فقلت: أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب لا تبرح حتى أجلدك، قال فجلدته الحدّ.
(٢) وفي «تنوير الأبصار» (ص ١٠٣): ويختار للفتوى.
(٣) قال الشافعي في «الأم» (١: ٨٨) في (كتاب الصلاة): هو الذي لا يعقل ما يقول. وقال النووي في «المجموع» (٢: ٢٥) في (كتاب الطهارة): قال أصحابنا: السكر الناقض: هو الذي لا ييقى معه شعور دون أوائل النشوة.
(٤) أي لو ارتدّ السكران لم يصح ولم يحكم به. ينظر: «الدر المختار» (٣: ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>