للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

....................................................................................................................

قيل: القَحبةُ مَن يكونُ لها همَّة الزِّنا، فلا يحدّ.

أقول: القَحبةُ في العرفِ أفحشُ من الزَّانية، لأن الزَّانية قد تفعلُ سرَّاً وتأنف منه، والقَحبة مَن تجاهرُ به بالأجرة.

والفاجرة تكون بكلِّ معصيَّةٍ فلا حدّ به.

ولفظ؛ حرامٌ زاده؛ معناهُ المتولِّدُ من الوطءِ الحرام، وهو أعمُّ من الزِّنا كالواطءِ حالةَ الحيض، لكن في العرفِ لا يرادُ ذلك، بل يرادُ وَلَدُ الزِّنا، وكثيراً ما يرادُ به بالجُرْبُزَ الخِبّ (١)، فلهذا لا يجبُ الحدّ.

والمُؤاجِرُ: يستعملُ فيمَن يؤاجِرُ أهلَه للزِّنا، لكن معناهُ الحقيقي المتعارف، لا يؤذن بالزِّنا، يقال: أجَّرتُ الأجيرَ مؤاجرة، إذا جعلَتْ له على فعلِهِ أجرة.

ولفظ بَغَّا: من شتمِ العوام، يتفهوَّهون به، ولا يعرفونُ ما يقولون.

والضُّحْكَةُ بوزنِ الصُّفْرةِ: مَن يَضْحَكُ عليه النَّاس، وبوزنِ الهَمْزة: مَن يَضْحَكُ على النَّاس، وكذا السُّخْرَةُ ونحوه.

واعلم أنّ الألفاظَ الدَّالةَ على القبائحِ لا تعدُّ ولا تحصى، فالواجب أن يُذْكَرَ لها ضابطٌ يعرفُ به أحكامُ جميعها.

فأقول: قد عرفت أن نسبةَ المحصنِ إلى الزِّنا توجبُ حدَّ القذف، فنسبةُ غيرِ المحصنِ كالعبد والكافر إليه لا توجبُ الحدَّ؛ لانحطاطِ درجتِهما، بل توجِبُ التَّعزير؛ لإشاعةِ الفاحشة.

ونسبةُ المحصنِ إلى غيرِ الزِّنا لا توجبُ حدَّ القذف، فهل توجبُ التَّعزير أم لا؟

فإن نسبَه إلى فعلٍ اختياري يحرمُ في الشَّرع، ويعدُّ عاراً في العرف، يجبُ التَّعزير، وإلاَّ لا إلاَّ أن يكونَ تحقيراً للأشراف.

وإنِّما قلنا: إلى فعلٍ اختياري؛ احترازاً عن الأمورِ الخِلْقيَّة، فلا تعزيرَ في: يا حمار؛ لأنَّ معناهُ الحقيقي غيرُ مراد، بل معناهُ المجازي، كالبليدِ مثلاً، وهو أمرٌ خِلْقي، وكذا: القردُ: يرادُ به قبيحُ الصُّورة، والكلبُ: يرادُ به سيءُ الخلق، إلاَّ أنَّ يقالَ لإنسانٍ شريفٍ النَّفسِ كعالم، أو علويّ، أو رجلٍ صالح، فإنِّهم أهلُ الإكرام، فيعزَّرُ بإهانتهم


(١) الجُرْبُز الخِبّ: الخداع اللئيم. ينظر: «العمدة» (٢: ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>