للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأصحابه، وهو أعظم ردّ لكلِّ أفاكٍ يتهمُ هذا الإمام في خروجه عن طريق سلف الأمة في الاستنباط والنظر.

ولو وقع منه ـ فرضاً وتقديراً ـ خطأ في ذلك لردّه أصحابه الأئمة الفقهاء والمحدثون إلى الصواب، فهذا أبو يوسف إمامٌ مقدّمٌ في حفظِ الآثارِ وأقضية الصحابة والتابعين، والحسن بن زياد إمامٌ مقدّمٌ في التفريع والسؤال، وزفر بن الهذيل إمامٌ مقدّمٌ في القياس، ومحمّد بن الحسن إمامٌ مقدّمٌ في الفطنة وعلم الإعراب والحساب، وعبد الله بن المبارك مقدّمٌ في معرفة الرجال وحفظ الأقوال، وداود الطائي إمامٌ مقدّمٌ في الورع والزهد وضبط الأحوال، وغير هؤلاء ممن جُمِعَ فيهم علوم المعقول والمنقول.

وكان أكثر أصحابه تأليفاً وجمعاً للمسائل وتصنيفاً محمد بن الحسن، فإنّه رحمه الله تعالى كتب المصنّفات التي جمعت قولَ شيخيه: أبي حنيفة وأبي يوسف، ودلائلهما ومداركهما الفقهية، وقولَه في المسائل الفرعية ودقّتَه في فهم كلام العرب وتقعيدِ قواعد المذهب.

لذا أصبحت مرجعاً لفقهائنا الحنفية، عليها يعوّل ويعتمد، وإليها يرجع ويستند، ولما جاء دور أصحاب أصحابه جمعوا ما كتبه وضمّوا إلى ذلك ما قرَّروه في المسائل التي لا رواية للإمام وأصحابه فيها، وما رجَّحوه فيما ظهر لهم من وجوه الترجيح.

ثمّ جاء دور المتأخِّرين فاختصروا مطوّلات المتقدمين تسهيلاً؛ لحفظ المذهب، وجمعوا الأشباه والنظائر، وميَّزوا ظاهر الرواية عن غيرها، ووسَّعوا وجوه التعليل، ونصُّوا على الصحيح المختار والمفتى وما عليه الاختيار، شكَّرَ الله سعيهم.

وكان ممن جمع عيون الروايات ومتون الدرايات مؤلف «الوقاية» صدر صدور فقهاء عصره الإمام الشيخ برهان الشريعة محمود المحبوبي رحمه الله تعالى، فإنّه جَمَع فأوعى بأحسن عبارة وألطف إشارة مع إيجاز في التقرير ودقّة في التعبير.

لذلك امتدت أعناق ذوي التحقيق نحو حقيقته واشتدت رغباتهم في الاعتناء بحلّ لفظه وتطبيقه، فكتبوا له شروحاً، وجعلوه مبيّناً مشروحاً.

وكان شرح عين عيون الفقهاء، صدر الملة والشريعة، الإمام الشيخ عبيد الله بن مسعود المحبوبيّ من أوسع الشروح وأنفعها وأدقّها وأجمعها؛ لما حوى من دفع إيرادات، وحل إشكالات، وزيادة فرائد سوانح خطرت بالبال، وفوائد عوائد أهل الفضل والكمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>